يلوّحون بالموت لنرضى بالسخونة

إبراهيم الزبيدي

حينما تتابع ما ينشره العراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي من شتائم لإيران والولايات المتحدة اللتين اخترعتا لهم هذا الصداع المزمن، أو من تعليقات وأحلام وأمنيات مملوءة بالحزن الممتزج بالسخرية وفقدان الصبر، لا بد أن تصيبك القشعريرة خوفا على هذا الشعب العنيد من أن يفقد صبره، ويستكين لحالة اليأس والقنوط هذه، ويموت إيمانُه بحتمية الفرج المنتظر الذي لا عزاء له، ولنا، سواه.

ولكن حين تتأمل ما يرتكبه السياسيون المتمسكون بمواقعهم وأملاكهم ومناصبهم ورواتبهم، والمحاصرون خلف جدران المنطقة الخضراء، من موبقات سياسية ومالية وأخلاقية لا تملك سوى أن تعذر المتشائمين من أصحاب المعارك الحامية على تويتر وفيسبوك، ولا بد من أن تصاب، مثلهم، بالملل من الكتابة، وأن تقرر أن تكسر الدفّ وتتوقف عن الغناء.

ما يحصل في العراق اليوم أمر لا يحتمل، ولم يكن يوما في حسبان أحد، ولا يمكن العثور له على صفة لا في اللغة العربية الفصحى، ولا في العامية أيضا، تنطبق على الحالة التي أوصل فيها هؤلاء الملوّثون دولتنا ومؤسساتها إليها، وما يحتمل أن يفعلوه بها في قادم الأيام.

منذ أيام المطرودين بأمر الاحتلالين الأميركي والإيراني، وهم إبراهيم الجعفري ثم نوري المالكي ثم حيدر العبادي فعادل عبدالمهدي، ثم بدء حلقات مسلسل الترشيحات المكوكية الهادفة إلى العثور على بديل يرضي المقتول وقاتله، والمسروق وسارقه، والتي وجد الرئيس برهم صالح نفسه فيها يتقلب على جمر الإرادات المتعاكسة المتشاكسة المتراضية المتعاونة على الإثم والعدوان، لا بد أن يعذر أصحاب التعليقات المتشائمين الخائفين من الموت بفايروس كورونا، أو من الموت هما وغما وجوعا وبطالة وكآبة.

بالرغم من أن جميع الذين رشحهتم الكتل الشيعية الحاكمة التي تصف نفسها بالأكبر، بدءا بمحمد شياع السوداني وأسعد العيداني ومصطفى الكاظمي، مرورا بمحمد توفيق علاوي الذي اضطر الرئيس برهم صالح، مكرها، إلى قبول اعتذاره وانسحابه، لم يتوقف زعماء التكتلات والتحالفات الطائفية والمصلحية الحاكمة عن إطالة حلقات هذا المسلسل المملّ.

وحين تجرّأ الرئيس برهم صالح والتقط مرشحا على هواه، هو عدنان الزرفي المعروف عنه أنه من سكان خيمة الولي الفقيه، والرفيق القديم الجديد لقادة البيت الشيعي الحاكم، راحت الكتل الحاكمة تغلي غضبا على الرئيس لأنه لم يلتقط أحدا من خدمها المؤتمنين الذين تثق بهم وتطمئن إلى أنه لن يعضَّ إخوته في (الجهاد)، تزلفا وتقربا من ماما أميركا.

والحقيقة أنه أصبح أكثر المرشحين لرئاسة الوزراء إثارة للجدل بين مُشكّك في وعوده الأكبر من حجمه، وبين مصدّق، على مضض، باعتباره أفضل السيئين المتوفّرين.

وبالتدقيق في ظروف النظام الإيراني المتدهورة الآن يصبح الزرفي الحصانَ الوحيد المتوفر لتطييب خواطر الوطنيين الرافضين للخيانة والعمالة، من جهة، والأميركيين وأحبائهم العراقيين من جهة أخرى، لعله يستطيع أن يجعل دونالد ترامب يرخي حباله، ولو قليلا ومرحليا، عن رقبة النظام.

ورغم أن العراقيين يلعنون الساعة التي وصلت فيها هيبةُ الدولة إلى الدرجة التي يهان فيها بهذه الوقاحة والصفاق كرسي عبدالمحسن السعدون ونوري السعيد وصالح جبر ومحمد فاضل الجمالي وعبدالرحمن البزاز وطاهر يحيى، فإن اللاعب الإيراني المتمرس في التقية يميل إلى الزرفي، رغم علمه بأنه مرفوض من المتظاهرين، ومكروه من ذيوله، هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي، أيضا.

ونقلا عن شيطان أخرس مقيم في المنطقة الخضراء فإن حقيقة موقف النظام الإيراني من الزرفي هي خلاف المعلن. فهو يريده أن يفوز بالرئاسة، وذلك لقدرته، أو هكذا يبدو، على أن يضحك على ذقون العراقيين والإيرانيين والأميركيين، أجمعين.

فهو من ناحية يعد المتظاهرين بحصر السلاح بيد الدولة، ومحاسبة الفاسدين، وإقامة سلطة العدل والقانون، ومن ناحية أخرى يغازل الوريث الشرعي لقاسم سليماني المدعو إسماعيل قاآني، ويلوّح له بفكرة تلطيف الجو بين نظام وليّه الفقيه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خصوصا في حالة الاختناق التي يمر بها كلاهما في زمن كورونا والإفلاس ونقمة الملايين.

والمتوقع أن يوعز، أخيرا، لوكلائه، هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي ومقتدى الصدر، بتجرّع كأس السم، والانحناء للعاصفة، والتصويت للزرفي، ولو إلى حين.

ولاستكمال لعبة التقيّة هذه فقد كشف أحدُ قادة الأحزاب الشيعية الحاكمة عن اجتماع في منزل عمار الحكيم تقرر فيه تمرير الزرفي، ولكن بطريقة ملتوية تجعل المتظاهرين الغاضبين، حتى وهم معتكفون في المنازل، يرضون بالحُمّى الزرفية خوفا من الأسوأ منها، عملا بالمثل الشعبي العراقي القائل إن “الخائف من الموت يرضى بالسخونة”.

والحديث هذه المرة عن اثنين، أحدهما عزت الشابندر الذي وصف المعتصمين في ساحة التحرير بأنهم “قرود”، واتهمهم بـ”ممارسة اللواط وشرب الخمر وتعاطي حبوب التخدير والهلوسة”، والآخر قاسم الأعرجي. وكلاهما من أصحاب السوابق المعلنة والموثّقة والمفضوحة في السمسرة واكتناز الذهب والفضة من العمولات الملوّثة والصفقات غير القانونية. لقد ضاع الوطن يا فتى.

فقد أعلن عزت الشابندر، بعظمة لسانه، لا خائفا ولا خجلا، أن اسمه، مع قاسم الأعرجي وعبدالحسين عبطان، قد طرح بديلا عن عدنان الزرفي.

أما المخيف فهو أن عددا من المنظرين السياسيين المؤيدين للمعتصمين في ساحات التحرير راح يبشّر، ولو على استحياء، بفكرة أن القبول بالزرفي أفضل من رفضه، خوفا من أن تقع الواقعة ويفرض المتآمرون عزت الشابندر أو قاسم الأعرجي رئيسا للوزراء. آه منك يا زمن!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى