دروس غربية ونفوس عربية

غازي العريضي

يعلن رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، استعداد بلاده للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويقول إن “نتنياهو في حالة إنكار لمعاناة المدنيين”. يضيف وزير الخارجية الأسترالي: “تعزل حكومة نتنياهو إسرائيل وتلحق ضرراً بالجهود الدولية نحو السلام وحلّ الدولتَين”. يؤكّد وزير الداخلية: “لا تُقاس القوة بعدد الأشخاص الذين يمكنهم قتلهم أو بعدد الأطفال الذين يمكنهم تركهم يتضوّرون جوعاً ويموتون”. يردّ نتنياهو: “سيذكر التاريخ أنتوني ألبانيز على حقيقته، سياسي ضعيف خان إسرائيل وتخلّى عن يهود أستراليا”. انتقاد الجرائم والإبادة الجماعية “خيانة” و”تخلٍّ” عن اليهود. ألغت أستراليا تأشيرة عضو الكنيست سماحا روثمان لأنه ينشر الكراهية والانقسام، فردّت إسرائيل بسحب تأشيرات الدبلوماسيين الأستراليين لدى السلطة الفلسطينية. تعلن الرئاسة الفرنسية: “تصريح نتنياهو الذي ربط فيه رغبة ماكرون في الاعتراف بالدولة الفلسطينية بتأجيج (معاداة السامية) دنيء ومبني على مغالطات. فرنسا تحمي مواطنيها اليهود وستواصل حمايتهم. نحن نمرّ بفترة تتطلّب التصرّف بجدّية ومسؤولية لا التشويش والتلاعب”. سياسة إسرائيل الثابتة: تحريض اليهود بوصفهم يهوداً، وجعلهم دائماً في دائرة الخطر، والعمل لعودتهم إلى “أرض الميعاد”، والمشروع الإسرائيلي يندفع بقوة اليوم مع نتنياهو في سياق سعيه لإنجاز “مهمّته الروحية” التاريخية، “المكلّف بها من الله”. رفض أوروبي كبير للإسرائيليين في أكثر من مكان، ومنتجع فرنسي يمنع إدخال سيّاح إسرائيليين.

رئيسة وزراء الدنمارك: “نتنياهو يمثّل مشكلةً في حدّ ذاته، وحكومته تجاوزت الحدود. نحن من الدول الراغبة في زيادة الضغط على إسرائيل، لكننا لم نحصل بعد على دعم من أعضاء الاتحاد الأوروبي”. في هولندا، وزير الخارجية، وتسعة وزراء آخرين، يعلنون استقالتهم من الحكومة بعد فشلهم في فرض عقوبات على إسرائيل، وانتقاد لموقف الاتحاد الأوروبي الرافض فرض عقوبات على إسرائيل. في نيوزيلندا، تدعو النائبة كلوي سواربريك إلى “فرض عقوباتٍ على إسرائيل، والذهاب أبعد من الاعتراف بالدولة الفلسطينية. لوقف حرب الإبادة يجب أن نركّز على الذين يتضوّرون جوعاً ويُذبحون ويتعرّضون للإبادة”. أمّا في النرويج، فإضافة إلى تقليص استثمارات صندوقها السيادي في عدة شركات إسرائيلية، قرّر الاتحاد النرويجي لكرة القدّم تخصيص أرباح مواجهة المنتخب الوطني ضمن تصفيات كأس العالم 2026 أمام إسرائيل لدعم قطاع غزّة، وصدمة إسرائيلية كبرى. الهدف إنقاذ أرواح. الأرواح هي الأكثر أهميةً في ظلّ العدوان المستمرّ. “لا يمكن أن نظلّ واقفين غير مبالين أمام المعاناة الإنسانية التي يتعرّض لها المدنيون في غزّة”، على حدّ قول رئيسة الاتحاد.

في نهائيات كأس السوبر الأوروبي رُفعت شعارات “أوقفوا قتل المدنيين” و”أوقفوا قتل الأطفال”، وانتقد لاعبون سكوت زملاء لهم عن قتل اللاعب الفلسطيني المشهور سليمان عبيد برصاص الجيش الإسرائيلي، في أثناء محاولته إحضار مساعدات لعائلته. قبل مباراة إيطاليا وإسرائيل، في المرحلة التمهيدية لبطولة، 2026، طالبت رابطة المدرّبين الإيطاليين رئاسة الاتحاد الإيطالي لكرة القدم بـ”تعليق مشاركة إسرائيل”، وطاقم طبّي إيطالي يرمي أدويةً إسرائيليةً في القمامة. في كندا، دعا أكثر من 400 باحث ومدرّب رياضي وحائز على ميداليات أولمبية، وصحافي ومسؤول رياضي، اتحاد التنس إلى إلغاء المباريات مع إسرائيل الشهر المقبل. في ملاعب أندية رياضية أوروبية كبرى رفعت أعلام فلسطين.

الأمم المتحدة تعلن المجاعة في غزّة، والسفير الأميركي مايك هاكابي يردّ: “لا مجاعة. 92% من طعامهم يسرق ليباع لحركة حماس… على الأمم المتحدة أن تعلن نفسها فاسدةً وغير كفوءة، والإعلام الدولي يغفل القصة الحقيقية للمجاعة في غزّة”… كل العالم أعمى، لا يرى، مغشوش، يقع تحت تأثير الإعلام، والأمم المتحدة فاسدة الأخلاق، والإنسانية والقانون الدولي والعدالة والميزان والحقيقة في إسرائيل، هي الصحّ، هي المرجع، هي الحقيقة وغير ذلك كل شيء مزوّر. وفي الوقت ذاته يطالبون بتطبيق قرارات “الشرعية الدولية” هنا وهناك، تنبع الشرعية من الإرادة والإدارة الإسرائيليَّتَين (!). في إسرائيل نفسها مليون متظاهر في الشارع ضدّ الحكومة، ومع إنجاز صفقة لإنقاذ “الرهائن”، و”حماس” وافقت على الصفقة، فأصرّت إسرائيل على الحرب، وأطلقت حرباً أخرى مركّزة ضدّ وسائل إعلامية عالمية تنتقد ممارساتها، وخاصّة “CNN” و”BBC” و”New York Times”، لمساهمتها في نقل الحقيقة ومشاهد القتل والإعدام المباشر والتجويع. العالم يتحدّث عن تجويع لا مثيل له. تقارير دولية في أكثر من مكان، وعودة إلى التاريخ لتأكيد أن ما جرى (ويجري) لم يكن له مثيل. هذا كلّه والمسؤولية تقع على الإعلام في نظر إسرائيل، وفي الوقت ذاته يخرج نتنياهو ليعترف: “لقد خسرنا معركة الوعي”.

للأسف! ما يصدر من مواقف في عدد كبير من دول الغرب، إضافة إلى ما ورد هنا على مستوى فنّانين وكتّاب وصحافيين وإعلاميين ومثقّفين وأطباء ومؤرّخين إسرائيليين أميركيين، منهم أخيراً البروفسور اليهودي، الإسرائيلي الأميركي أومير باركوف، الذي قال: “الحرب على غزّة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين لا القضاء على حماس. إسرائيل تتحمّل مسؤولية عن سكّان غزّة لأنها منطقة محتلّة”. ثمة تطور كبير في أوساط كثيرة رسمية وغير رسمية في الغرب، تُستخلص منها دروس في متابعة حرب الإبادة والتطهير التي تمارسها إسرائيل، ويمكن البناء عليها في استكمال معركة الذاكرة والوعي وتطويرها، وتوسيع دائرة تأثيرها، لو كانت الرؤوس والنفوس العربية على مستوى المرحلة. للأسف! ما يجري على هذا الصعيد أيضاً لا مثيل له. لا تجمّع، لا مظاهرة، لا كلمة رسمية فاعلة مؤثّرة، لا حركة، بيانات وكلمات تتكرّر، لكن لا قدرة على الفعل، لا إرادة للفعل. وبالتالي، لا يمكن أن يكون ثمة إدارة فاعلة عاقلة لهذه المعركة المصيرية الكبرى. الأنفاس تكاد تُختطف في المنطقة العربية، والنفوس ضعيفة ولا تعنيها الدروس الغربية. أبرز حلفاء إسرائيل وحماتها يرفعون أصواتهم، ينتقدون. حاخامات في أميركا وأوروبا وطلاب جامعات في معظم دول العالم يتحرّكون في كل الاتجاهات، والعالم العربي في مكان آخر. لاحقاً، لن يذكر عنوان “عالم عربي” و”منطقة عربية”، و”الحضن العربي” الذي يقلق بعضهم به العالم والإعلام، ما هو إلا حضن يمزّقه العرب بسكاكينهم في كلّ الدول العربية، الذاهبة في معظمها إلى مزيد من الحروب والتفتيت والتمزيق والضعف، والرابح مع السياسات المعتمدة اليوم، التي لا يبدو أنها ستتغيّر، إسرائيل.



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى