هل كسب الرئيس بوتين المعركة

فاروق جويدة

بعد شهور من المعارك بين روسيا من جانب وأمريكا وحلف شمال الأطلسي من جانب آخر، على الأراضي الأوكرانية يمكن الآن أن نتوقف قليلا ونتحدث عن هذه المواجهة التاريخية وما يترتب عليها من النتائج في تغيير توازنات القوى فى العالم.. نستطيع الآن أن نضع أيدينا على بعض الحقائق..

ـــ أولا: أن العالم شهد تغيرات لا ينكرها أحد وأصبحت الآن تعكس تغيرات فى المواقف.. لا شك أن أمريكا وحلف شمال الأطلسي لم يحقق النتائج المتوقعة فى هذه المواجهة بل إن الخسائر التى لحقت بهم كانت الأكبر..

ــ ثانيا: أن الرئيس بوتين لم يخسر الحرب، ورغم الخسائر التى لحقت بالجيش والاقتصاد الروسي فإن خسائر الغرب كانت الأضخم حتى الآن.. لقد دفعت أمريكا والاتحاد الأوروبي مبالغ طائلة بمليارات الدولارات ويكفى أن أمريكا قررت تقديم ٤٠ مليار دولار معونات لأوكرانيا فى الأسبوع الماضى.. كان عنصر المفاجأة أحد الأسباب التى قامت عليها المواجهة لأن أمريكا وأوروبا لم يتوقعا أن يدخل الرئيس بوتين هذه المواجهة بكل قدرات روسيا العسكرية والاقتصادية ولم يتصور أحد أن يضع الرئيس الروسى العالم أمام هذا الواقع الكئيب..

ــ ثالثا: فى استخدام أنواع جديدة من الأسلحة يبدو أن السلاح الروسى تفوق على السلاح الأوروبى الأمريكى خاصة الأنواع الحديثة من الصواريخ والطائرات والتكنولوجيا الحديثة.. ولا شك أن هذا الجانب من المواجهة قد غير حسابات كثيرة فى أسواق السلاح وفتح أبوابا كثيرة للمنافسة فى الصناعات التكنولوجية المتطورة فى إنتاج وسائل الاتصال والحرب الإلكترونية وهى نوعيات من الأسلحة لم تشهدها المعارك من قبل..

ــ رابعا: هناك قضايا حسمتها الأحداث والمواقف لمصلحة روسيا.. إن الروبل حقق نصرا كبيرا على الدولار والعملات الأوروبية الأخرى وإن قرار الرئيس بوتين ببيع الغاز بالعملة الروسية كان قرارا حاسما فرض على أوروبا أن تستخدم الروبل وكان القرار وراء هبوط سعر الدولار أمام الروبل بصورة غير مسبوقة وربما كان ذلك من أخطر النتائج التى حققتها روسيا من اجتياح أوكرانيا وسوف تكون له توابع حتى لو انتهت الحرب..

ــ خامسا: على المستوى العسكرى يمكن إن يقال الآن أن روسيا قد حققت أهدافها من اجتياح أوكرانيا وإنها تسيطر الآن على المدن الأوكرانية الكبرى خاصة الموانى التى قطعت كل وسائل التواصل بين أوكرانيا والعالم.. بل إن روسيا منعت تصدير القمح من الموانى الأوكرانية مما جعل الأمم المتحدة تدين الموقف الروسى.. وهنا يمكن إن يقال أن روسيا سيطرت على أجزاء من أوكرانيا خاصة أن أكثر من عشرة ملايين أوكرانى هاجروا من بلدهم إلى دول أوروبا..

ــ سادسا: إن الحرب الروسية الأوكرانية قد عادت بأوكرانيا عشرات السنين للوراء حتى أن أحد كبار المسئولين فى أوروبا قال إن أوكرانيا سوف تحتاج إلى مائة عام لكى ترجع كما كانت.. ولا شك أن الدمار الذى لحق بكل شيء فى أوكرانيا سوف يطرح سؤالاً من يدفع فاتورة إعادة بناء أوكرانيا.. خاصة أن رئيسها المغامر لم يحقق أحلامه فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى.. بل إن أمريكا وأوروبا تخلت عنه..

ــ سابعا: فى مجلس الأمن ثارت قضية خطيرة حول اتهامات بوجود مصانع ومصادر إنتاجية للحرب البيولوجية بما فى ذلك الجراثيم والأمراض واستخدام الطيور فى نقل الجراثيم بين الدول فى أفريقيا وإسيا.. وأن كورونا قد يكون تم توليده فى أوكرانيا لحساب أمريكا..

ــ ثامنا: فى جلسة صاخبة بمجلس الأمن قدم المندوب الروسى وثائق وأدلة فى مضبطة الجلسة تؤكد تمويل البنتاجون الرسمى لبرنامج أسلحة بيولوجية واضحة فى أوكرانيا.. وأسماء الأشخاص والشركات الأمريكية المتخصصة بالأدلة والوثائق المشتركة فى هذا البرنامج.. وأماكن المختبرات فى أوكرانيا وما يتم حتى الآن من محاولات إخفاء الأدلة.. وإعلان مندوب روسيا بأماكن المختبرات الأمريكية التى تعمل فى تصنيع واختبار الأسلحة البيولوجية فى ٣٦ دولة حول العالم.. كما حدد المندوب الروسى الأمراض والأوبئة ووسائل إطلاقها والدول التى يتم تجربتها فيها ومتى وأين تمت التجارب وبعلم حكومات هذه الدول أو دون علمها.. كذلك تأكيد المندوب الروسى أن من ضمن التجارب والآثار هو الفيروس المسئول عن الجائحة الحالية وكم هائل من الخفافيش المستخدمة فى نقل هذا الفيروس..

على الجانب الآخر فإن أمريكا تنفى وفرنسا وبريطانيا تتحالفان معها (والصدى داخل شعوب هذه الدول عنيف للغاية) ويميلون لتصديق هذه الرواية تحت الضغط النفسى الذى خلفته الجائحة على الجميع.. ثم منظمة الصحة العالمية تنفى معرفتها بوجود تجارب بيولوجية فى أوكرانيا وتقول كل معلوماتنا إنها مختبرات طبية بحثية لمقاومة الأمراض ( وروسيا تثبت بالأدلة مكاتبات وزيارات منتظمة لخبراء من منظمة الصحة) للمختبرات الأمريكية المشبوهة حول العالم..والصين تهاجم الجميع طالما انتم تنفون وواثقون من براءتكم لماذا ترفضون باستماتة إجراء تحقيق من متخصصين للوقوف على الحقيقة خاصة مع وجود وثائق وأدله دامغة..

ــ تاسعا: لم تتوقع روسيا أن تكتشف ضمن حملتها العسكرية فى أوكرانيا على طيور مرقمة أنتجتها المختبرات البيولوجية والجرثومية فى أوكرانيا التى تمولها وتشرف عليها الولايات المتحدة الأمريكية.. وبعد دراسة هجرة الطيور ومراقبتها طوال المواسم يُصبح بمقدور الأخصائيين البيئيين وعلم الحيوان معرفة خط السير الذى تسلكه هذه الطيور كل سنة فى رحلتها الموسمية، ومنها مَن يُسافر من بلد إلى بلد أو حتى من قارة إلى قارة.. هنا يأتى دور المخابرات أو الجهات التى تحمل خطة شريرة، فيتم القبض على مجموعة من هذه الطيور المهاجرة ويُعمَل على ترقيمها وتزويدها بكبسولة جراثيم تحمل شريحة ليتم التحكم بها عبر كمبيوترات، ثم يُعاد إطلاق سراحها لتنضم إلى الطيور المهاجرة إلى البلاد التى يُخطّط الضرر بها.. معلوم أن هذه الطيور تسلك مسارا من بحر البلطيق وقزوين إلى القارة الأفريقية وجنوب شرق آسيا، ورحلتين آخريين من كندا إلى أمريكا اللاتينية فى الربيع والخريف.. وخلال طيرانها الطويل يتم التقاط مسارها خطوة بخطوة عبر الأقمار الاصطناعية وهذه قضية سوف يطول الحديث فيها..

ــ عاشرا: حتى الآن يمكن إن يقال أن الرئيس بوتين لم يخسر الحرب بل إن هناك من يرى أنه خرج منتصراً.. لا شك أن الرئيس بوتين استخدم كل ما يملك من الأوراق ضد أمريكا وحلف شمال الأطلسى ابتداء بالقوة العسكرية وانتهاء بكشف مخابئ معامل الأسلحة البيولوجية فى أوكرانيا.. حتى إن مجلس الأمن تحرك للرد على اتهامات روسيا وهى إدانة لو ثبتت سوف تغير حسابات كثيرة وتكشف صورة أمريكا أمام العالم.. خاصة أن فيروس كورونا مازال يطارد سكان الأرض وقد ظهر شبح جديد ينتشر الآن وهو جدرى القرود وإذا تأكد أن أمريكا استخدمت هذه الجراثيم فى إبادة البشر فسوف يعاقبها العالم كله..

رغم العقوبات التى فرضتها أمريكا وأوروبا على روسيا فإنها تحملت ومازالت تحارب وقد تظهر مفاجآت أخرى فى توابع هذه الحرب..

ـــ الخلاصة أن بوتين كشف أمريكا وأوروبا حتى أن بعض الدول الأوروبية بدأت فى مراجعة مواقفها فى حلف شمال الأطلسى.. وقد يكون الخلاف بين هذه الدول بداية تصدع الحلف واختلاف المواقف بين أعضائه.. على جانب آخر فإن الحرب الاقتصادية الآن هى أخطر ما يواجه العالم ما بين الطعام والغاز والبترول وحرب العملات يضاف لهذا أن بوتين لم يكشف كل أوراقه سواء كانت حربا أم سلاما وإن كان قد وضع الغرب كله على بداية عصر جديد لن تكون أمريكا وحدها صاحبة الكلمة فيه.. إن الواضح الآن أن وراء بوتين مشروعا أكبر يتجاوز حدود ومعارك أوكرانيا خاصة إذا تعرض العالم لنوبات جوع شديدة وانتشرت الجراثيم والأمراض فى حرب إبادة جماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى