مجلس العموم البريطاني يمرر مشروع قانون يجرّم المؤسسات التي تقاطع إسرائيل

الفلسطينيون يعتبرون غرض القانون هو إسكات مناهضي سياسات الاحتلال الإسرائيل

وسط دعوات لمواجهة مشروع القانون الجديد، صادق مجلس العموم البريطاني، على مشروع قانون يجرّم ويحظر على المجالس المحلية والمؤسسات العامة مقاطعة إسرائيل دعماً للفلسطينيين، في ظل معارضة “حذرة” من حزب العمال المعارض، الذي يواجه رئيسه السابق جيرمي كوربين، اتهامات بـ”معاداة السامية”، فيما قال إصلاحي حركة “فتح” أن مشروع القانون يهدف إلى إسكات الرأي المعارض لسياسات تأييد الاحتلال وتجاهل الأصوات المدافعة عن الحق الفلسطيني.

وحظي مشروع القانون الذي يحمل اسم “الأنشطة الاقتصادية للمؤسسات العامة” بتأييد 268 نائباً في المجلس، مقابل رفض 70 نائباً، فيما امتنع نواب حزب العمال عن التصويت.

ويُجرّم مشروع القانون مقاطعة البلديات والمؤسسات العامة لأي دولة لا تخضع لعقوبات من الحكومة المركزية في لندن، لكن لإسرائيل إشارة واضحة واستثناء “فج” في نص التشريع، الأمر الذي أثار حفيظة كثيرين في الشارع البريطاني، بالإضافة إلى تحالف أطلقته نحو 70 منظمة للعمل داخل البرلمان وخارجه من أجل وقف تقدم مشروع القانون في المراحل المقبلة، أو على الأقل تعديله إلى صيغ أكثر ملائمة ومنطقية.

وأطلق الرافضون لمشروع القانون من منظمات وأفراد، دعوات لوأد التشريع الجديد قبل تحوله إلى واقع يبث الرعب في كل مؤسسة عامة وخاصة، ترفض انتهاك تل أبيب للقانون الدولي وحقوق الإنسان، غير أن “أصدقاء إسرائيل” بين صفوف أحزاب المملكة المتحدة لا يبخلون بأي دعم.

وتُعتبر تهمة “معاداة السامية” السلاح الأقوى في وجه أي مجموعة سياسية أو مدنية تحاول قطع الطريق على إصدار مشروع القانون.

تجريم دعم القضية الفلسطينية

وقال رئيس حملة التضامن مع فلسطين في بريطانيا، كامل حواش، إن مشروع القانون الجديد يمنع المؤسسات العامة من مقاطعة أي دولة في العالم لا تخضع لعقوبات من الحكومة المركزية، لكنه يشير بوضوح وعلانية إلى إسرائيل، كما يشمل في نصه الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان السوري المحتل.

وأضاف “أي أن المقاطعة لا يمكن أن تطال حتى الشركات الإسرائيلية العاملة في تلك المناطق”.

أما المشكلة الأخرى في مشروع القانون الجديد، تكمن وفقاً لحواش، في “تجريم أي مسؤول محلي يُظهر تأييداً لمقاطعة إسرائيل في حال زوال التشريعات الرافضة أو المانعة لذلك”. وبتعبير أخر، تابع حواش “لا يمكن لمسؤول محلي، كرئيس بلدية مثلاً، التحريض ضد مشروع القانون الجديد من خلال تأييده لفكرة محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها لحقوق الإنسان ومشروع القانون الدولي في معاملتها للفلسطينيين والسوريين بالأراضي المحتلة”.

ولفت رئيس حملة التضامن مع فلسطين، إلى أن مشروع القانون لا يستهدف فقط المجالس المحلية والبلديات، وإنما يشمل كل المؤسسات العامة والجامعات والمعاهد والمنظمات الرسمية وغيرها، منوهاً إلى أن “الحملة” رصدت عبر أدواتها البحثية المتعددة وتعاون مع الشركاء المحليين المختصين، نحو 700 مليون جنيه إسترليني على الأقل، تستثمرها الجامعات البريطانية في شركات إسرائيلية مختلفة.

وأوضح حواش أن مشروع القانون الجديد يستهدف بشكل أساسي صناديق التقاعد التي تُديرها المجالس المحلية. فهذه الصناديق على حد قوله، تنطوي على مليارات الجنيهات التي يُمكن استثمارها في شركات إسرائيلية، إلى جانب إظهار بعض البلديات تعاطفاً مع القضية الفلسطينية، وتأييداً لمقاطعة شركات إسرائيلية، ما أثار القلق في الأوساط السياسية ودفع نحو إعداد هذا التشريع والتعجل بإصداره في أسرع وقت.

حماية المجتمعات اليهودية

وزير المجتمعات المحلية في بريطانيا، مايكل جوف، قال “إن مشروع القانون الجديد يُرسخ مبدأ أن السياسة الخارجية للمملكة المتحدة هي مسألة تخص الحكومة المركزية في لندن. ويضمن أن تركز السلطات المحلية جهودها على خدمة السكان، وليس توجيه مواردها بشكل غير فعال”.

واعتبر جوف، أن “مشروع القانون يحمي بشكل حاسم الأقليات، وخاصة المجتمعات اليهودية، من الحملات التي تضر بتماسك المجتمع وتغذي معاداة السامية”.

وتُركز رؤية حكومة حزب المحافظين للقانون الجديد، من أجل ضمان ديمومته، على عدم تغيير نصه أو إلغائه في المستقبل إلا بقرار برلماني يحتاج إلى أكثرية كافية من النواب. وبحسب الباحث في الشؤون البريطانية، رياض مطر، يصعب على أي حزب حشد أكثرية برلمانية ضد أي قرار يمس إسرائيل، أو قد يُفسر في إطار “معاداة السامية” التي يخشاها جميع ساسة المملكة المتحدة، على حد تعبيره.

ولفت مطر، إلى أن “أصدقاء إسرائيل” من نواب وأعضاء في كل حزب بريطاني داخل البرلمان، “يُصعّبون مهمة الحشد السياسي خلف أي تشريع يتعرض لدولة إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر”، لافتاً إلى “التأثير الكبير لهؤلاء الأشخاص في السياسة البريطانية تجاه تل أبيب”، وخاصة في ظل حكومات حزب المحافظين الذي يقبض على السلطة في المملكة المتحدة منذ عام 2010.

وأشار الباحث إلى أن “أصدقاء إسرائيل”، نجحوا في إقناع حكومة تيريزا ماي في 2016، بتبنّي تعريف جديد أكثر تطرفاً لمعاداة السامية. كما تمكن هؤلاء أنفسهم من حشد الرأي العام البريطاني ضد الرئيس السابق لحزب العمال المعارض، جيرمي كوربين، بعد اتهامه بـ”معاداة السامية” نتيجة مواقفه المؤيدة لفلسطين.

وقد انتهى المطاف بكوربين خارج ترشيحات الحزب للانتخابات العامة المقررة في عام 2024.

70 منظمة تواجه مشروع القانون

السياق التقليدي لإصدار تشريع جديد في المملكة المتحدة يتضمن مراجعة اللجان المختصة لنص مشروع القانون بعد القراءة البرلمانية الثانية، ومن ثم يُعرض على مجلس العموم مرة أخرى للتصويت عليه في قراءة ثالثة وأخيرة قد تتضمن بعض التعديلات على نصه.

ويحال مشروع القانون من مجلس العموم إلى مجلس اللوردات، وبعده إلى القصر الملكي حيث يُصادق عليه الملك تشارلز الثالث ويتحول إلى قانون نافذ وملزم.

وبحسب البروفسور حواش، فإن التحالف المكون من 70 منظمة في مجالات مختلفة، لمواجهة مشروع القانون الجديد، يحاول “قطع الطريق على إصداره في المراحل المقبلة، سواء عبر محاولة إقناع النواب المحافظين بالعدول عن تأييدهم له، أو بتشجيع غيرهم على التصويت ضده في القراءة البرلمانية الثالثة والأخيرة، أو حتى إظهار جوانب فيه تُخالف مبادئ حرية التعبير أو تتعارض مع قوانين سابقة في الدولة”.

بدوره، دعا مدير عام منظمة حملة التضامن مع فلسطين، بن جمال، إلى موقف شعبي رافض للقانون الجديد. وطالب البريطانيين في كل دائرة انتخابية بالضغط على نوابهم للتصويت ضده في القراءة الثالثة والأخيرة تحت قبة مجلس العموم، منوهاً إلى أن التشريع الجديد يمنع المؤسسات المحلية من مراعاة القيم الأخلاقية في قرارات الاستثمار والتعاون مع دول تنتهك حقوق الإنسان ومبادئ ومواثيق مشروع القانون الدولي.

وأكد بن جمال خلال فيديو بثه من أمام البرلمان عبر صفحة المنظمة على فيسبوك، أن حكومة حزب المحافظين في عهد مارجريت تاتشر، حاولت عام 1980، إصدار قانون لمنع مقاطعة حكومة جنوب إفريقيا الداعمة للعنصرية.

واعتبر أن “المحافظين اختاروا حينها الجانب الخاطئ في التاريخ، وهم اليوم يعيدون الكرّة عبر منع المؤسسات المحلية من ربط قراراتها الاستثمارية بحقوق الإنسان ومشروع القانون الدولي”.

معاداة السامية

وهناك فرصة لمنع إصدار مشروع القانون الجديد، تتمثل في التصويت ضده في القراءة الثالثة والأخيرة لمجلس العموم، وحتى إذا فشلت المحاولة، تبقى هناك فرصة أخرى لعرقلته عبر مجلس اللوردات إلى حين إجراء الانتخابات العامة في عام 2024، وتغير الخارطة السياسية الداخلية.

والمحاولتان تحتاجان إلى اتحاد أصوات الرافضين للقانون.. لكن هل يمكن لحزب العمال أن يفعل ذلك وقد امتنع عن التصويت ضد مشروع القانون في السابق؟

وقال عضو حزب العمال المعارض، إيفان جاش، إن “امتناع الحزب عن التصويت ضد مشروع القانون، يعكس حرص رئيس الحزب، كير ستارمر، على تجنيب المعارضة تهمة معاداة السامية التي لاحقت العمال خلال عهد سلفه جيرمي كوربين، وقد بذل ستارمر جهداً كبيراً في العامين الماضيين لاحتواء تلك المشكلة سواء داخل صفوف الحزب، أو في العلاقة مع الرأي العام البريطاني”.

وأوضح جاش، أن الحزب الحاكم، طرح القراءة الثانية للقانون، باعتباره “مصيدة” للعمال. “إذ أراد المحافظون من المعارضة التصويت ضد مشروع القانون كي تخسر شعبيتها وتجد نفسها في مواجهة تهمة (معاداة السامية) مرة أخرى”.

لكن ستارمر تعامل بـ”حكمة” ودفع حزب العمال إلى الامتناع عن التصويت، “كي يُبقي المواجهة مع خصومه داخل البرلمان وينقلها إلى اللجان المختصة ومجلس اللوردات بعد ذلك”، بحسب جاش.

وأشار جاش، إلى أن حزب العمال، سيحاول تعديل مشروع القانون الجديد عبر اللجان المختصة لـ”يكتسي حلة مقبولة”، أو “أقل تطرفاً” في دعم إسرائيل.

وأضاف “إن فشل في ذلك سيلجأ إلى مماطلة تمرير مشروع القانون عبر مجلس اللوردات إلى حين استحقاق الانتخابات العامة المقبلة. وحينها إن جاء حزب العمال إلى السلطة فقد يُعيد صياغة مشروع القانون بأكمله، أو يسقطه من أجندته بشكل كامل دون أن يخشى نقمة (أصدقاء إسرائيل)”.

 إسكات الرأي المعارض لسياسات الاحتلال

وانتقد ديمتري دلياني، عضو المجلس الثوري والمتحدث باسم إصلاحي حركة “فتح”، تمرير مشروع قانون في البرلمان البريطاني يمنع مقاطعة دولة الاحتلال. قائلاً ان هذا التشريع الرجعي، الذي يحظر على الهيئات العامة مقاطعة دولة الارهاب الإسرائيلي، هو اعتداء خطير على الحرية السياسية والمبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية، لا سيما في وقت تشهد فيه الأراضي الفلسطينية المحتلة موجة إرهاب إسرائيلية.

وأكد دلياني أن فرض القيود على السلطات المحلية والتقليل من استقلاليتها يشكل تدخلاً غير عادل في حقوق المجتمعات التي تسعى للتضامن مع الشعب الفلسطيني المضطهد.

وأشار دلياني إلى أن زعم الحكومة البريطانية بأن هذا المشروع سيحمي الأقليات، ولا سيما الجاليات اليهودية، هو نفاق وإضلال. فأنصار هذا التشريع يجمعون بشكل مُضلل بين الانتقاد المشروع للسياسات الإسرائيلية القمعية وارهاب دولة الاحتلال من جهة، ومعاداة السامية من جهة اخرى، بهدف إسكات الرأي المعارض لسياسات تأييد الاحتلال وتجاهل الأصوات المدافعة عن الحق الفلسطيني.

ومن المثير للقلق، أضاف دلياني، أن الحكومة البريطانية اختارت أن تضع مصالح الحكومة الإسرائيلية المتطرفة اليمينية فوق القانون الدولي وحقوق الإنسان والعدالة. وانه من خلال منعها لممارسة حق مقاطعة الاحتلال كوسيلة غير عنفية لمحاسبته على استمراره في الإرهاب وانتهاك حقوق ابناء شعبنا الفلسطيني، تتماشى الحكومة البريطانية بوضوح مع من يقمع شعبنا الفلسطيني ويمارس الارهاب المنظم بحقه.

وقد رحب دلياني بأعضاء البرلمان الذين عارضوا هذا القانون، مثل أليشيا كيرنز وديزموند سوين، لنزاهتهم في تحدي سياسات الحكومة. معتبراً ان تحذيراتهم بشأن آثار هذا القانون وطبيعته التمييزية، تستند إلى تفكير سليم والتزام حقيقي بالعدالة في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى