أردوغان يفشل في رشوة الجزائر

رئيس النظام التركي يُغضب الجزائريين

على وقع هزات أرضية ضربت شرق البلاد، وارتدادات سياسية أعقبت زيارة رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، عاشت الجزائر أسبوعا صاخبا تخلله حادث تحطم طائرة عسكرية وإجراءات أمنية على الحدود.

زيارة أردوغان التي بدأت الأحد الماضي، في محاولة لجر الجزائر خارج مربع التوافق العربي على رفض دور أنقرة في ليبيا، انتهت بفشل دبلوماسي لم تعوضه صفقات اقتصادية، فيما واجه “الضيف الثقيل” رفضاً شعبياً وجدلا بعد أن استعمل خلالها كلاب حراسة وأهان اللغة العربية.

كما شهد الأسبوع المنقضي سقوط طائرة عسكرية شرق البلاد، وهو الشرق ذاته الذي اهتزت أرضه أكثر من 8 مرات في أسبوع واحد من 3 إلى 4 درجات على سلم ريختر.

كما أعلنت الجزائر الاستنفار الأمني والعسكري على حدودها مع جيرانها تحسباً لأية عمليات إرهابية أو اختراق للحدود أو تدفق للأسلحة، بالتوازي مع استمرار تحركاتها الدبلوماسية لإيجاد حل للأزمة الليبية.

وصلها محملا بوعود اقتصادية، وغادرها مثقلا بفشل دبلوماسي، كان ذلك عنواناً لزيارة رئيس النظام التركي للجزائر، الأحد الماضي، وفق قراءات خبراء جزائريين.

وذكر الخبراء أن أردوغان أخطأ مرة أخرى في قراءة مواقف الجزائر من الأزمة الليبية، والرسائل الواضحة التي حضّرتها له قبيل زيارته، سواء باجتماع دول الجوار الليبي أو تصريحات مسؤوليها المتتالية الرافضة للتدخلات العسكرية الأجنبية في ليبيا، والتي قال عنها رئيس الوزراء الجزائري في قمة برازافيل بأنها “زادت الأزمة الليبية تعقيدا”.

وألقى أردوغان بثقل بلاده خلف مليشيات تسيطر على طرابلس بعد أن تداعت تحت ضربات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر التي أطلقت عملية لتحرير العاصمة، منذ أبريل /نسيان الماضي، وسط انتقادات دولية من محاولات أنقرة لإشعال الوضع في البلد الغني بالنفط.

أردوغان حاول استغلال الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الجزائر وحاجتها لتدفق الاستثمارات الأجنبية لتغيير موقفها الرافض لأجندته المشبوهة والمفضوحة في الجارة الشرقية ليبيا، واستهل زيارته للجزائر بما يشبه “الرشاوي الاقتصادية” كما أسماها متابعون.

لكنه سرعان ما فضح نيته المبيتة في كلمته أمام منتدى رجال الأعمال بين البلدين، فخلط أرقام الاستثمارات والمبادلات التجارية مع حساباته في استثمار الوضع الليبي في اجتماع يفترض أنه لمناقشة “العلاقات الاقتصادية” بين البلدين.

“ربما نتيجة صدمته من موقف الجزائر المتعارض مع أطماعه في ليبيا والمنطقة هو الذي دفعه ليقول بضع كلمات عن تحويل الجزائر إلى جنة فوق الأرض باستثماراته، ثم سرعان ما يتبعها بجمل عن النار التي أشعلها في ليبيا” كما علق جزائريون عبر مواقع التواصل.

وتحول خطاب أردوغان في منتدى رجال الأعمال بالجزائر العاصمة، الأحد الماضي، إلى مادة لسخرية الجزائريين، خاصة عندما “لبس ثوب الملاك” وهو يدعو إلى ضرورة “تصفية ليبيا من الإرهاب وإنقاذها من داعش”.

لكن ذلك الثوب كان شفافاً في نظر الجزائريين كما ذكر الخبيرين الأمنيين الجزائريين علي زاوي وأحمد كروش في تصريحين لوسائل إعلامية؛ إذ أكدا أن كل العالم يعرف جيداً أن النظام التركي كان وراء دعم وتمويل الجماعات الإرهابية في ليبيا، ووصل به الأمر إلى إغراق ليبيا بالمرتزقة من سوريا وأفريقيا وإرهابيي داعش وبمختلف أنواع الأسلحة.

وإذا كانت تلك رؤية الجزائريين، فإن موقف السلطات الجزائرية لم يكن بعيداً، فـ”سلخت الأجندة الاقتصادية عن السياسية في زيارة أردوغان” كما ذكر محللون سياسيون، ووقعت معه اتفاقيات اقتصادية “ضخمة”، وأبلغته في المقابل أن الساحة الليبية “ليست معروضة للبيع أو للمقايضة”، وأنه لا يمكن تجاوز مواقف ودور الجزائر البعيد عن مخطط تركي تعلم (الجزائر) جيداً أنه شبيه بفيروس “كورونا” الذي “يسقط الدولة العربية الواحدة تلو الأخرى”.

زيارة أردوغان التي بدأت بتجاهل إعلامي “مفاجئ” رغم أنها الأولى لرئيس دولة منذ انتخاب عبد المجيد تبون رئيساً للبلاد نهاية العام الماضي، سرعان ما أثارت الانتباه في مختلف وسائل الإعلام المحلي ومواقع التواصل الاجتماعي.

“ليس لأهميتها بل لمهازلها” كما علق الجزائريون الذين استهجنوا تصرفات ومواقف الوفد التركي التي أجمعوا على أنها “مقصودة في إهانة الجزائر وشعبها وتاريخها”، ووصفوها بالزيارة “غير البريئة”.

سقطات الزيارة التي أثارت غضب الجزائريين، بدأت بقيام الأمن الرئاسي التركي بتفتيش قاعة خصصت لاجتماع منتدى رجال أعمال البلدين منذ وصول الوفد التركي، استعملوا خلالها “كلاباً مدربة على كشف المتفجرات”.

وتداول الجزائريون عبر منصات التواصل صور “الكلاب التي رافقت أردوغان لحمايته من هجمات إرهابية”، وكانت جميع ردود أفعالهم غاضبة من تصرف الوفد التركي، ومن سماح السلطات الجزائرية لما وصفوه بـ”هذه السقطة الكبيرة التي قللت من هيبة الدولة”.

واتهم الجزائريون أردوغان بـ”محاولة إهانة الجزائر عن قصد من خلال ذلك التصرف”، وبأنه “تشكيك مقصود أعطى انطباعاً بعدم ثقته على قدرة الأجهزة الأمنية الجزائرية على حمايته”.

بينما عدها آخرون “إهانة كبيرة للجزائر تتحمل مسؤوليتها سلطات بلادهم التي سمحت بتمرير تصرف يعبر عن تعالي وتكبر أردوغان وتشكيكه في قدرة بلد بحجم الجزائر على تأمين سلامته، في وقت تعد فيه الجزائر أكثر أمناً من تركيا” كما علق كثير من الجزائريين.

أما السقطة الثانية “التي أنست الجزائريين المهزلة الأولى”، فكانت من داخل قاعة منتدى رجال أعمال البلدين، التي “تكفل الجانب التركي بتحضير كل تفاصيلها” بما فيها اللافتة الكبيرة المخصصة لعنوان المنتدى وأهدافه.

وما أثار سخط الجزائريين “تعمد” الوفد التركي كتابة اللافتة باللغتين التركية و”الفرنسية” عوض “العربية”، وهو ما عده الجزائريون “استفزازاً وتجاوزاً لكل الخطوط الحمر في التعامل مع سيادة بلد ولغته واستبدالها بلغة المستعمر”.

وقرأ كثير من الجزائريين تلك اللافتة على أن أردوغان حاول “إهانة الجزائر مرة ثانية بانتهاك واحدة من الثوابت الدستورية والشعبية وهي اللغة العربية” واعتبار الجزائر “جزء من فرنسا بشكل ضمني”.

وأعرب كثير من الجزائريين عن سخطهم لخرجة رئيس النظام التركي في “عقر دار الجزائر” وانتهاكه “سيادة بلد مضيف”، وأكدوا على أنها “مقصودة وتترجم مرض جنون العظمة الذي لازمه منذ تنصيبه إلاها للإخونجية” كما علق أحد رواد مواقع التواصل.

بينما انتقد آخرون سماح السلطات الجزائرية للوفد التركي بتنظيم اجتماع بذلك الحجم على أرضها حتى “في لافتته وشعاراته”، فيما فسر آخرون خرجات أردوغان بأنها “انتقام من مواقف الجزائر الصارمة من دوره في ليبيا بشكل بات ينظر إليها على أنها عقبة جديدة أمام أوهامه التوسعية”.

وما زال الوضع في ليبيا ومنطقة الساحل يلقي بضلاله على تطورات الوضع بالجزائر، حيث قررت اتخاذ إجراءات أمنية وعسكرية استثنائية جديدة عبر “كافة حدودها” مع جيرانها السبعة.

القرار اتخذه الرئيس تبون بعد زيارة مفاجئة وغير معلنة إلى مقر وزارة الدفاع، واجتماعه مع القادة العسكريين، مرجعاً ذلك إلى تدفق السلاح في مناطق التوتر المحيطة بالبلاد، والتي “تستدعي تعزيز القدرات الدفاعية للكشف المبكر عن أي تهديد مهما كان نوعه ومصدره”.

وكشف العقيد المتقاعد من الجيش الجزائري عبد العزيز مجاهد عن المغزى من زيارة تبون إلى مقر وزارة الدفاع وإعلانه عن جملة من القرارات الأمنية والعسكرية، ودلالاتها في هذا التوقيت.

وأوضح بأن الزيارة حملت رسالتين اثنتين، الأولى هي “أن تبون أعاد الاحترام لعرف يتم التعامل به بين الرئاسة والجيش بعد أن كسره الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة”.

أما الثانية، يضيف مجاهد، فهي “أن القرارات التي اتخذها الرئيس الجزائري لم تأت إلا نتيجة معلومات استخباراتية جزائرية مؤكدة عن شيء ما يطبخ على حدود البلاد، يستوجب التعامل معه بحزم وبخطوات استباقية”.

بينما ربط مراقبون قرارات الرئاسة الجزائرية بزيارة رئيس النظام التركي، بين من عدها “رسالة قوية ثانية من الجزائر على أنها مستعدة عسكرياً وأمنياً للدفاع عن أراضيها من مغامرة تركية”، وآخرون فسروها على أنها “اكتمال صورة مشهد الدور التركي في ليبيا عند الجزائر واحتمالات تأثيره في المنظور القريب على الوضع الداخلي للبلاد”.

واستدل المتابعون في قراءتهم بفك كلمة رئيس الوزراء الجزائري في الاجتماع رفيع المستوى للاتحاد الإفريقي حول ليبيا الذي احتضنه العاصمة الكونغولية برزافيل، والتي قال فيها إن “الأوضاع الأمنية متفاقمة في هذا البلد الشقيق والاحتمالات المتزايدة لانتقال تداعياتها إلى دول المنطقة مثيرة للقلق”، كما أكد على أن المشهد الليبي “بات شديد التعقيد بسبب التدخلات الأجنبية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى