مشروع الدستور التونسي بين انتهازية الإخونجية وإرادة الشعب

اتجاهات قوية في الشارع التونسي للمشاركة في الاستفتاء بعد فقدان الثقة بالأحزاب

من المقرر أن يتوجه التونسيون بعد يومين إلى مراكز التصويت على مشروع الدستور الجديد، حيث تتصدر حركة النهضة الإخونجية وحلفائها من الأحزاب معارضة مشروع الدستور وتدعو إلى مقاطعة التصويت، مدفوعة بالخوف على مصالحها الحزبية في ظل الملاحقات القضائية في ملفات الفساد والتمويل الأجنبي.

وترفض حركة النهضة الإخونجية وتحالفاتها، مناقشته من الداخل أو اقتراح تعديلات عليه بالرغم من تخصيص أوقات لتقبل مختلف الملاحظات والاقتراحات، في وقت يسود اتجاه قوى في الشارع التونسي للمشاركة في التصويت بنعم، بعد تجربة عدم الثقة في مواقف الإحزاب التي يعتبرها الكثيرين مواقف انتهازية ولا ترتكز إلى مصالح وطنية.

ويعزو مراقبون للشأن التونسي هذا الموقف المتصلب إلى خوف تلك الأحزاب والنقابات من خسارة نفوذها في المرحلة القادمة في ضوء مؤشرات قوية على أن اعتماد الدستور الجديد سيكون منطلقا لاستعادة الدولة عناصر قوتها والبدء بمحاسبة المتجاوزين.

ويرى هؤلاء المراقبون أن معارضة الدستور والوقوف في وجه تغييرات قيس سعيد منذ الخامس والعشرين من يوليو العام الماضي ورفض مبدأ الاستفتاء كلها عناصر تظهر خوف تلك الأحزاب والمنظمات على خسارة المصالح التي حصلت عليها في سنوات الفوضى واستضعاف الدولة، وأن الأمر لم يقف عند حدود المكاسب المالية بل امتد إلى استصدار قوانين تتيح لتلك القوى افتكاك صلاحيات الدولة ودورها تحت عنوان الاستقلالية القطاعية، واللجوء إلى الإضرابات لفرض الأمر الواقع.

اصطفاف لصالح الإخونجية

ومن الواضح أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة صراع بين الدولة القوية وبين الأحزاب والمنظمات والجمعيات خاصة تلك التي لديها علاقات خارجية مثيرة للشكوك، وتلك التي تحصل على تمويلات دون رقابة على الدخول أو طريقة الصرف، وهو ما يفسر وقوف جمعيات تصنف نفسها كجمعيات مدنية وحقوقية في صف حركة النهضة الإخونجية في صراعها مع الرئيس قيس سعيد، بالرغم من الاختلاف الجذري في الشعارات والأهداف.

وفي مقابل تمترس أغلب الأحزاب والمنظمات في صف المعارضة ينحاز أغلب الشعب التونسي -وفق ما أشارت إليه استطلاعات رأي سابقة- إلى الرئيس سعيد، ويدعم خياراته السياسية بحل البرلمان ومحاسبة السياسيين، وفتح ملف القضاء، وكذلك خياراته الاقتصادية والاجتماعية التي يأمل الشارع التونسي أن تكون قادرة على تغيير الوضع بعد أن فشلت الحكومات المتعاقبة خلال السنوات العشر الأخيرة في تحقيق مطالب الفئات الفقيرة.

وسيتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع الاثنين القادم 25 يوليو -وهو التاريخ الموافق لعيد الجمهورية التونسية- للمشاركة في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي نشره قيس سعيد في الجريدة الرسمية في نسخة أولى ثم في نسخة ثانية معدّلة.

النسخة المعدلة

ويتكوّن المشروع من 142 فصلاً (مادة)، توزّعت على 10 أبواب، بعضها يحتوي على أقسام فرعية. وبحسب مشروع الدستور يؤكد النص المعدّل الطابع الرئاسي للنظام عبر الإشارة إلى أن “رئيس الجمهورية يمارس السلطة التنفيذية، بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة يعيّنه”.

ولن تُعرض هذه الحكومة على البرلمان لنيل الثقة. وبالإضافة إلى ذلك يتمتّع الرئيس بصلاحيات واسعة؛ فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو من يحدّد السياسة العامة للدولة ويصادق على القوانين. كما يمكنه تقديم نصوص تشريعية إلى البرلمان الذي يجب أن يتحقق منها “على سبيل الأولوية”.

وبالإضافة إلى أنّ النص يقلّل بشكل كبير من دور البرلمان وسلطته، ينص أيضاً على إنشاء مجلس ثانٍ هو “الجمعية الوطنية للأقاليم”.

ويقول خبراء إن هذه التغييرات تهدف إلى القطع مع النظام السياسي السابق الذي وزع الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث (الجمهورية والحكومة والبرلمان)، وهو ما عطل عمل مؤسسات الدولة وأربك أوضاع الناس، ما جعل العودة إلى النظام الرئاسي أمرا ضروريا.

النظام الرئاسي الديمقراطي

وقال الناشط السياسي حاتم المليكي، إن “الأسلم بالنسبة إلى تونس هو النظام الرئاسي الديمقراطي؛ لأنه ذو فاعلية ويوحّد القيادة، وهو نظام يمكن أن ينجح لأنه النموذج الأقرب إلى التونسيين”.

وأضاف “إن أعادت تونس التجربة السياسية السابقة (النظام شبه البرلماني وتوزيع السلطات) فستكون تجربة فاشلة وأسوأ من السابق”، لافتا إلى أن “النظام الرئاسي إذا توفرت فيه الشروط الديمقراطية ومراقبة السلطة التنفيذية يمكن أن يؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار السياسي”.

وينص الفصل 110 على أنه “لا يُسأل رئيس الجمهورية عن الأعمال التي قام بها في إطار أداء مهامه”.

وقال نقيب الصحافيين محمد ياسين الجلاصي للأناضول إن “حرية الصحافة والتعبير والحقوق والحريات بصفة عامة كانت مهددة قبل الخامس والعشرين من يوليو 2021 واحتدّت هذه التهديدات أكثر بعد الخامس والعشرين من يوليو”، وإن “هناك إرادة سياسية لدى السلطة -وعلى رأسها رئيس الجمهورية- للتضييق أكثر ما يمكن على حرية الصحافة والتعبير وحق الاحتجاج”.

لكن الواقع على الأرض يروي حكاية مختلفة؛ ذلك أن التضييقات المفترضة التي تعرض لها صحافيون كانت لأسباب تتعلق بتسريبات عن الأمن القومي ولم تنتج عنها توقيفات طويلة الأجل، ولا يقبع أي صحافي تونسي في سجون السلطة.

وحتى في حال حدوث مثل هذه التوقيفات فإنه من الصعب تبرير اتخاذ موقف الضد من الدستور بممارسة فرع أمني واحد من أجهزة السلطة الواسعة وسحب هذه الممارسة على بقية الفروع.

يضمن الحريات الفردية والعامة

وقال الناشط السياسي وأحد المشاركين في حملة الاستفتاء رياض جعيدان “لكي نفهم النظام السياسي في دستور 2022 لا بد من النظر إلى النظام السياسي الذي أرساه دستور 2014 (شبه برلماني)؛ فما دستور 2022 إلا ردّ فعل على تصرفات وتجاوزات عديدة حدثت بين 2014 و2021 وفرضت الحاجة إلى دستور جديد”.

واعتبر أن “دستور 2022 لا يهدد الحقوق والحريات، بل يضمن كل الحريات الفردية والعامة ويضمن حقوق الإنسان بمفهومها الكوني وبتطابقها مع المعايير والعهود الدولية لحقوق الإنسان، ويكرس حرية الضمير والمعتقد ويحافظ على حقوق المرأة ومبدأ التناصف وتكافؤ الفرص بين الجنسين”.

وأكد الرئيس سعيد في رسالته بمناسبة تهنئة التونسيين بعيد الأضحى أن مشروع الدستور يعبّر عن روح الثورة ولا مساس فيه على الإطلاق بالحقوق والحريات، معتبرا أنه لا يهيئ لاختلال التوازن بين الوظائف وأن التوازن يختل حين يهيمن حزب واحد أو تحالف واحد على كل مؤسسات الدولة.

وأوضح أن النصوص القانونية ستكون تحت الرقابة الشعبية سواء داخل المجلس الأوّل أو ضمن المجلس الثاني، فضلا عن رقابة دستورية القوانين من قبل محكمة دستورية تسهر على ضمان علوية الدستور بعيدا عن كل محاولات التوظيف.

واتهم قيس سعيد منتقدي المشروع الجديد بأنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء النظر في كل بنوده وأحكامه ولم ينظروا في تركيبة المحكمة الدستورية ولا في إمكانية سحب الوكالة ولا في حق المجلس في مساءلة الحكومة ولا في تحديد حق الترشح لرئاسة الدولة إلا مرة واحدة، واصفا آراءهم بأنها افتراء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى