تراجع سيادة القانون سبب تهاوي الاقتصاد التركي

ايسار كاراكاش

تؤكد الأوضاع الاقتصادية في تركيا يوما بعد يوم مدى الترابط الوثيق بين سيادة القانون والنمو الاقتصادي. وهذا يعني ببساطة أن أي بلد يطبّق معايير قانونية مرتفعة مثل حماية حقوق الملكية وشفافية التشريعات والقضاء تأتيه استثمارات أكبر فترتفع معدلات النمو.

ويتضح ذلك التدهور في تراجع تدفق الاستثمارات المباشرة في العام الماضي إلى 12 مليار دولار مقابل 22 مليارا في عام 2007. كما يتضح في الانكماش المرجّح للاقتصاد هذا العام مقابل نمو بنسبة 7 بالمئة في عام 2007.

أما مؤشر الإنتاج الصناعي فقد انكمش بنسبة 3.9 بالمئة في يونيو الماضي مقارنة بما كان عليه قبل عام، وبنسبة 3.7 بالمئة عن الشهر السابق وفقا للبيانات الرسمية لمعهد الإحصاءات التركي.

ويظهر ذلك التدهور في احتلال تركيا المرتبة 101 من بين 113 بلدا شملها مؤشر سيادة القانون الذي يصدره المشروع العالمي للعدالة.

وتكشف بيانات معهد الإحصاءات التركي المتعلقة بالقوى العاملة عن شهر مايو الماضي تراجعات مشابهة، حيث تظهر انخفاضات حادة في التشغيل بصورة عامة ومن بينها العمالة المرتبطة بالقطاع الزراعي والقطاعات الأخرى.

في تلك الأثناء دخل الاقتصاد التركي في حقبة شديدة الاضطراب أحد أسبابها الأساسية تراجع معدلات تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، وهو أمر يمكن رده ببساطة إلى تردي أوضاع سيادة القانون.

ليست مسألة البطالة سوى عرض جانبي للانكماش الاقتصادي، لكنها وصلت إلى مستويات خطيرة جدا بوصولها في مايو الماضي إلى 12.8 بالمئة مقارنة مع 9.7 بالمئة قبل عام.

الأكثر إثارة للقلق هو حقيقة ارتفاع مستوى البطالة في القطاع غير الزراعي في مايو إلى 15 بالمئة مقارنة مع 11.6 بالمئة في الشهر نفسه من العام الماضي.

وفي ظل قلّة مصداقية بيانات البطالة المتعلقة بالقطاعات غير الزراعية لأسباب عديدة، فإن الأرقام المتعلقة بالعمالة في القطاع غير الزراعي توفر إطلالة أكثر مصداقية على التوجهات السائدة في سوق العمل.

وأدى ارتفاع معدلات البطالة بشكل متسارع وتراجع مستويات التشغيل وخلق فرص العمل إلى احتلال تركيا حاليا المرتبة قبل الأخيرة ضمن الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وتظهر بيانات معهد الإحصاءات التركي أن البطالة في أوساط الفئة العمرية من 15 إلى 24 عاما قد زادت إلى 23.2 بالمئة في مايو من نحو 17.8 بالمئة في الشهر نفسه من العام الماضي. وتشير الإحصاءات أيضا أن رُبع الشباب التركي تقريبا لا يحصل على تعليم ولا يجد فرصة عمل. لكن الارتفاع الكبير في نسب البطالة بين الشباب في عام واحد ربما لا يمكن ربطه فقط بالتراجع الاقتصادي.

فالأمر يتصل أيضا بالوضع المأساوي لنظام التعليم حيث يبدو للأسف أن نظام التعليم في تركيا غير قادر على تخريج شباب يملك من المهارات والمواصفات تتماشى مع ما يثير شهية أصحاب الأعمال.

في الأسبوع الماضي، قال فيلي أجبابا، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الأساسي في البلاد، إن متوسط البطالة في أوساط الشباب في دول الاتحاد الأوروبي يبلغ نحو 15 بالمئة، بينما تأتي تركيا وراء أيسلندا فقط كثاني أعلى دول القارة من حيث نسبة البطالة.

ويشعر أجبابا بقلق بالغ من معدلات البطالة المرتفعة بين الشباب، لكنه يرى الأمر ناتج عن تراجع النمو الاقتصادي ولا علاقة له بانخفاض مستويات جودة التعليم.

وتشير التوقعات إلى أن واردات تركيا ستتراجع خلال العام الحالي إلى ما دون المستويات التي سجلتها في عام 2002 البالغة 202 مليار دولار. وتمثل أرقام الواردات مؤشرات واضحة على النمو حيث تعكس بوضوح الطلب على الطاقة وغيرها من البضائع.

من الممكن الحديث عن العديد من المؤشرات الأخرى، التي تظهر كيف يتبع الاقتصاد التركي النظريات الاقتصادية الراسخة عن العلاقة بين سيادة القانون وأداء الاقتصاد، لتؤكد جميعها مدى انهيار سيادة القانون في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى