مظاهرات في المغرب ضد غلاء الأسعار

الغلاء بلغ مستويات غير مسبوقة منذ 30 عام

شهدت المغرب، السبت، مظاهرات حاشدة في عدد من المدن احتجاجاً على ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية وغلاء كلفة المعيشة، في ظل ارتفاع معدلات التضخم وضعف القدرة الشرائية.

جاءت المظاهرات تلبية لدعوة من الجبهة الاجتماعية المغربية وعدد من أحزاب اليسار.

في سياق هذا الغضب الشعبي المتزايد طفا إلى السطح الحديث عن ثنائية المسؤولية والمحاسبة في ظل الالتزامات الدستورية، وواقعية النتائج عوض وعود الخطابات، وحديث عن عدالة مجالية تنعكس نتائجها على الحياة اليومية للمواطن، من خلال إرساء دعائم اقتصاد قوي وابتكار رؤية حكومية ناجعة ومحاربة الفساد الإداري والارتقاء بجودة خدمات الإدارة العمومية إلى مستوى أعلى.

المحتجون حمّلوا مسؤولية هذه الزيادة التي مست بشكل كبير القدرة الشرائية للمغاربة وخصوصا الأسر ذات الدخل المحدود، للحكومة وهياكلها، إذ اتهموها بتجاهل ما أقدمت عليه اللوبيات المتحكمة في القطاع الغذائي.

مستويات غير مسبوقة من الغلاء

يونس فيراشن، منسق الجبهة الاجتماعية المغربية، قال إن غلاء الأسعار بلغ مستويات غير مسبوقة لم يعهدها المغرب في الـ30 سنة الأخيرة، مضيفا أن ما أجج الغضب هو “لا مبالاة الحكومة، بل أكثر من هذا اعتمادها المزيد من الإجراءات التي تعمق الأزمة”.

وأوضح المتحدث أن 3 ملايين و200 ألف مغربي انضافوا إلى أعداد المحسوبين على الطبقة الفقيرة خلال السنتين الماضيتين. مشيرا إلى أنه بغض النظر عن العوامل الخارجية المتمثلة أساسا في جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، فإن سبب تفاقم المشكلة هي المضاربات والسياسات العمومية والاختيارات الاستراتيجية التي تتحمل مسؤوليتها الحكومات المتعاقبة حسب قوله.

في هذا السياق، ترى الناشطة الحقوقية والرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان خديجة الرياضي أن “استمرار تجاهل مطالب الطبقات المعوزة يهدد بانفجار الوضع الاجتماعي” مضيفة أن “آلاف الأسر المغربية تعاني في صمت خشية مواجهة احتجاجها بالقمع”.

إضراب عام وطني

احتجاجا على الوضع القائم، قررت نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل خوض إضراب عام وطني في الوظيفة العمومية يوم الثلاثاء 18 نيسان/أبريل 2023، إلى جانب تنظيم وقفات احتجاجية، وذلك للمطالبة بزيادة عامة في الأجور، ومراجعة نظام الضرائب على الدخل. قرار النقابة جاء عقب اجتماع لأعضاء مكتبها التنفيذي، الذين ناقشوا “الوضع الاجتماعي المتأزم الذي تعيشه البلاد نتيجة استمرار الارتفاع المهول لأسعار المواد الأساسية، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين، والانحياز لمصالح الرأسمال الريعي الاحتكاري”. النقابة ذكرت أنه “أمام التجاهل الحكومي وعدم تجاوب رئيس الحكومة مع رسالة المكتب التنفيذي حول تنفيذ اتفاق 30 أبريل 2022، وتنزيل ميثاق مأسسة الحوار الاجتماعي واحترام الحريات النقابية، تقرر خوض إضراب عام وطني، وكذلك لمواجهة مخطط المساس بمكتسبات التقاعد”.

من جهته، دعا المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي المعارض الحكومة إلى التفاعل مع القلق الشعبي العميق، الذي أفرزته موجة الغلاء. وسجلت القيادة الاتحادية ما وصفتها “الارتدادات الخطيرة المحتملة للأوضاع الاجتماعية الحالية، على القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، وما قد ينجم عن ذلك من احتقان اجتماعي تدعو مقدماته إلى ضرورة التحرك العاجل والجدي والمسؤول لوقف تداعياته”.

إدريس لشكر الكاتب الأول للحزب شدد على أن موجة الغلاء التي يعرفها المغرب لم تعد مرتبطة بأسباب إقليمية أو دولية، ولكنها حسب قوله نتاج سوء تدبير حكومي واستراتيجيات فاشلة لم تنجح في إيجاد حلول ناجعة للتغلب على الصعوبات الاقتصادية والمالية التي يعيشها المغاربة.

واعتبارا للدور التقويمي والاقتراحي الذي يفترض أن تمارسه المعارضة، أوضح لشكر إن اللجنة الاقتصادية في حزبه ستعقد اجتماعا الإثنين من أجل صياغة مقترحات عملية جوابا على العمل الحكومي ومساهمة في إنتاج أفكار تساعد على التخفيف من وطأة الأزمة المستمرة.

التضخم وصندوق النقد

تأتي المظاهرات التي نظمت في نحو 60 مدينة، وسط ارتفاع مستويات التضخم، الأمر الذي يعرّض الحكومة لانتقادات النقابات والمعارضة البرلمانية.

حسب المندوبية السامية للتخطيط، بلغ معدل التضخم 9,4% في الربع الأول من سنة 2023 مقابل 4% في الفترة نفسها من العام الماضي، كما ازداد التضخم مع الارتفاع في أسعار المنتجات الغذائية بنسبة (+18,2%) في شهر رمضان الذي عادة ما يرتفع فيه مستوى الاستهلاك.

على الرغم من ذلك، وافق صندوق النقد الدولي الإثنين على خط ائتمان مرن للمغرب قيمته نحو خمسة مليارات دولار على مدى عامين. هذا الخط المخصص لغرض تفادي وقوع الأزمات يعادل 417 % من حصة عضويته.

من جهة أخرى، أجاز البنك الدولي هو الآخر تمويلا ثالثا لصالح المملكة لأغراض سياسات التنمية قيمته 450 مليون دولار. يستهدف هذا التمويل الذي يعد الثالث لصالح المغرب دعم الإصلاحات التي بدأتها المملكة لتعزيز الشمول المالي من خلال توسيع نطاق الولوج إلى مجموعة متنوعة من الخدمات المالية للسكان القرويين والنساء والشباب وريادة الأعمال الرقمية من خلال تنويع الأدوات المالية المتاحة للشركات حديثة النشأة.

حسب رئيس القسم الاقتصادي في جريدة الاتحاد الاشتراكي عماد عادل، فإن أسباب ما يجري في المغرب محلية بنسبة 80 في المئة.

تدهور القدرة الشرائية

وأضاف عادل مفسرا أنه رغم ما عاناه الاقتصاد في السنوات الثلاث الماضية، استطاع البلد نسبيا تجاوز الصدمة الاقتصادية التي أعقبت كوفيد-19. لكن، واعتبارا لكون اقتصاد المغرب يسير وفق إيقاع الاقتصاد الدولي، تضاعفت كلفته الاقتصادية مع بدء الحرب في أوكرانيا ثلاث مرات. وبما أنه نفذ في وقت سابق توصيات البنك الدولي برفع الدعم عن المواد بهدف تحرير الميزانية، وجد المواطن نفسه أمام تداعيات تقلبات السوق الدولية، وبالتالي تدهورت قدرته الشرائية بشكل كبير.

هذا التدهور في القدرة الشرائية يحذر ناشطون حقوقيون ومدنيون من تداعياته على أمن واستقرار البلد، مثل حركة التوحيد والإصلاح التي تحدثت عن ضرورة التدخل من أجل ضمان حماية المواطن، وصون كرامته؛ باعتبار ذلك “صمام الأمان في مواجهة كل محاولات المساس بأمن الوطن والمخاطرة باستقراره”، معبرة في الوقت نفسه عن “قلقها الشديد إزاء حالة عدم التجاوب المؤسساتي الفعال في التعاطي مع هذه الأزمة الاجتماعية”، مشيرة إلى أن “الإجراءات التي تتخذها الحكومة غير كافية لإقناع المواطنين والمواطنات وطمأنتهم بالقدر الذي يضمن دوام الاستقرار”.

خديجة الرياضي تحدثت بدورها عن “وضع قابل للانفجار في أي لحظة” موضحة أن “الأزمة مركبة يتداخل فيها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وهو ما ينعكس على ارتفاع معدلات الجريمة والبطالة وانعدام الثقة في المؤسسات”.

الثقة التي تحدثت عنها الرياضي بلغت أدنى مستوياتها لدى الأسر المغربية، وفق مؤشر المندوبية السامية للتخطيط الذي يعتبر مقياسا للحالة الاجتماعية، إذ سجلت 47,4 نقطة حسب المذكرة الإخبارية المتضمنة لنتائج بحث الظرفية لدى الأسر؛ في الفصل الثالث من سنة 2022، والتي أشارت أيضا إلى أن معدل الأسر التي صرحت بتدهورمستوى معيشتها خلال 12 شهرا الأخيرة بلغ 81,5%.

المخاطر التي تواجه المغرب

نشر تقرير المخاطر العالمية الصادر عن الصندوق الاقتصادي العالمي (WEB) في نسخته لعام 2023 نتائج دراسة استقصائية أجريت بمعية 1200 خبير وصانع قرار.

وتشير النتائج إلى أن أزمة تكلفة المعيشة الناجمة عن التضخم، والتي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا، بعد الانتعاش الاقتصادي الذي أعقب الأزمة الصحية لـ Covid-19، تشكل عامل الخطر الرئيسي الذي ستواجهه الدول في العامين المقبلين. بهذا المعنى، فإن المغرب سيكون من بين الدول المعنية، إذ صنف التقرير، الذي تم إعداده بالتعاون مع شركة مارش ماكلينان، وهي مؤسسة متخصصة في استشارات إدارة المخاطر، وكذلك شركة زيورخ للتأمين، المخاطر التي تواجه المغرب فأشار إلى أنه على مقياس من 1 إلى 5، تأتي “أزمة تكلفة المعيشة” أولا. ويليها “التضخم السريع و/ أو المستمر” في المرتبة الثانية، ثم “المخاطر الناشئة عن الصدمات العنيفة لأسعار السلع الأساسية” في المرتبة الثالثة.

وجاءت المخاطر الناجمة عن “أزمات حادة في توفير المواد الأولية” في المرتبة الرابعة على مستوى المغرب، تليها مخاطر “أزمات الديون” في المرتبة الخامسة. في الدولة، تندرج المخاطر الرئيسية بشكل أساسي في الفئة المجتمعية، تليها الاقتصادية، ثم البيئية.

مليون و150 ألف متعطل عن العمل

حسب الصحافي عماد عادل، فإن كثيرا من المغاربة اعتقدوا أن الأزمة ظرفية ستنتفي بمجرد زوال أسبابها الخارجية، لكنهم اصطدموا بواقع مغاير بات معه التضخم هيكليا تستوجب مواجهته تحسين الآلة الإنتاجية ورفع الدخل الفردي، الأمر الذي يتطلب جهدا كبيرا ومزيدا من الوقت.

عادل أضاف أن عوامل الاحتقان تزايدت منذ نحو ثلاثة أشهر، فذكر أن الطبقة المتوسطة التي تعتبر محرك الاقتصاد تتآكل، والسبب في نظره هو عجز الأسر عن العودة إلى الوضع السابق. في المقابل، يرى المتحدث أن هناك كثير من التخبط وانعدام الرؤية لدى الحكومة في اتخاذ القرار السياسي، وهو ما أدى إلى تحول في قناعات المواطنين الذين باتوا واعين بعجز مدبري الشأن العام عن حل مشاكلهم الاجتماعية.

إضافة إلى ما سلف، فإن عدد العاطلين عن العمل الذي بلغ مليون و150 ألف شخص وفق المندوبية السامية للتخطيط يساهم في تغذية هذا الاحتقان، ويحول دون نجاعة الاقتصاد وفق الباحث الاقتصادي.

إن غياب حلول حكومية عاجلة وناجعة من شأنه تأجيج الاحتقان الاجتماعي ودفع المواطنين إلى تصعيد حدة الاحتجاج من أجل انتزاع حقوقهم، الأمر الذي من شأنه تهديد الاستقرار والسلم الاجتماعيين في البلاد وفق المراقبين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى