النهضة تستعجل اجتماع مجلس الشورى للخروج من عزلتها

الجمعي قاسمي

سيعقد مجلس شورى حركة النهضة الإسلامية اجتماعا، مساء السبت المُقبل، لحسم مسألة الشخصية التي ستختارها لرئاسة الفريق الحكومي الجديد، ولتحديد الشركاء المفترضين للتحالف معهم، وسقف التفاهمات الممكنة للخروج من المأزق الذي دخلته، نتيجة تزايد الرفض الحزبي لمقارباتها السياسية لطبيعة وشكل الحكومة القادمة.

وقالت مصادر مقربة من المكتب التنفيذي لحركة النهضة، إن قرار عقد الاجتماع المرتقب لمجلس الشورى، أملته عدة عناصر موضوعية لها صلة بعامل الوقت الذي أصبح ضاغطا، باعتبار أن الأسبوع القادم سيشهد حسم الطعون في نتائج الانتخابات التشريعية، بما يمكّن هيئة الانتخابات من الإعلان عن نتائجها النهائية، وبالتالي فسح المجال للرئيس قيس سعيّد لتكليف حركة النهضة رسميا بتشكيل الحكومة.

وأضافت، أن هذه العناصر الموضوعية ترافقت مع أخرى مستجدة فرضتها الجولة الأولى من المشاورات السياسية، التي أجرتها حركة النهضة مع عدد من الأحزاب والمنظمات الوطنية، والكتل البرلمانية في سياق بحثها عن شركاء يقاسمونها البعض من تصوراتها لطبيعة وشكل وبرنامج الحكومة القادمة، الذي كشفت عنه في وثيقة حملت عنوان “مشروع وثيقة تعاقد للحكومة”.

ولم تستبعد أن تتخلل هذا الاجتماع المرتقب نقاشات حادة حول النقطة الأولى المتعلقة باسم الشخصية التي ستختارها حركة النهضة لرئاسة الحكومة، وما إذا ستكون من داخلها أو من خارجها، بالنظر إلى استمرار تباين الآراء حولها، الذي كشف عن شقين لهما مواقف متضاربة، الأمر الذي ضاعف من المتاعب التي تواجهها هذه الحركة، التي اقتربت من آخر الفصول التي تخشاها.

وكان مجلس شورى حركة النهضة الإسلامية، قد أقر خلال اجتماعات دورته العادية الـ32 التي عقدها قبل أسبوعين، أن يكون رئيس الحكومة التونسية القادمة من داخل الحركة، وذلك بعد نقاشات وُصفت بـ”الصاخبة”، شارك فيها بمداخلات “حادة ” أكثر من 100 عضو من أصل 150 عضوا.

ولم تُفلح تلك الاجتماعات، التي جرت في مدينة الحمامات الساحلية، في تحديد اسم القيادي الذي سيُكلف بمهمة رئاسة الحكومة القادمة، حيث تم ترحيل هذه المسألة إلى الاجتماع القادم، نتيجة تباين المواقف حول رئيس الحركة راشد الغنوشي، إلى جانب ارتفاع عدد الذين أبدوا رغبتهم لتولي هذا المنصب.

ويُنتظر أن يتواصل هذا الجدل خلال الاجتماع المرتقب لمجلس شورى هذه الحركة، حيث ارتفعت الأصوات من داخل هذه الحركة الرافضة أن يكون رئيس الحكومة القادمة من داخل الحركة، إلى جانب رفض إسناد هذه المهمة إلى رئيس الحركة راشد الغنوشي، الذي كثف من اتصالاته ومشاوراته مع الأحزاب السياسية، بحثا عن تفاهمات لتشكيل الحكومة القادمة. وعبّر عن هذا الرفض بوضوح، القيادي محمد بن سالم، الذي اعتبر في تصريحات إذاعية سابقة، أن “الأسماء المطروحة من داخل النهضة لرئاسة الحكومة مثل راشد الغنوشي وغيره من عرّابي التوافق مع نداء تونس، لا يجب أن يقودوا المرحلة القادمة وتُطرح أسماؤهم لرئاسة الحكومة، باعتبار أن المرحلة الحالية بعد الانتخابات أفرزت انحيازا للأحزاب الثورية”.

وتابع قائلا، إنه “لا يرى في رئيس الحركة راشد الغنوشي الشخصية الأنسب لرئاسة الحكومة المقبلة، ولا يعارض ترشيح شخصية مستقلة لرئاسة الحكومة، والعمل مع حركة الشعب، والتيار الديمقراطي وتحيا تونس وائتلاف الكرامة، وغيرها من القوى المنحازة للثورة”.

ويبدو أن هذا الموقف أثار غضب نورالدين البحيري، القيادي البارز في حركة النهضة، الذي وصف، في تصريح نشرته وكالة الأنباء التونسية الرسمية مساء السبت، ذلك بـ”خيانة لثقة الناخبين”.

وشدد على أن حركة النهضة “متمسكة بحقها الدستوري في أن يكون رئيس الحكومة المقبلة من المنتمين إليها”، قائلا ” لقد وعدنا ناخبينا بأن يكون قيس سعيّد في قرطاج وحركة النهضة في القصبة، ورفض أن يكون رئيس الحكومة المقبلة من غير المنتمين إلى الحركة، هو من قبيل التنصل من المسؤولية، وخيانة لثقة الناخبين”.

ورأى مراقبون، أن هذا التضارب في المواقف لا يمثل سوى رأس جبل الجليد حول التباينات الحادة داخل حركة النهضة، وهو بذلك يعكس حالة الارتباك التي تعيشها ورئيسها راشد الغنوشي، المرشحة للمزيد من التفاقم، بما سيقلص من مساحة الرهانات على إمكانية تطويق تداعياته، والتخفيف من وطأته على تماسك وضعها الداخلي الذي اتسعت دائرة تصدعاته.

ويرجح أن تساهم المواقف الحزبية الأخرى، الرافضة لتولي حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي رئاسة الحكومة القادمة، في تعميق مأزق الحركة التي باتت تستشعر قلقا متزايدا من تبعات نفق البحث عن تفاهمات تبدو صعبة للوصول إلى تشكيل حكومة جديدة في الآجال التي يضبطها الدستور، أي في غضون شهر من تكليف الرئيس المنتخَب الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية الأخيرة.

وعلى وقع هذه التطورات، لم تستبعد مصادر “العرب”، إمكانية أن يتراجع مجلس شورى حركة النهضة خلال اجتماعه القادم عن قراره الأول، والتوجه نحو الموافقة على أن يكون رئيس الحكومة القادم من خارج صفوفها، مقابل تمكين راشد الغنوشي من رئاسة البرلمان، وهو أمر يبقى رهين الأوراق الخفية التي تظنها حركة النهضة مازالت فاعلة لفك عزلتها السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى