دعوات مقاطعة إسرائيل واستبعادها من المسابقات الرياضية والثقافية تتصاعد عالمياً

خلال الأشهر والأيام الأخيرة تصاعدت الأصوات الداعية إلى مقاطعة إسرائيل واستبعادها من المسابقات الرياضية والثقافية، وسط تلويح عدد من الدول بفرض عقوبات على تل أبيب بسبب حرب الإبادة الجماعية التي تشنها بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
وبرز اسم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الأسبوع الجاري، بدعوته إلى منع إسرائيل من المشاركة في الفعاليات الرياضية الدولية “حتى توقف عملياتها الوحشية في غزة”.
وجاءت دعوة سانشيز بعدما شهد سباق الدراجات الشهير في مدريد احتجاجات ضد مشاركة فريق إسرائيلي في المنافسة.
المقارنة بين إسرائيل وروسيا
وليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها المشاركة الإسرائيلية لانتقادات، إذ يواجه الرياضيون الإسرائيليون صفارات الاستهجان، على غرار مباراة كرة القدم الأخيرة بين المنتخبين الإيطالي والإسرائيلي في المجر، ضمن التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم، أو مباراة كرة السلة في بولندا.
باستثناء الاتحاد الدولي لرياضة المواي تاي، لم يظهر المجال الرياضي الدولي رغبة تُذكر لمنع الرياضيين الإسرائيليين من المشاركة في الفعاليات المختلفة.
وتساءل رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز: “لماذا لم تُطرد إسرائيل من المنافسات الرياضية كما حدث مع روسيا؟”.
وقال كريستوف دوبي، المدير التنفيذي للألعاب الأولمبية في اللجنة الأولمبية الدولية، لوكالة “أسوشيتد برس”، إن “الوضع مختلف”، رداً على سؤال حول المقارنة بين إسرائيل وروسيا.
وتزعم اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم، أن “الأسباب القانونية التي دفعت إلى اتخاذ إجراءات ضد روسيا، لم تتوفر في حالة إسرائيل”، دون تقديم تفاصيل إضافية.
كما زعمت اللجنة الأولمبية، في تصريحات لـ”أسوشيتد برس”، أن “إسرائيل لم تنتهك الميثاق الأولمبي كما فعلت روسيا حين ضمّت أراض من شرق أوكرانيا”، وأشارت إلى أن “الأندية والاتحادات الأوروبية لكرة القدم لم ترفض مواجهة الفرق الإسرائيلية”.
موقف الاتحاد الدولي لكرة القدم
ورغم ذلك، رفض الاتحاد الدولي لكرة القدم التعليق على سياساته تجاه إسرائيل، أو على تأخر عمل لجنتين تم تكليفهما بمراجعة الشكاوى الرسمية المقدمة من الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، الذي يسعى منذ سنوات إلى استبعاد إسرائيل بسبب ممارساتها تجاه الفلسطينيين.
وتعود أبرز سابقة استبعاد في الرياضة الدولية إلى حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، عندما مُنعت البلاد من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في الفترة من عام 1960 حتى أولمبياد برشلونة 1992، أي بعد عامين من إطلاق سراح نيلسون مانديلا.
أما روسيا، فقد تم استبعادها سريعاً من معظم الاتحادات الرياضية عقب عمليتها العسكرية في أوكرانيا في فبراير 2022، وأجبر رياضيوها على المشاركة تحت علم محايد في أولمبياد باريس.
مدريد قوة كروية مؤثرة
ويعتبر الموقف الإسباني تجاه إسرائيل، ذا دلالات كبيرة، لا سيما أن مدريد تُعد قوة كروية كبرى، وستشارك في استضافة كأس العالم 2030، فضلاً عن استضافتها مباراة من دوري كرة القدم الأميركية الشهر المقبل، والمرحلة الافتتاحية من سباق Tour de France العام المقبل.
وقال أنطوان دوفال من معهد Asser الهولندي للأبحاث: “هذا النوع من الغضب تجاه أفعال إسرائيل في غزة لم نشهده من قبل… يبدو أن الأمور بدأت تتغير الآن”.
ولا يزال تأثير الخطوة الإسبانية غير واضح، إذ لم يُعلن أي زعيم عالمي حتى الآن تأييده لدعوة سانشيز باستبعاد إسرائيل من المحافل الرياضية الدولية.
وفي بريطانيا، دعا نائب برلماني في برمنجهام الاتحاد الأوروبي لكرة القدم UEFA، إلى “الإلغاء الفوري” لمباراة بين نادي أستون فيلا الإنجليزي، ونادي مكابي تل أبيب الإسرائيلي، مقررة في 6 نوفمبر المقبل، حرصاً على “السلامة العامة والسلم المجتمعي”. لكن الاتحاد لم يظهر أي مؤشرات على الاستجابة لهذا الطلب حتى الآن.
وفي تحرك مماثل من أجل جنوب إفريقيا خلال حقبة الفصل العنصري، تتعالى أصوات عدد متزايد من الفنانين الغربيين في مجالات الموسيقى وصناعة الأفلام والنشر، إلى مقاطعة إسرائيل ثقافيا بسبب الحرب في قطاع غزة.
من بين هؤلاء، الممثل البريطاني خالد عبد الله (الممثل في فيلمي “عداء الطائرة الورقية” و”التاج”) الذي قال بعد توقيعه عريضة تدعو إلى مقاطعة بعض هيئات السينما الإسرائيلية “لا شك لدي مطلقا في أننا أصبحنا عالميا عند نقطة تحول”.
وجمعت الرسالة المفتوحة الصادرة عن مجموعة “عاملون في السينما من أجل فلسطين” آلاف الموقعين، وبينهم الممثلان خواكين فينيكس وإيما ستون، الذين تعهدوا قطع العلاقات مع أي مؤسسات إسرائيلية “متورطة في الإبادة الجماعية” في غزة، على حد وصفهم.
وأضاف عبد الله خلال مقابلة الجمعة “التعبئة بدأت الآن وتمتد إلى شتى المجالات. ليس فقط في مجال صناعة السينما”.
في حفلة توزيع جوائز إيمي هذا الأسبوع، تحدث الفائزون من خافيير بارديم إلى هانا إينبيندر، نجمة فيلم “هاكس”، عن غزة في أصداء لتصريحات مماثلة خلال مهرجان البندقية السينمائي في وقت سابق من هذا الشهر.
وأعلنت فرقة “ماسيف أتاك”، رائدة موسيقى التريب هوب البريطانية، الخميس، انضمامها إلى مجموعة موسيقية تُدعى “لا موسيقى للإبادة” والتي ستدفع في اتجاه منع بث أغانيهم في إسرائيل.
مقاطعة في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن)
في سياق آخر، تواجه إسرائيل مقاطعة في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن)، وقد وقع مؤلفون رسائل مفتوحة لذلك، بينما يقود رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز حملة لاستبعاد إسرائيل من الأحداث الرياضية. علما أن وزير الثقافة الألماني فولفرام فيمر ندد بدعوات مقاطعة “يوروفيجن” التي صدرت عن بلدان عدة في حال مشاركة أغنية إسرائيلية فيها.
وقال فيمر “يوروفيجن أنشئت من أجل التقريب بين الأمم بفضل الموسيقى. واستبعاد إسرائيل اليوم يذهب عكس هذه الفكرة الأساسية”.
وأعلن قائد الأوركسترا الإسرائيلي إيلان فولكوف الأسبوع الماضي خلال حفلة موسيقية في بريطانيا أنه لن يعزف في وطنه بعد الآن.
وقال هاكان ثورن الأكاديمي السويدي في جامعة غوتنبرغ الذي ألف كتابا عن حركة المقاطعة في جنوب أفريقيا “أعتقد أننا نشهد وضعا مماثلا لحركة المقاطعة ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا”.
وأضاف عالم الاجتماع “لقد حدث بالتأكيد تحول في ربيع هذا العام عندما رأى العالم صور المجاعة في غزة”.
حملة مقاطعة إسرائيل
وكانت المقاطعة الدولية لحكومة جنوب أفريقيا العنصرية البيضاء قد بدأت جديا مطلع ستينات القرن الماضي بعد مذبحة تعرض لها متظاهرون سود على أيدي شرطيين في شاربفيل.
وبلغ التحرك ذروته برفض فنانين وفرق رياضية المشاركة في المباريات في هذا البلد، وواجه مخالفو المقاطعة مثل فرقة كوين وفرانك سيناترا انتقادات علنية على نطاق واسع.
وقال ثورن إن العديد من الشخصيات العامة كانت مترددة في التحدث عن حرب الإبادة في قطاع غزة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 65 ألف شخص معظمهم من المدنيين، وفقا لأرقام وزارة الصحة في غزة التي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.
وأوضح ثورن “إن تاريخ المحرقة وانتقاد الحركة المؤيدة للفلسطينيين لكونها معادية للسامية شكلا عقبة جدية أمام تعبئة أوسع ضد ما تفعله إسرائيل حاليا” في غزة.
وقال ديفيد فيلدمان الذي يرأس معهد دراسة معاداة السامية في كلية بيركبيك في جامعة لندن، إن هذه التصريحات تسببت بـ”جو من انعدام الثقة حول ماهية حدود معاداة السامية”.
وصرح “أي انتشار لأعمال معادية للسامية مثير للقلق لكن أي محاولة حاليا لربط حركة مقاطعة إسرائيل بمعاداة السامية بعيد عن الحقيقة”.
وأضاف “إنها وسيلة للاحتجاج على تدمير إسرائيل لغزة واستمرارها في قتل المدنيين”.
حركة مناهضة الفصل العنصري
ورغم أن الناشطين اليوم ضد حرب غزة يشيرون إلى حركة مناهضة الفصل العنصري، يعطيهم التاريخ بعض الدروس المؤثرة.
بعد بدء حركة المقاطعة في جنوب إفريقيا، استغرق الأمر 30 عاما قبل سقوط النظام، ما كشف حدود حملات الضغط الدولية.
وأضاف فيلدمان الذي ألف كتابا عن المقاطعات “بحلول أوائل سبعينات القرن العشرين، أصبحت المقاطعة المبدأ المحدد لتحرك عالمي مناهض للفصل العنصري، لكن التحرك وحده لم يكن كافيا”.
وكانت المعاناة الحقيقية ناجمة عن الاختناق التدريجي للاقتصاد في جنوب أفريقيا، إذ انسحبت الشركات والبنوك تحت الضغط، في حين فاقمت نهاية الحرب الباردة عزلة البلاد بشكل حاد.
في إسرائيل، يخشى العديد من الفنانين من تداعيات حركة المقاطعة.
في هذا السياق، صرح كاتب السيناريو الإسرائيلي الشهير هاغاي ليفي في وقت سابق من هذا الشهر أن “90% من الوسط الفني” يعارض الحرب، مضيفاً “إنهم يعانون ومقاطعتهم ستساهم في إضعافهم”.