حرب الإبادة الجماعية تسرق المستقبل من أطفال غزة
الموت يلاحق مليون طفل فلسطيني حرموا من الغذاء والدواء والمسكن والأمان

بعد نحو 19 شهراً من بدء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، أكدت تقارير حقوقية ودولية عديدة، أن أكثر من 17,500 طفل قد استشهدوا، وأصيب أكثر من 34,000 طفل آخرين.
كما تعرّض نحو مليون طفل للنزوح المتكرر، وجرى حرمانهم من حقوقهم الأساسية، بما في ذلك التعليم، والغذاء، والرعاية الطبية.
ومنذ قرار إسرائيل استئناف حرب الإبادة على قطاع غزة أواخر مارس/آذار الماضي، تعكس الأرقام ارتفاعا مطردا في عدد الضحايا من الأطفال.
وبحسب إحصائية صادرة عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بلغ عدد الصغار الذين قُتلوا جراء القصف الإسرائيلي 927 طفلاً، بينما تعرض مئات آخرون لإصابات بالغة.
وتكشف التقارير الميدانية أن انهيار وقف إطلاق النار والتصعيد في القصف الجوي والعمليات البرية أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين بمعدلات مُروّعة.
فخلال عشرة أيام فقط، على سبيل المثال، استشهد ما يزيد عن 322 طفلاً وأُصيب 609 آخرون، بمتوسط يقترب من 100 طفل يوميًا بين قتيل وجريح.
هذه الأرقام تؤكد مرة أخرى التداعيات الكارثية للحرب على المدنيين، وخاصة الأطفال، الذين يشكلون النسبة الأكبر من الضحايا في ظل استمرار العنف وتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع المحاصر. معظم هؤلاء هم من الأطفال النازحين الذين يعيشون في خيام مؤقتة أو منازل مدمّرة تفتقر إلى أبسط مقومات الأمان.
دوامة الحرمان والعنف المميت
ومع تجدّد القصف العشوائي العنيف، فإن الحظر الكامل على دخول الإمدادات الإنسانية، والذي يدخل شهره الثالث، يُفاقم من تدهور الأوضاع، ويُعرّض نحو مليون طفل في غزة إلى خطر جسيم.
وفي هذا السياق، قالت المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسف، كاثرين راسل: “كان وقف إطلاق النار في غزة شريان حياة ضرورياً لأطفال غزة وأملاً في طريق للتعافي. لكنهم يجدون أنفسهم مجدداً في قلب دوامة الحرمان والعنف المميت. يجب على جميع الأطراف إعمال التزاماتها بحماية الأطفال التي ينص عليها القانون الدولي الإنساني”.
الغذاء والتعليم
أما فيما يخص التعليم، فقد أُجبر أكثر من 625,000 طفل على التوقف عن الدراسة، بعد أن تحولت 88% من المدارس إما إلى أنقاض أو ملاجئ تأوي النازحين. ولم تعد هناك بيئة تعليمية آمنة.
من جانبها قالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، عبير عطيفة إن أكثر من 90% من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، فيما سُجلت بالفعل حالات وفاة بين الأطفال نتيجة الجوع ونقص الحليب والماء الصالح للشرب.
كل ما أريده هو حياة طبيعية
يتحدث الطفل عبد الله الشخريت (12 عاماً) بحرقة عن معاناته اليومية بعد نزوحه من رفح إلى خيمة وسط قطاع غزة، حيث يروي كيف تحولت حياته إلى صراع من أجل البقاء.
يقول الشخريت: “قبل الحرب، كانت حياتنا طبيعية، دون مشاكل تذكر. أما الآن، فأبدأ يومي مع الفجر بجمع الحطب والأوراق لإشعال النار، ثم أقطع أكثر من كيلومتر لجلب مياه الشرب، وحدي دون مساعدة أحد”.
ويضيف: “أقف ساعات طويلة أمام مراكز الإغاثة لأحصل على وجبة لا تكفي عائلتي، غالباً ما تكون أرزاً أو فاصولياء، إن توفرت أصلاً”.
بمرارة، يستذكر الشخريت حياته السابقة وعلاقاته بأقرانه، ويتمنى أن تنتهي الحرب ليعود إلى طفولته الضائعة: “كل ما أريده هو حياة طبيعية، كأي طفل في عمري”.
بدوره يصف محمود الزهار (13 عاماً) النازح من منطقة المغراقة، ليحكي بمرارة عن طفولة ضائعة بين النزوح المتكرر ومهام البقاء اليومية التي لا تناسب عمره. يقول: “قبل الحرب، كانت حياتي طبيعية، لا ينقصها شيء سوى أحلام الطفولة. أما اليوم، فأركض طوال النهار بحثاً عن الماء والحطب، وأقف ساعات طويلة أمام مراكز الإغاثة للحصول على وجبة لا تكاد تسد جوعنا”.
ويضيف الزهار، الذي اضطر لاستخدام البلاستيك كوقود لإشعال النار، أنه تعرض لتسمم أدخنة أدخله المستشفى بسبب أزمة تنفسية حادة: “لم أعد أتحمل رائحة الدخان، لكن ما الخيار؟ لا يوجد غاز ولا كهرباء”.
أيام المدرسة أصبحت ذكرى
في خيمة مجاورة بمدرسة الصلاح، يقاسم إسماعيل أبو حسان (12 عاماً) الزهار ذات المعاناة. يروي أبو حسان، وهو يغالب دموعه، كيف تحول منزله في المغراقة إلى ركام خلال حرب الإبادة الإسرائيلية: “أتذكر كل تفصيل في بيتنا، النوافذ، الفراش، صورنا على الجدران… كلها انتهت بقصف واحد”.
وعن واقعه الحالي، يقول: “النزوح صعب، لكن الأصعب أنني لا أستطيع الدراسة. أيام المدرسة أصبحت ذكرى، والكتب تحت الأنقاض”.
رغم ذلك، يرى أن وضعه “تحسن نسبياً” بعد عودة بعض النازحين إلى منازلهم، بينما هو لا يجد مكاناً يعود إليه: “البعض لديهم بيوت مدمرة يمكن إصلاحها، أما أنا فلا أعرف حتى أين سأنام غداً”.
الحرب سرقت مستقبلهم
تبقى شهادات الزهار وأبو حسان نموذجاً مصغراً لواقع مئات آلاف الأطفال النازحين في غزة، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة. حيث تحولت المدارس إلى ملاجئ مكتظة، وفقد 80% من الأطفال انتظامهم الدراسي، بينما يعاني 90% من انعدام الأمن الغذائي.
يقول عبد الرحمن جبر، مسؤول الإغاثة في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا): “هؤلاء الأطفال يحملون أعباء تفوق عمرهم بعشرات السنين. الحرب لم تسرق منهم منازلهم فحسب، بل سرقت براءتهم ومستقبلهم”.