مخاوف أوكرانية وأوروبية من نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي

فوز الحزب الجمهوري يضع أجندة الرئيس بايدن على طريق النهاية

وسط مخاوف أوكرانية وأوروبية من نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي، التي ترجح فيها غالبية استطلاعات الرأي، فوز الجمهوريين بشكل حاسم، والسيطرة أيضاً على مجلس الشيوخ.

انتخابات التجديد النصفي المقبلة، ستؤثر على مشاريع الرئيس الأميركي جو بايدن وبرنامجه الانتخابي الذي تعهد به سواءً كان ذلك في سياساته الداخلية أو الخارجية، في ظل سلسلة من الأزمات العالمية الناتجة عن الصراع الروسي الغرب متعدد الأوجه، والحرب في أوكرانيا.

وعلى الرغم من أن بايدن والقادة الديمقراطيين، لم يتخلوا علناً عن أملهم بإمكان الاحتفاظ بالسيطرة على الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي المقررة في 8 نوفمبر، إلا أن التشاؤم يسود بينهم، وهم يستعدون لعامين من الصراع الحزبي الطاحن حال فوز الجمهوريين بإحدى الغرفتين التشريعيتين في الكونغرس أو كلاهما.

وحتى لو حدثت المفاجأة واحتفظ الديمقراطيون بالسيطرة على المجلسين، فإن تمرير التشريعات سيبقى مقيداً، كما هو الحال الآن، حسبما يقول روبرت إيركسون، أستاذ العلوم السياسية في “جامعة كولومبيا”.

ويوضح إيركسون أنه سواء سيطر الجمهوريون على إحدى الغرفتين التشريعيتين في الكونغرس أو كليهما فلن تمر أية مشاريع قوانين جديدة في كلتا الحالتين. وإذا احتفظ الديمقراطيون بأغلبية ضئيلة على الكونغرس بمجلسيه، فسوف يظل بإمكان الجمهوريين منع إقرار التشريعات، بسبب آلية التعطيل أو المماطلة (فيلاباستر) والتي تقتضي موافقة 60 عضواً في مجلس الشيوخ لإقرار القوانين.

وفي سيناريو أكثر تشاؤماً، قال ماثيو كونتنيتي، كبير الباحثين في “معهد أميركان إنتربرايز”، أنه إذا تمكن الجمهوريون من الفوز بالأغلبية في أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما، فإن أجندة الرئيس بايدن المحلية “ستصل إلى نهايتها”.

ويشير كونتنيتي إلى السيناريو المحتمل في هذه الحالة، وهو اضطرار إدارة بايدن لقضاء الكثير من وقتها في الدفاع عن نفسها أمام السلطة الإشرافية والرقابية التي يتمتع بها الكونغرس، كما سيتعين عليها الوصول إلى بعض التوافق أو تسوية الخلافات مع خطط الحزب الجمهوري بشأن قضايا مثل الإنفاق الحكومي، وإنتاج الطاقة داخل الولايات المتحدة، وأمن الحدود.

دعم أوكرانيا

يلعب رؤساء الولايات المتحدة دوراً مهيمناً في صنع السياسة الخارجية، ومع ذلك يعد الكونغرس أيضاً لاعباً أساسياً ذلك أنه يتحكم في التمويل.

ومن دون اعتمادات الكونغرس، لن يكون هناك إنفاق فيدرالي على الأسلحة التي تقدم لأوكرانيا أو دعم حكومتها اقتصادياً، ولن يكون هناك تمويل للقاحات كوفيد في العالم النامي، أو وجود عسكري أميركي معزز في بحر الصين الجنوبي، علماً أن للكونغرس اليد العليا في أي مبادرات للسياسة الخارجية تتطلب تشريعات، مثل فرض أنواع جديدة من العقوبات على روسيا، كما يجب أن يوافق مجلس الشيوخ على معظم تعيينات كبار موظفي إدارة بايدن.

ويجب أن يمنح المجلس أيضاً موافقته على الترتيبات الرسمية للمعاهدات الخارجية التي تبرمها حكومة الولايات المتحدة مع دول أخرى، فضلاً عن أن رئاسة اللجان الرئيسة، وخاصة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، تمنح حزب الأغلبية منبراً مؤثراً ولهذا يمكن أن يكون لنتائج انتخابات نوفمبر تأثيرات كبيرة على مبادرات السياسة الخارجية للرئيس بايدن في العامين الأخيرين من ولايته.

وإذا فاز الجمهوريون بمجلس النواب أو مجلس الشيوخ أو كليهما، فمن المعتقد أن يعتمد الرئيس بايدن على بعض الوسائل البيروقراطية المخولة للرئيس في مبادرات السياسة الخارجية على وجه الخصوص، حسبما يقول ماثيو كونتنيتي من “معهد أميركان انتربرايز” إذ سيكون بايدن مثل الرؤساء السابقين خلال فترات الحكومة المنقسمة بين السلطة التنفيذية والتشريعية، خلال العامين المتبقيين من فترة ولايته الرئاسية.

أميركا أولاً

غير أن جيف هوكينز، وهو دبلوماسي أميركي سابق، يرى أن الكونغرس الجمهوري سيجعل الأمور صعبة على بايدن، رغم مجالات التعاون المحتمل بين الحزبين، إذ من المرجح أن تتضاءل آفاق هذا التعاون مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في عام 2024.

وعلى الرغم من تقارب وجهات النظر بشأن مسألة الأمن القومي الأكثر إلحاحاً التي تواجه الولايات المتحدة، مثل الحرب الروسية في أوكرانيا، فإن بعض الجمهوريين في الكونغرس، وضع الاستراتيجية الشاملة لبايدن موضع تساؤل، وليس هناك ما يضمن استمرار الجمهوريين في دعم هذا الموقف ضمنياً.

كما أن أنصار سياسة “أميركا أولاً”، التي يفضلها الجمهوريون اليمينيون الذين يعارضون السياسة الخارجية التدخلية بشكل عام أو المرشحين الجمهوريين للرئاسة الذين يسعون لتقويض بايدن في قضايا مثل التضخم الناتج عن الحرب، قد يصبحون أكثر صخباً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.

ومن بين الأخطار التي تواجه بايدن في الكونغرس الجديد، أن عشرة أعضاء جمهوريين فقط في مجلس النواب صوتوا أخيراً لصالح مشروع قانون تسهيل المساعدة العسكرية لأوكرانيا. وقد تكون الأغلبية الجمهورية في المجلس كافية لإغراق مثل هذا التشريع في المستقبل، ولهذا سيتعين على بايدن أن يعمل بجد لإقناع أعضاء الكونجرس الجمهوريين الرئيسيين، والشعب الأميركي، بأن استمرار الدعم لأوكرانيا يستحق التكلفة.

جرس إنذار لأوروبا

بالنسبة إلى أوروبا، فإن فوز الجمهوريين بالكونغرس، ومن بينهم العديد من أنصار ترامب، من شأنه أن يرسل إشارات تحذير بشأن المسار المستقبلي لالتزامات السياسة الخارجية الأميركية، ويطلق أجراس الإنذار من أن رئيس “أميركا أولاً” قد يعود إلى البيت الأبيض بعد عام 2024، في وقت تواجه فيه العديد من الديمقراطيات الغنية في أوروبا والعالم انقسامات داخلية، وتزايد عدم المساواة والتحديات الشعبوية في الداخل.

وعلاوة على ذلك، فإن الشكوك سوف تتزايد إزاء وعود القيادة الأميركية العالمية في وقت يلزم فيه وجود قيادة منسقة وحازمة للحفاظ على رد فعل قوي وموحد ضد روسيا، ومعالجة أزمة الأمن الغذائي العالمي، وأزمات الطاقة، والمناخ، والديون. وقد يؤدي الفشل في قيادة استجابة عالمية تساعد البلدان النامية، إلى تغذية عجز الثقة بين البلدان الغنية والفقيرة.

توسع الناتو

يعتبر الدعم الجمهوري لحلف شمال الأطلسي (الناتو) نقطة مثيرة أخرى محتملة، فرغم أن هذا الدعم أصبح ضعيفاً بشكل متزايد، ترى إدارة بايدن بوضوح أن التحالف عبر الأطلسي بمثابة حصن رئيسي ضد التوسع الروسي في أوكرانيا وخارجها.

لطالما كان الهدف الرئيس لبايدن هو تنشيط هياكل التحالف الأميركية، بينما كان دونالد ترامب فاتراً في العلاقة مع الحلفاء. ومع ذلك، ظل العديد من الأعضاء القدامى في الحزب الجمهوري ملتزمين بالمنظمة وأهدافها. وفي أبريل الماضي صوت معظم الجمهوريين في مجلس النواب لصالح قرار لدعم الناتو على الرغم من أن الثلث لم يفعل ذلك.

وتنبع المخاوف هنا من تأثير عودة جناح ترامب للحزب، وتأكيد نفسه في الفترة التي سبقت انتخابات نوفمبر. وعلى سبيل المثال، اقترح السيناتور الجمهوري راند بول في جلسة استماع تابعة لمجلس العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أن توسع الناتو باتجاه الشرق يمكن أن يفسر الهجوم الروسي.

الورطة مع الصين

أما في شرق آسيا، يميل مجلس النواب للعب دور أكبر مما يفعله مع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا والشرق الأوسط، ولهذا يمكن أن تنعكس التغييرات في الكونغرس على سياسة إدارة بايدن، إذ أن هناك عدداً متزايداً من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين يميلون إلى الاتجاه الانعزالي، وترتفع أعدادهم بشكل حاد داخل الحزب الجمهوري، الذي أصبح أكثر حذراً من تورط الولايات المتحدة في أجزاء كثيرة من العالم.

ويقول جوشوا كورلانتزيك كبير الباحثين في مجلس العلاقات الخارجية، إنه إذا تمكن هذا التيار من الفوز بمقاعد في انتخابات التجديد النصفي، فقد يؤدي ذلك إلى نقاش أكثر قوة داخل الكونغرس بشأن الإنفاق الدفاعي الشامل وترتيبات الدفاع مع أستراليا وكوريا الجنوبية واليابان.

التدخل في تايوان

بالإضافة إلى أنه قد يؤدي لمناقشة جادة بشأن ما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة تقديم التزام للدفاع عن تايوان، وذلك على الرغم من أن أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين بشكل عام ولا سيما زعيم الحزب الجمهوري ميتش ماكونيل، يميلون إلى التوافق مع إدارة بايدن بشأن السياسات المتعلقة بالصين وتايوان، وكذلك زيادة التركيز على شمال شرقي آسيا وأستراليا.

وفي مجلس النواب، من المحتمل أن يكون لمكاسب الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية تأثير أكبر على السياسة تجاه آسيا، مع وجود عدد أكبر بكثير من المشرعين الجمهوريين الانعزاليين في مجلس النواب بالفعل، والعديد منهم يتنافسون على مقاعدهم في الانتخابات المقبلة. وسيتعين على رئيس مجلس النواب تلبية ما قد يكون تدفقاً للأعضاء الانعزاليين، الذين يدعمون على نطاق واسع السياسات التي تبناها الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي لا يزال أحد أقوى الشخصيات في البلاد.

وفي مواجهة مثل هذا الضغط، قد يركز رئيس مجلس النواب الجمهوري على إعادة التفكير في العلاقة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والتحالفات الأميركية الأخرى في آسيا، وقد لا يرغب البعض في الحزب الجمهوري في التدخل إذا تعرضت تايوان للهجوم، وقد يصبح هذا نقطة خلاف رئيسة خلال العامين المقبلين.

وفي حين أنه من المحتمل أن تكون هناك اختلافات بشأن صياغة سياسات محددة، فإن بايدن والجمهوريين في الكونجرس يشاركون قلقاً عميقاً بشأن الصين، ويشمل ذلك التحركات الجيوستراتيجية لبكين في بحر الصين الجنوبي وما وراءه، ومبادرة “الحزام والطريق” لتشكيل نظام تجاري واستثماري عالمي تقوده الصين.

ووفقاً لـ”مركز بيو للأبحاث”، فإن غالبية عظمى من الأميركيين تصل إلى 89% يعتبرون الصين منافساً أو عدواً وليس شريكاً. وبشكل عام، يُنظر إلى الجمهوريين على أنهم أكثر صرامة مع بكين من الديمقراطيين في الوقت الحالي، إذ ترى إدارة بايدن أن روسيا مزعزعة للاستقرار، والصين تتخذ مواقف أكثر حزماً وصرامة مما كانت عليه في الماضي، وليست خطيرة تماماً على المدى القريب ولكنها مشكلة أكبر بكثير على المدى الطويل.

أحلام بايدن

بالنسبة إلى الرئيس بايدن، فإن أحلامه في أن يصبح مثل الرئيس السابق فرانكلين دي روزفلت، الذي أطلق مشاريع وإصلاحات شاملة حققت نهضة أميركا بين العامين 1933و1939، قد تنتهي، وستتحول السياسات المحلية فجأة إلى “حرب خنادق”، يضطر فيها بايدن وإدارته للدفاع عن إنجازات أول عامين له في منصبه بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.

وبالنظر إلى مجموعة واسعة من القضايا التي يتطلع بايدن لتحقيقها مثل تقنين حقوق الإجهاض، وتحسين نظم رعاية الأطفال، ومعالجة التمييز العنصري في عمل الشرطة، وتعيين المزيد من القضاة المتشابهين في التفكير الليبرالي، وضمان حقوق التصويت، فإنها ستصبح جميعها “أكثر صعوبة إن لم تكن مستحيلة”.

علاوة على ذلك، يهدف الجمهوريون إلى التراجع عن الزيادات الضريبية على الشركات الكبرى التي أقرها بايدن، وتقليص الإنفاق على جهود مكافحة التغير المناخي، والحيلولة دون إعفاء قروض الطلاب، ووقف التوسع في استهداف الغش الضريبي للأثرياء.

كما أن سيطرة الجمهوريين على أي من المجلسين ستؤدي إلى موجة من مذكرات الاستدعاء والتحقيقات.

إلى جانب التراجع عن سياسات بايدن، يعد الجمهوريون بالمضي قدماً في مبادراتهم الخاصة لخفض الضرائب والإنفاق، وحظر النساء المتحولات جنسياً من ممارسة الرياضات النسائية، وتقييد الإجهاض، وحماية حقوق السلاح، واتخاذ إجراءات صارمة للحد من الهجرة، وإضافة المزيد من رجال الشرطة إلى الشوارع، وتعزيز إنتاج الطاقة.

وتلك الأمور سيكون من الصعب تمرير الكثير منها في مجلس الشيوخ، وحتى إذا اعتمدها مجلس الشيوخ فمن المتوقع بشكل كبير أن يستخدم الرئيس بايدن حق النقض، وسيكون من الصعب جداً على الجمهوريين جمع تأييد ثلثي مجلس الشيوخ لتجاوز الفيتو الرئاسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى