حزب أردوغان يقترب من نهايته لصالح المنشقين

حزب أردوغان يقترب من نهايته لصالح المنشقين  -د. سالم حميد

يقال إن الأحزاب والمنظمات والمؤسسات بشكل عام لها دورة حياة طبيعية، تبدأ صلبة ومتماسكة وذات برامج ومشاريع طموحة، على أنقاض مشاريع أخرى منقرضة وفاشلة، ثم تكمل دورة حياتها وتقع في مأزق مثل المؤسسات والكيانات التي سبقتها. هذا التوصيف ينطبق حرفيا على حزب العدالة والتنمية، حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان وريثا لأحزاب أخرى سبقته، بعد أن فشلت وانتهى تأثيرها في الشارع.

حزب العدالة والتنمية في تركيا تعرض مؤخرا لضربات متوالية كلها قاسية ومؤثرة، تبشر باقتراب الحزب من إنهاء دورة وجوده وتأثيره، خاصة أن دكتاتورية أردوغان وحرصه على النجومية والظهور قضيا على الحزب وعلى كوادره القوية الأكثر تأثيرا وذات النضج الفكري والحضور القيادي.

لا ننس كذلك النتائج السلبية التي بدأ الحزب يسقط فيها خلال الدورات الانتخابية الماضية. وآخرها سقوطه في بلدية إسطنبول. ثم جاءت عملية انشقاق القيادي المؤثر ورئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو. وتعد ضربة قاضية لحزب أردوغان حسب تصنيف المراقبين وتقييمهم لهذه الخطوة. وخاصة أن مبررات داود أوغلو للانسحاب تلطخ سمعة حزب رجب طيب أردوغان وتدخله في دائرة الفساد والفشل السياسي والاقتصادي.

من المهم كذلك معرفة أن داود أوغلو لم يكن الاسم الأول والأخير الذي انشق عن حزب العدالة والتنمية، لكنه أبرز المنشقين وأخطرهم، بعد سلسلة أسماء قيادية سبقته، وأخرى سوف تلتحق به وتلتف حوله نظرا لشعبيته التي تسحب البساط من تحت أقدام أردوغان.

تكمن أهمية داود أوغلو وشخصيته المحورية في أوساط تيار الإسلام السياسي في تركيا، من ناحية الترويج المتكرر له في الوسط الأكاديمي التركي، منذ قدم نفسه من خلال كتاب له حول العمق الاستراتيجي لتركيا، ما جعله عراب السياسة التي تعرف في تركيا بالعثمانية الجديدة، التي تحاول استعادة النفوذ العثماني التقليدي في المنطقة.

كما رسخ أوغلو عبارة “صفر مشاكل” في النهج التركي في بداية عهد حزب العدالة والتنمية، قبل أن يتغول أردوغان ويحاول الاستئثار بالسلطة والحزب ويرسخ شخصية الدكتاتور صاحب القرار الأوحد. ومن أبرز الأخطاء الكارثية التي ارتكبها أردوغان وسيكون لها انعكاس على المستوى الدولي، وتحديدا على مواقف الاتحاد الأوروبي، قيامه بمحاولة ابتزاز أوروبا والتهديد بإغراقها بالمهاجرين السوريين، ما يعكس حالة من التخبط الذي يعاني منه أردوغان. فمقايضة الأوروبيين بملف الحد من الهجرة مقابل ترسيخ أقدام أردوغان وتبرير معاركه الداخلية والخارجية لن تصمد. على العكس مما يتوقع سوف يلجأ الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات حمائية تؤدي إلى حرمان أردوغان مرة أخرى من استخدام ملف الهجرة واللجوء.

تململ داود أوغلو لم يكن وليد الأيام أو الأسابيع الماضية، بل يعود إلى ما قبل انعقاد المؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية الذي دعا إليه في مايو 2016، بعد أن وصلت العلاقة بينه وبين أردوغان إلى مرحلة التوتر، لكن داود أوغلو أجل استقالته من الحزب وأعلنها نهاية الأسبوع الماضي، وأعقب استقالته بمؤتمر صحافي شارك فيه برلمانيون وعدد من القيادات الذين قاموا بإشهار استقالاتهم، في خطوة تمهيدية لتأسيس حزب أو كيان سياسي جديد، لا شك أنه سيكون مرشحا للعب دور أساسي في إنهاء عهد أردوغان ونزع الراية من يده لنقلها إلى أسماء أخرى، تماما كما فعل أردوغان نفسه مع معلمه نجم الدين أربكان.

خطوة داود أوغلو الأخيرة ممثلة بالاستقالة كانت أيضا عملية استباقية لقرار اتخذه جناح أردوغان بفصله مع آخرين، بعد مؤشرات كشفت عن نوايا لتأسيس حزب جديد منافس. وما يجعل حظوظ الكيان الجديد قوية ومن شأنها القضاء على بقايا حزب أردوغان أن ملف الفساد صار ثقيلا، ويضاف إليه فشل الرئيس التركي في الحفاظ على أصوات الناخبين الأتراك.

المعارضون لحزب أردوغان بزعامة داود أوغلو، رغم أنهم كانوا شركاء له قبل ما يقرب من عقدين من الزمن، إلا أنهم أصبحوا يتحدثون بمفردات صريحة عن انحراف الحزب الحاكم. كما بدأ الكثيرون داخل تركيا ينظرون إلى أن مستقبل البلاد سيكون مظلما إذا ما استمر أردوغان في فرض أسلوبه العبثي الذي لم يعد صالحا لإدارة المجتمع التركي.

التوقعات بولادة الحزب الجديد المنافس لأردوغان ترجح أن يظهر قبل نهاية العام الحالي، ومن المتوقع كذلك أن تضم قيادات الصف الأول العديد من الأسماء التي كانت تعمل تحت قيادة أردوغان لكنه خسرها. وهناك قائمة كبيرة لأسماء معارضة لأردوغان، بعضها ذات ثقل يتوازى مع داود أوغلو، مثل الرئيس السابق عبدالله غول ونائب رئيس الوزراء علي باباجان، وآخرون تشكل معارضتهم لأردوغان كابوسا ينذر بطي صفحة حكمه، في ظل انسداد أفق مشروعه السياسي وتحوله إلى مشروع سلطان عثماني يراكم عوامل انهياره منذ سنوات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى