اعترافات لجنود الاحتلال الإسرائيلي… هكذا يقتل الفلسطينيين في مصائد الموت الأمريكية

أكدت شهادات صادمة لجنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي عملوا في قطاع غزة، أن الجيش يقصف بالمدفعية والدبابات عمداً الفلسطينيين في مراكز توزيع المساعدات الإنسانية، سيئة السمعة والصيت، التي صارت معروفة بـ”مصائد الموت الأمريكية”.
وكشفت محادثات أجرتها صحيفة هآرتس العبرية مع ضباط وجنود إسرائيليين، نشرتها اليوم الجمعة، أن قادة في الجيش أصدروا أوامر بإطلاق النار نحو مدنيين لتفريقهم وإبعادهم، رغم عدم تشكليهم خطراً على الجنود.
وفي المقابل، طالبت النيابة العسكرية وحدة التحقيق التابعة لهيئة الأركان العامة بالتحقيق في شبهات ارتكاب جرائم حرب في هذه المواقع، ليس حرصاً على حياة الفلسطينيين، ولكن خشية الملاحقات الدولية.
وبحسب ضباط وجنود خدموا في مناطق مراكز المساعدات، يطلق جيش الاحتلال النار على الأشخاص الذين يقتربون من مراكز المساعدات قبل فتحها، لمنعهم من الاقتراب، أو بعد إغلاقها، بهدف تفريقهم.
ميدان قتل
وقال أحد الجنود: “هذا ميدان قتل. في المكان الذي كنت فيه، كان يُقتل يومياً ما بين شخص إلى خمسة. يُطلق عليهم النار كما لو كانوا قوة مهاجمة.
لا تُستخدم وسائل تفريق التظاهرات، ولا يُطلق غاز، بل يُطلق كل ما يمكن تخيّله، نيران رشاش ثقيل، وقنابل، وقذائف هاون. ثم، عندما تُفتح نقطة التوزيع، يتوقف إطلاق النار، وهم يعرفون أنه يمكنهم الاقتراب. نحن نتواصل معهم عبر النار”.
وأضاف الجندي: “تُطلق النار في الصباح الباكر إذا حاول أحدهم حجز دور من مسافة مئات الأمتار، وأحياناً يتم الهجوم عليهم من مسافة قريبة، رغم عدم وجود خطر على القوات”.
وأضاف: “لا أعرف أي حالة إطلاق نار من الطرف الآخر. لا يوجد عدو ولا أسلحة”. كما أشار إلى أن النشاط العسكري في منطقته يُطلق عليه اسم “عملية سمك مملّح”.
وقال ضباط للصحيفة عينها إن الجيش الإسرائيلي لا ينشر للجمهور في إسرائيل أو في الخارج توثيقاً لما يحدث حول مواقع توزيع الغذاء.
وبحسب أقوالهم، فإن “الجيش راضٍ عن أن نشاط منظمة مؤسسة غزة الإنسانية الأميركية حال دون انهيار كامل للشرعية الدولية”، لمواصلة حرب الإبادة على القطاع، كما يعتقدون أن الجيش نجح في تحويل قطاع غزة إلى “ساحة خلفية”، خاصة في أعقاب الحرب مع إيران.
وقال أحد جنود الاحتياط، الذي أنهى هذا الأسبوع جولة أخرى في شمال القطاع: “غزة لم تعد تهم أحداً. لقد أصبحت مكاناً بقوانين خاصة به. فقدان الأرواح لم يعد يعني شيئاً”.
تجارة القتل والهدم
وفقاً لشهادات الضباط والجنود، كان من المفترض أن يحافظ جيش الاحتلال على مسافة أمان من مناطق السكان الفلسطينيين، ومن نقاط توزيع المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، فإن تحركات القوات على الأرض لا تتماشى مع الخطط العملياتية.
قال جندي: “اليوم، كل مقاول خاص يعمل في غزة باستخدام معدات هندسية يحصل على 5 آلاف شيكل عن كل منزل يهدمه. إنهم يجنون أموالاً طائلة. وبالنسبة لهم، كل لحظة لا يهدمون فيها منازل تُعد خسارة مالية، والقوات مطالبة بتأمين أعمالهم.
ويتابع الجندي، نتيجة لذلك، فإن حملة الهدم التي يقودها المقاولون تقودهم، ومعهم قوات الحماية الصغيرة نسبياً، إلى الاقتراب من نقاط توزيع المساعدات أو من طرق مرور شاحنات المساعدات. ولحماية أنفسهم، تتطور حوادث إطلاق نار تسفر عن قتلى. هذه مناطق يُسمح للفلسطينيين بالوجود فيها، لكننا اقتربنا منها وقررنا أنها تُشكل خطراً علينا.
وهكذا، لكي يحصل المقاول على 5 آلاف شيكل أخرى ونهدم منزلاً، يتقرر أن من المقبول قتل أشخاص يبحثون عن الطعام”.
قائد الفرقة 252
أحد الضباط الكبار في جيش الاحتلال، الذي يُذكر اسمه مراراً في الشهادات المتعلقة بإطلاق النار على الناس في محيط مراكز المساعدات، هو يهودا فاخ، قائد الفرقة 252 نفسه الذي حوّل محور نتساريم من قبل إلى محور قتل للفلسطينيين، كما يُشتبه بأنه أمر بتدمير مستشفى في غزة من دون تصريح.
وتنقل “هآرتس” عن ضابط في الفرقة قوله إن فاخ قرر تفريق تجمعات الفلسطينيين الذين كانوا ينتظرون شاحنات المساعدات التابعة للأمم المتحدة بإطلاق النار عليهم.
وأضاف: “هذه سياسة فاخ، لكن العديد من القادة والجنود تقبّلوها بتفهّم. هم (الفلسطينيون) لا يجب أن يكونوا هناك، لذا يجب التأكد من أنهم يبتعدون بغض النظر عمّا إذا كانوا يبحثون عن طعام”.
في إحدى الحالات، طُلب من جندي احتياط إطلاق قذيفة باتجاه تجمّع قرب الساحل. قال الجندي في حديثه للصحيفة: “من المفترض عموماً أن يكون إطلاق النار تحذيرياً لإبعادهم أو لمنعهم من التقدّم، لكن مؤخراً أصبح إطلاق القذائف إجراءً روتينياً.
وتابع، في كل مرة يُطلق فيها مثل هذا القصف، يكون هناك مصابون وقتلى، وعندما نسأل لماذا نحتاج إلى قذيفة، لا نحصل على إجابات واضحة. أحياناً مجرد طرح السؤال يزعج القادة”.
لماذا نفتح النار عليهم؟
في تلك الحالة، بدأ بعض الأشخاص بالفرار بعد إطلاق القذيفة باتجاههم، ووفقاً للجندي، أطلقت قوات إضافية النار عليهم أيضاً.
ويتساءل الجندي: “إذا كان من المفترض أن يكون إطلاق النار تحذيرياً، ونحن نراهم يفرّون باتجاه غزة، فلماذا نفتح النار عليهم؟ أحياناً يُقال لنا إنهم لا يزالون مختبئين، ويجب إطلاق النار باتجاههم لأنهم لا يغادرون، لكن من الواضح أنهم لا يستطيعون المغادرة إذا كنا نطلق النار عليهم بمجرد أن ينهضوا ويركضوا”.
إنها أوامر من الأعلى
من بين جرائم جيش الاحتلال في محيط مراكز المساعدات، تذكر الصحيفة إطلاق جنود من الفرقة 252 النار، قبل أيام، على تقاطع طرق كان ينتظر فيه مدنيون شاحنات المساعدات.
أحد القادة في الميدان أمر بإطلاق النار نحو مركز التقاطع، ما أسفر عن استشهاد ثمانية مدنيين، بينهم فتيان. وقد جرى إبلاغ قائد المنطقة الجنوبية يانيف عسور، لكنه حتى الآن، باستثناء التحقق من التفاصيل، لم يتخذ أي إجراء ولم يطلب من فاخ توضيحات بشأن العدد الكبير من الشهداء في منطقته.
وقال ضابط كبير في الاحتياطي: “كنت في حادثة مشابهة، ووفقاً لما سمعناه، قُتل هناك أكثر من عشرة أشخاص. عندما سألنا لماذا أُطلقت النار، قيل لنا إنها أوامر من الأعلى وإنهم شكّلوا خطراً على الجنود.
أستطيع أن أقول بشكل قاطع إن الأشخاص لم يكونوا قريبين من القوات ولم يشكّلوا خطراً. ببساطة، قُتلوا بلا سبب. لقد أصبح قتل الأبرياء أمراً طبيعياً. طوال الوقت كانوا يقولون لنا إنه لا يوجد أبرياء في غزة، ويبدو أن هذا تسلّل إلى وعي الجنود”.
ويرى ضابط كبير آخر مطّلع على القتال في غزة أن “السلطة التي يمتلكها القادة الميدانيون الكبار، مقابل قادة هيئة الأركان، تهدد سلسلة القيادة. أكبر مخاوفي هو أن إطلاق النار وإصابة المدنيين في غزة لا ينبعان من حاجة عملياتية أو خطأ في التقدير، بل من أيديولوجيا يتبنّاها قادة ميدانيون ويُمرّرونها إلى الجنود باعتبارها خطة عملياتية”.
تطبيع قتل المدنيين
وفق أقوال مصدر عسكري حضر نقاشاً حول قتل الفلسطينيين، تحدّث المجتمعون عن استخدام المدافع تجاه المدنيين وكأنه أمر طبيعي: “هناك نقاش كامل حول ما إذا كان من الصواب أو الخطأ إطلاق النار بالمدافع، من دون أن يُطرح أصلًا السؤال: لماذا نحتاج إلى هذا السلاح؟ ما يقلق الجميع هو ما إذا كان ذلك سيؤثر على شرعيتنا في العمل داخل غزة.
البُعد الأخلاقي يبدو وكأنه غير موجود. لا أحد يتساءل لماذا يُقتل عشرات المدنيين يومياً وهم يبحثون عن الطعام”.
بدوره، أكد ضابط كبير آخر مطّلع على القتال في غزة أن تطبيع قتل المدنيين شجّع في كثير من الأحيان على إطلاق النار عليهم قرب مراكز المساعدات.
وأوضح: “حقيقة أنه يجرى إطلاق النار على السكان المدنيين باستخدام المدافع، والدبابات، والقناصة أو الطائرات المسيّرة، يتعارض مع كل ما بُني عليه الجيش.
لماذا يُقتل أشخاص يتلقّون مساعدات غذائية، فقط لأنهم خرجوا من الصف، أو لأن قائداً ما لم يُعجبه أنهم تجاوزوا الدور؟ لماذا نصل إلى وضع يكون فيه فتى مستعداً للموت فقط ليُنزل كيس أرز من شاحنة؟ هل يجب إطلاق النار عليه بالمدافع؟”.
بالإضافة إلى إطلاق النار من قبل الجيش، تقول مصادر عسكرية إن بعض الشهداء حول مراكز المساعدات قُتلوا بنيران عائلات مسلّحة يدعمها الجيش الإسرائيلي ويزوّدها بالسلاح.
وبحسب أحد الضباط: “يواصل الجيش دعم تنظيم أبو شباب ومجموعات أخرى. هناك العديد من المجموعات التي تعارض حماس، وأبو شباب اتخذ خطوات إضافية. لديه منطقة لا تدخلها حماس، والجيش يشجّع ذلك”.
وقال ضابط آخر: “أنا، الموجود هناك، لم أعد أعرف من يطلق النار على من”.
تحقيق في الجرائم
وفي جلسة مغلقة هذا الأسبوع بمشاركة كبار المسؤولين في النيابة العسكرية بشأن استشهاد وإصابة عشرات المدنيين يومياً في مناطق توزيع المساعدات، أمر ممثلو النيابة بفتح تحقيق في الجرائم من خلال وحدة التحقيقات التابعة لهيئة الأركان العامة.
ويدور الحديث عن وحدة تهدف إلى فحص الحالات التي يُشتبه فيها بوقوع انتهاكات لقوانين الحرب، وذلك من أجل صدّ مطالبات جهات دولية بإجراء تحقيقات مع جنود في جيش الاحتلال الإسرائيلي بشبهة ارتكابهم جرائم حرب.
وخلال الجلسة، أشار مسؤولون كبار في النيابة إلى أن الانتقادات الدولية بشأن قتل المدنيين آخذة في التزايد.
وفي المقابل، زعم مسؤولون في جيش الاحتلال الإسرائيلي وفي قيادة المنطقة الجنوبية أن “هذه حوادث فردية، وأن إطلاق النار كان موجّهاً نحو مشتبه بهم شكّلوا خطراً على القوات”.
لكن هذه المزاعم، بحسب مصدر حضر الجلسة، لم تقنع ممثلي النيابة العسكرية الذين رفضوا الادعاءات، مؤكدين أنها لا تصمد أمام الواقع.
وقال أحد ممثلي النيابة: “الادعاء بأن الحديث يدور عن حالات فردية لا يتماشى مع أحداث أُطلقت فيها قنابل يدوية من الجو، وقُصفت فيها تجمعات مدنية بقذائف الهاون والمدفعية”. وأضاف: “لا نتحدث عن مقتل عدد قليل من الأشخاص، بل عن عشرات المستهدفين يومياً”.