محكمة العدل الدولية تتابع جلسات الاستماع من جنوب إفريقيا وإسرائيل

 لليوم الثاني على التوالي، تابعت محكمة العدل الدولية، الجمعة، جلسات الاستماع من جنوب إفريقيا وإسرائيل حول الدعوى المرفوعة أمام قضاتها الـ 15، فيما زعمت إسرائيل إن حرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها في قطاع غزة هي “عمل من أعمال الدفاع عن النفس ضد حماس والمنظمات الإرهابية الأخرى”.

وينتظر أن تحدد المحكمة خلال الأيام القليلة المقبلة الخطوة التالية وما إذا كانت ستقرر اعتماد إجراءات فورية التنفيذ لحين البت بالدعوى المرفوعة أمامها.

وطالبت جنوب إفريقيا المحكمة بأن تقرر فورا إلزام إسرائيل بوقف إطلاق النار في غزة ووقف قصف الفلسطينيين وعدم وضع العراقيل أمام عودة الفلسطينيين إلى شمالي قطاع غزة والسماح بإدخال كميات كبيرة من المواد الإنسانية إلى كل القطاع.

وكان المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية تال بيكر قال في كلمته أمام المحكمة “يسعى المدعي (جنوب أفريقيا) الآن إلى استخدام هذا المصطلح (الإبادة الجماعية) في سياق سلوك إسرائيل في حرب لم تبدأها ولم تكن تريدها.. حرب تدافع فيها إسرائيل عن نفسها”.

وأضاف “نحن نعيش في زمن أصبحت فيه الكلمات رخيصة. في عصر وسائل التواصل الاجتماعي وسياسات الهوية، أصبح إغراء استخدام المصطلحات الأكثر فظاعة، أي التشهير والشيطنة، أمرا لا يقاوم بالنسبة للكثيرين. ولكن إذا كان هناك مكان واحد حيث يجب أن تظل الكلمات مهمة، حيث تظل الحقيقة مهمة، فهو بالتأكيد محكمة القانون”.

وتابع بيكر “من المؤسف أن المدعي (جنوب إفريقيا) قدم أمام المحكمة صورة وقائعية وقانونية مشوهة بشدة. وتتوقف قضيته برمتها على وصف متعمد، خارج عن سياقه، ومتلاعب لواقع الأعمال العدائية الحالية”.

ومضى قائلا “تزعم جنوب أفريقيا أنها تأتي إلى هذه المحكمة في منصب سامٍ كحارس لمصالح الإنسانية. ولكن بنزع الشرعية عن وجود إسرائيل منذ 75 عاماً في عرضها الافتتاحي، فإن هذا الالتزام الواسع تجاه الإنسانية يبدو أجوفاً”.

وقال أيضا “في وصفها الشامل والمخالف للواقع للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بدا أنها تمحو التاريخ اليهودي وأي مسؤولية فلسطينية”، مضيفا “لذلك، ليس من المستغرب، في رواية المدعي، أن يتم إزالة مسؤولية حماس عن الوضع في غزة”.

مصطلح الإبادة الجماعية

بيكر قال أيضا إن “محاولة استخدام مصطلح الإبادة الجماعية كسلاح ضد إسرائيل في السياق الحالي، لا يقتصر على سرد قصة مشوهة بشكل صارخ للمحكمة، بل يفعل أكثر من مجرد إفراغ الكلمة من قوتها الفريدة ومعناها الخاص. فهو يقوض موضوع الاتفاقية نفسها والغرض منها ــ مع ما يترتب على ذلك من عواقب على جميع الدول التي تسعى إلى الدفاع عن نفسها ضد أولئك الذين يظهرون ازدراء تاما للحياة والقانون”.

وتابع “إذا كانت هناك أعمال يمكن وصفها بأنها إبادة جماعية، فهي قد ارتكبت ضد إسرائيل”.

وعن أهداف إسرائيل في الحرب الحالية، قال “تهدف إسرائيل إلى ضمان عدم استخدام غزة مرة أخرى كقاعدة انطلاق للإرهاب. وكما أكد رئيس الوزراء من جديد، فإن إسرائيل لا تسعى إلى احتلال غزة بشكل دائم أو إلى تهجير سكانها المدنيين. إنها تريد خلق مستقبل أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، حيث يستطيع كل منهما أن يعيش في سلام، وحيث يتمتع الشعب الفلسطيني بكل القوة لحكم نفسه، ولكن ليس القدرة على تهديد إسرائيل”.

ودعا المحكمة إلى رفض الدعوى والإجراءات الفورية التي طلبتها جنوب إفريقيا بوقف إطلاق النار.

تركيا تقدم وثائق للقضية

في سياق متصل، أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى أن بلاده تقدم وثائق للقضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام المحكمة التابعة للأمم المتحدة.

وفي حديثه للصحافيين في إسطنبول، قال أردوغان إن تركيا ستواصل تقديم الوثائق، ومعظمها صور، حول الهجمات الإسرائيلية على غزة.

وتابع: “أعتقد أن إسرائيل ستتم إدانتها هناك. نحن نؤمن بعدالة محكمة العدل الدولية”.

إخفاقات إسرائيل في احترام القانون الدولي

من جانبه، قال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الجمعة، إن إسرائيل أخفقت مراراً في احترام القانون الإنساني الدولي، منذ أن شنت هجومها على غزة رداً على هجوم عبر الحدود شنته حركة “حماس”.

وقالت إليزابيث ثروسيل المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان: “لقد سلطنا الضوء مراراً على إخفاقات إسرائيل المتكررة في احترام المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي: التمييز والتناسب واتخاذ الاحتياطات عند تنفيذ الهجمات”.

وتابعت: “شددت المفوضة السامية على أن انتهاكات هذه الالتزامات قد تؤدي إلى تحمل المسؤولية عن جرائم الحرب، كما حذّرت من مخاطر الجرائم الفظيعة الأخرى”.

قمع مستمر منذ عقود

وطلبت جنوب إفريقيا، التي رفعت الدعوى القضائية في ديسمبر الماضي، من قضاة المحكمة، الخميس، فرض إجراءات عاجلة تأمر إسرائيل بالوقف الفوري لهجومها.

وقالت إن الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي، الذي دمر مساحات واسعة من القطاع الساحلي الضيق، يهدف إلى “القضاء على السكان” في قطاع غزة.

وقتلت إسرائيل، منذ 7 أكتوبر أكثر من 23 ألف شخص، أغلبهم من الأطفال والنساء، وحوّلت معظم قطاع غزة إلى ركام، ودفعت أغلب سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى النزوح، محدثة كارثة إنسانية. وتصف الأمم المتحدة القطاع بأنه “غير صالح للحياة حالياً”، وأنه “أصبح مقبرة للأطفال”.

وقال محامو جنوب إفريقيا، خلال المرافعات الافتتاحية، إن الحرب التي تشنها إسرائيل حالياً على قطاع غزة هي جزء من “قمع مستمر منذ عقود” تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين.

وفي شكوى تقع في 84 صفحة رُفعت إلى محكمة العدل الدولية التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، تحث جنوب إفريقيا القضاة على إصدار أمر عاجل لإسرائيل بـ”تعليق فوري لعملياتها العسكرية” في قطاع غزة.

رئيس جنوب إفريقيا

وقال رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامابوسا، إن بلاده اضطرت لإقامة هذه الدعوى بسبب “القتل المستمر لسكان غزة”، وبدافع من تاريخ الفصل العنصري في بلاده.

وتسعى جنوب إفريقيا إلى أن تفرض محكمة العدل “إجراءات مؤقتة”، وهي أوامر قضائية عاجلة تطبّق فيما تنظر في جوهر القضية الأمر الذي قد يستغرق سنوات. وشددت بريتوريا على أن “الظروف لا يمكن أن تكون أكثر إلحاحاً”، معتبرة أن “إسرائيل تشن حملة عسكرية على قدر خاص من الضراوة”.

وتطالب جنوب إفريقيا أيضاً بتعويضات لإعادة بناء غزة وعودة النازحين الفلسطينيين.

وشنت إسرائيل الحملة العسكرية الشاملة على قطاع غزة بعد هجوم عبر الحدود نفذته “حماس” في السابع من أكتوبر الماضي، قال مسؤولون إسرائيليون إنه قتل 1200، وأسفر أيضا عن احتجاز 240 رهائن في القطاع.

وجنوب إفريقيا وإسرائيل من الدول الموقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتي تم الإعلان عليها في عام 1948 رداً على “مجازر الإبادة في حق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية”.

وتعرف “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية” لعام 1948، التي صدرت في أعقاب القتل الجماعي لليهود في المحرقة النازية، الإبادة الجماعية بأنها “أفعال مرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو عرقية أو عنصرية أو دينية”.

ومنذ أن بدأت إسرائيل حملتها العسكرية اضطر كل سكان القطاع تقريباً، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، إلى النزوح عن منازلهم مرة واحدة على الأقل، ما تسبب في كارثة إنسانية.

ولطالما دافعت جنوب إفريقيا بعد حقبة الفصل العنصري عن القضية الفلسطينية، وهي العلاقة التي تشكلت، عندما رحبت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الراحل ياسر عرفات بنضال المؤتمر الوطني الإفريقي ضد حكم الأقلية البيضاء.

ومن المتوقع أن تصدر المحكمة حكماً بشأن إجراءات عاجلة محتملة هذا الشهر، لكنها لن تصدر حكماً في ذلك الوقت متعلقاً باتهامات الإبادة الجماعية، إذ يمكن لتلك المسألة أن تستغرق سنوات.

وقرارات محكمة العدل الدولية نهائية لا تقبل الاستئناف، لكن المحكمة لا تملك وسائل لإنفاذ أحكامها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى