هل يتجه أردوغان إلى “قبرصة” ليبيا في ظل الصمت العربي

الحبيب الأسود

الوضع في ليبيا أخطر مما يعتقد البعض بعد ظهور بوادر التدخل التركي السافر. الصمت العربي غير المفهوم يزيد من تكريس الخطر. الجامعة العربية التي كان لها دور كبير منذ عام 2011 في ما وصلت إليه الأوضاع في ليبيا لم تتحرك بعد في أي اتجاه، ولو في اتجاه إصدار موقف كالذي أعلنته من الهجوم التركي على شمال سوريا في أكتوبر الماضي.

الداخل الليبي يغلي كالمرجل، المجالس العسكرية في عدد من المدن مثل مصراتة والخمس وزليتن والزنتان والزاوية تعلن حالة النفير العام لمواجهة الجيش، في موقف معاكس لمواقف المجالس الاجتماعية لأعيان القبائل في تلك المدن، فالمسلحون الذين يزعمون أنهم المؤتمنون على ثورة 17 فبراير، لا يرون مانعا من تسليم بلادهم للسلطان العثماني الجديد، وأغلبهم لا يدرك شيئا عن تاريخ طويل من صراع أجدادهم ضد أجداد رجب طيب أردوغان الذين احتلوا ليبيا 500 عام قبل أن يسلموها للمحتل الإيطالي.

الشعارات الثورجية ليست سوى غطاء لعصابات النهب والتهريب والاتجار بالبشر والعربدة التي تعمل على إبقاء الوضع على ما هو عليه. قوى الإسلام السياسي تريد منها الاستمرار في ذلك، وحكومة السراج لا تزال تتحدث عن الدولة المدنية التي يحكمها شقان؛ الإسلام السياسي وأمراء الميليشيات في تحالف بينهما تفرضه المصلحة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتصدي للقوات المسلحة، أي لفكرة الدولة وقيمة السيادة الوطنية.

حكومة السراج لا ترى مانعا من أن يتم تجنيد المرتزقة والإرهابيين والقتلة ومجرمي الحق العام لمواصلة الحرب، وفوق ذلك تفتح الباب أمام التدخل التركي المباشر، والإخوان يدفعونها نحو المزيد من الاستسلام لأوامرهم، هم يرون أن لا مكان يمكن أن يجمعهم بخليفة حفتر، الذي يرون فيه عدوّهم الأبرز منذ أطلق عملية الكرامة ضد ميليشياتهم في شرق البلاد في مايو 2014، ومنذ أن اندمج في مشروع التحالف العربي المقاوم للإرهاب.

ليبيا بلد ثري والصراع عليه كبير إقليميا ودوليا، لكن هناك مثل ليبي يقول إن “الخائن سُلّم العدو”، وبالتالي فإن أي أطماع أجنبية لا يمكن أن تحقق أهدافها إلا إذا وجدت داعما محليا، اليوم وجد هذا الداعم وهو فائز السراج مستفيدا من شرعية دولية تم فرضها على الشعب والمجتمع ومجلس النواب، ولم تتم مراجعتها رغم فشل أدائه طيلة السنوات الأربع الماضية.آخر ما قام به السراج طيلة تلك الفترة، هو توقيعه المُهين على مذكرتي التفاهم مع الأتراك في 27 نوفمبر الماضي، ورغم أن العالم اهتم أكثر بمذكرة المنطقة الاقتصادية الخالصة، فإن مذكرة التعاون الأمني والعسكري تبدو الأخطر على البلاد وسلامة ووحدة أراضيها، خصوصا وأن أردوغان يريد أن يجد موطئ قدم له في ليبيا التي يزعم أنها أرض أجداده، مستفيدا من علاقة نظامه بالميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية المرتبطة بمنظومة الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان، وكذلك مع الأقلية العرقية المنحدرة من أصول عثمانية التي استوطنت المدن الساحلية الغربية وخاصة مصراتة قبل عدة قرون.

“قَبْرصة” ليبيا قد لا تكون أمرا مستبعدا في ظل مشروع واضح للتقسيم يعمل على الدفع بالجيش ليعود إلى المنطقة الشرقية، بينما تنفرد ميليشيات الوفاق والقوات التركية بالمنطقة الغربية والوسطى، والمعروف عن الأتراك أنهم إذا دخلوا قرية استوطنوها، تماما كما حدث عندما غزوا قبرص في 20 يوليو 1974، وقاموا بإنزال جنودهم في الجزء الشمالي من الجزيرة، ليتم الإعلان عن استقلال جمهورية شمال قبرص على الجزء المحتل من تركيا في 15 نوفمبر 1983.

تقع جمهورية شمال قبرص التركية، في الجزء الشمالي من جزيرة قبرص، وهي ذات أغلبية سكانية من أصول تركية. وعلى الرغم من إدارة هذا الجزء من جزيرة قبرص كدولة مستقلة، إلا أنه لا تعترف باستقلاله أي دولة أو مؤسسات دولية إلا تركيا. لذلك تدير جمهورية شمال قبرص علاقتها الخارجية عن طريق تركيا، وكذلك يرتبط اقتصاد الجمهورية بالاقتصاد التركي بشكل كامل وتستعمل فيها العملة التركية كعملة رسمية.

ويتفق السراج وأردوغان والإخوان والميليشيات على الاستهانة بالشعب الليبي وخاصة القبائل البدوية التي تمثل أغلبية السكان وتقف اليوم مع الجيش الوطني، ولكنها لم تستطع فرض إرادة سياسية لتغيير المشهد المأساوي، حتى الأمم المتحدة لا تعطي أهمية حقيقية لثقل تلك القبائل، البعض يرى أن العالم لا يهتم إلا بشيئين: المصرف المركزي ومؤسسة النفط الواقعين تحت سلطة السراج وحلفائه.

أي تدخل عسكري تركي في ليبيا سيكون كارثيا بكل المقاييس، وستشهد البلاد حربا طاحنة في مناطقها الغربية وهجرة كبرى إلى الخارج، واتساعا لدائرة الإرهاب، وانقساما بين شرق وغرب، وكالعادة لن تنظر الدول الكبرى إلا إلى الثروات من النفط والغاز واستمرارية تدفقها، وقد تتحول مصراتة إلى عاصمة فعلية لليبيا نتيجة علاقاتها التاريخية مع الأتراك.

إن عقلية العربدة المعروفة لدى أردوغان قد تدفع به إلى المغامرة، لقد جس النبض العربي مؤخرا وتبين له أن رد الفعل لن يتجاوز الكلام المرسل والبيانات البائسة، كذلك الأمر بالنسبة لرد الفعل الدولي الذي لم يعد الخليفة العثماني يعتد به منذ فترة طويلة.

هل تتم قبرصة غرب ليبيا؟ الأمر قد لا يكون مستبعدا، لقد وجد أردوغان السلّم الذي يصل به إلى وسط البيت، ألم يقل المثل الشعبي الليبي إن “الخائن سلّم العدو”؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى