الرئيس التونسي يؤيد مبادرة اتحاد الشغل للحوار الوطني

أيد الرئيس التونسي قيس سعيد، الأربعاء، مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل للبدء بإجراء حوار وطني وإيجاد حلول للأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد، عقب لقاء جمعه بأمينه العام نور الدين الطبوبي.

وكشفت مصادر تونسية عن قبول سعيد بهذه المبادرة التي أطلقها الاتحاد منذ أكثر من شهر ما جعل القلق يساور قيادته بشأن فرص نجاحها، ليدشن بذلك مرحلة القيام بترتيبات خاصة بهذا الاستحقاق الذي يُنتظر أن يعالج ملفات حساسة.

ومن أبرز هذه الملفات الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ترزح تحت وطأتها البلاد. وتدفع جل الأطراف الفاعلة في المشهد نحو تلافي إجراء حوار شبيه بحوار 2013 الذي أفرز حكومة مهدي جمعة المؤقتة إلى حين أُجريت انتخابات 2014.

وفازت الأطراف المشاركة في ذلك الحوار وهي؛ اتحاد الشغل، الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، هيئة المحامين، ورابطة حقوق الإنسان بجائزة نوبل للسلام للجهود التي بذلتها لحماية مسار الانتقال الديمقراطي في تونس.

وقال الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل، محمدعلي البوغديري، إن “سعيد تفاعل إيجابا مع مبادرتنا الرامية لحلحلة الأزمة التي تمر بها البلاد”.

وأضاف البوغديري في تصريحات للاعلام، أن “المناقشات ستستمر بشأن جوانب الحوار الوطني.. بالنسبة لنا كاتحاد الشغل سنواصل مشاوراتنا مع كافة الأطراف من مكونات المجتمع المدني والسياسي وغيره”.

ولم يخف اتحاد الشغل مؤخرا مخاوفه من فشل مبادرته رغم تلويحه بعدم المشاركة في أي مبادرة أخرى وذلك في رسائل متتالية وجهتها قيادة النقابة التونسية على خلفية صمت قصر قرطاج الرئاسي.

وبدا سعيد لفترة طويلة مترددا من خلال التشديد في كل مناسبة على أنه “لا حوار مع الفاسدين” وأن “الحوار يجب أن يقطع مع الصيغ الماضية للحوارات” دون أن يعلن قبوله أو رفضه للمبادرة.

ولكن تتشارك العديد من القوى السياسية والوطنية مع سعيد في بعض التصورات لاسيما أن هناك أزمات تعصف ببعض مكونات المشهد التي بدت تبحث عن الحوار الوطني كمتنفس لأزماتها، والتي من بينها حركة النهضة الإسلامية التي هزتها الخلافات الداخلية بسبب مسألة التمديد لرئيسها راشد الغنوشي في رئاستها.

وإلى جانب ذلك، أوقفت السلطات مؤخرا رئيس حزب قلب تونس وقطب الإعلام، نبيل القروي، الذي يعد شريكا للنهضة الإخونجية في الائتلاف الحكومي ما زاد من التكهنات بإمكانية انهيار هذا التحالف الحكومي.

 وقال زهير المغزاوي، الأمين العام لحركة الشعب (قومي) إن “هذا الحوار ينبغي أن يقطع من حيث شكله مع الحوارات السابقة (..) لا مجال للمحاصصة، ينبغي الالتفات إلى مشاكل الشعب الحقيقية من منوال تنمية وغيره”.

وأضاف المغزاوي في تصريحات صحافية أن “هناك من يشهد أزمة ويراهن على الحوار للخروج منها أو إعادة التموقع.. خاصة حركة النهضة والائتلاف الحكومي.. البعض يعوّل فقط على أخذ بعض الوزارات من خلال الحوار.. لا مجال لذلك”.

ورجحت أوساط تونسية في وقت سابق أن يكون من ضمن مخرجات الحوار الوطني تشكيل حكومة وحدة وطنية مستقلة عن الأحزاب وسقوط حكومة هشام المشيشي.

وأوضحت تلك الأوساط أن هذه الحكومة ستقود البلاد في فترة انتقالية يتم فيها تغيير القانون الانتخابي حتى يتم إجراء انتخابات برلمانية سابقة لأوانها تُفرز مشهدا سياسيا أكثر استقرارا.

ولكن المغزاوي يشدد على أن تونس ليست مستعدة لإجراء انتخابات برلمانية سابقة لأوانها في الظرف الراهن.

وأوضح المغزاوي أنه “من الضروري إعادة النظر في القانون الانتخابي.. هناك أطراف لا ينبغي أن تكون موجودة ضمن أي سباق انتخابي قادم لاسيما أن هذه الأطراف أثبت تقرير محكمة المحاسبات تورطها في تلقي أموال أجنبية”.

وتابع الأمين العام لحركة الشعب أن “النظام السياسي الحالي في تونس شوّه العملية الديمقراطية.. وأن الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية تأزمت.. هناك حالة انسداد للأفق السياسي لذلك يجب أن تتحاور جميع الأطراف وأن نتوصل إلى تسوية حقيقية بين الشعب والنخب”.

ويواجه النظام السياسي المعتمد في تونس، وهو شبه برلماني، انتقادات لاذعة سواء من أطراف سياسية على غرار حركة مشروع تونس التي كان رئيسها محسن مرزوق من الأوائل الذين وجهوا سهام نقدهم لهذا النظام أو من بقية النخب التي تقول إن فشل البلاد اليوم سببه المباشر النظام السياسي.

ويبدو أن مهمة التوصل إلى توافق بشأن تغيير النظام السياسي تبقى صعبة لاسيما في غياب المحكمة الدستورية التي تنظر في دستورية القوانين.

وفيما ترفض قوى سياسية على غرار حركة النهضة الإخونجية تغيير النظام السياسي بذريعة عدم استكمال إرساء مؤسسات الدولة خلال العشرية الأولى لثورة 14 يناير، فإن هناك أطرافا أخرى ترفض الحوار الوطني على غرار الحزب الدستوري الحر الذي تقول رئيسته عبير موسي إنهم “لن يدخلوا في حوار مع من أوصل البلاد إلى هذه الحالة” ما يجعل نتائج هذا الحوار غير مضمونة.

ومن جهته يرفض الاتحاد الحوار مع كتلة ائتلاف الكرمة القريب من النهضة الإخونجية والذي يتبنى خطابا متطرفا معاديا للنقابات وغيره.

وبالرغم من أنه لم يُعلن بعد عن الأطراف المعنية بهذا الحوار، غير أنه يبدو أن حزب قلب تونس أيضًا غير معني به لاسيما أن الرئيس ألمح مرارا إلى رفضه الحوار مع “الفاسدين” في إشارة إلى القروي الذي يواجه اتهامات بتبييض الأموال والتهرب الضريبي وغيرها.

وربط مراقبون بين إيقاف القروي وقبول سعيد بمبادرة الحوار حيث قال الإعلامي والمحلل السياسي إبراهيم الوسلاتي إنه “من الواضح أن سعيد لخّص الفساد في شخص منافسه في الدور الثاني من الانتخابات وهو القروي لذلك عندما تم إيقافه قرر إنهاء تردده إزاء هذه المبادرة”.

وأضاف الوسلاتي في تصريحات مع وسائل الاعلام،  أنه “أخيرا اقتنع سعيد بضرورة إجراء هذا الحوار وهي خطوة إيجابية.. وفي النهاية يبقى اتحاد الشغل ملاذ التونسيين الأخير، لابد من إنهاء هذه الأزمة التي تعيشها البلاد على مختلف الأصعدة لكن لننتظر أن نعرف من هي الأطراف التي ستشارك في الحوار، هل سيقتصر على الأحزاب الممثلة في البرلمان أم غير الممثلة أم في مكونات المجتمع المدني؟ ننتظر ونرى” موضحا “لا مفر من الحوار، هذا الحوار يختلف مع حوار 2013 لأن اليوم هناك مؤسسات قائمة (برلمان وحكومة ورئيس منتخب)، وننتظر لنعرف إن كان هذا الحوار سياسيا أو اقتصاديا أو سيتناول كلا المجالين خاصة أن السياسة هي من تقوم بعرقلة كل شيء في البلاد”.

 

 

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى