غموض على مشاروات تشكيل الحكومة التونسية

يرى مراقبون أن غموضاً يخيّم على مشارورات تشكيل الحكومة التونسية التي دخلت إسبوعها الثالث، يوحي بأن هذه المشاورات ستدشن عهد حكم الرئيس قيس سعيّد من خلال المشيشي بعد فشل الأحزاب في إدارة شؤون البلاد، ما قد يرغمها على مراجعة سياساتها لم يسبق أن شهدت تونس مثله خلال السنوات العشر الماضية التي عرفت فيها تشكيل سبع حكومات تعاقبت على قيادة البلاد.

ويعكس هذا الغموض تزايد الشكوك لدى غالبية الأحزاب، وخاصة منها حركة النهضة الإخونجية، التي صعّدت من خطابها إدراكا بأن سطوتها على المشهد السياسي اقتربت من نهايتها، ببروز تقديرات تدفع إلى أن المشيشي يتجه نحو فرض “حكومة الأمر الواقع”.

وتشير تلك التقديرات إلى أن حكومته المرتقبة ستكون مدعومة بالشرعية الانتخابية للرئيس قيس سعيّد، ومنها يستمد قوّته حتى أن البعض ذهب إلى وصفها بـ’’حكومة الرئيس 2‘‘.

وعلى هذا الأساس، تُرجح العديد من المصادر السياسية أن تشهد الأيام القليلة القادمة تطورات فارقة في ما يتعلق بتشكيل الحكومة التونسية الجديدة، تكون نتيجة للمشاورات العلنية وغير العلنية التي أجراها هشام المشيشي.

وعلى وقع هذه الترجيحات، وما رافقها من تقديرات حزبية، واصل المشيشي، الأحد، لقاءاته مع الفاعلين السياسيين، دون أن يُلمح حتى إلى هوية الشخصيات السياسية المستقلة التي يعتزم إسناد حقائب وزارية لها في حكومته المُرتقبة.

والتقى في هذا الإطار مع وفد من حزب قلب تونس (27 مقعدا برلمانيا)، حيث لم يتردد النائب أسامة الخليفي القيادي في حزب قلب تونس، ورئيس كتلته النيابية في التعبير، بعد هذا اللقاء، عن ارتياحه إزاء الأسلوب الذي ينتهجه المشيشي لتشكيل حكومته.

وقال في تدوينة نشرها في صفحته على شبكة فيسبوك، إن “مسار تكوين الحكومة إلى حد الآن، في الاتجاه الصحيح، خيارنا هو مواصلة الحوار، ومراعاة المصلحة الوطنية من أجل تونس العزيزة”.

وقابل النائب البرلماني مصطفى بن أحمد، القيادي في حزب تحيا تونس، ورئيس كتلته النيابية (14 مقعدا برلمانيا) هذا الترحيب، بنوع من الشكوك، حيث قال في تصريحات صحافية، إن ’’المشيشي لم يطرح لغاية الآن أي إسم على الأحزاب التي اجتمع مع قادتها في إطار المشاورات الجارية حاليا التي أنهت أسبوعها الثالث على التوالي‘‘.

واعتبر أن الوقت أصبح ضاغطا، ولا بد أن ينتقل المشيشي إلى مربع جديد من المشاورات، باعتبار أن النقاش ما زال يتمحور حول “العموميات” مثل التركيز على “مفهوم الكفاءات”، ولكن دون التطرق إلى الأسماء.

وشدد بن أحمد لـ”العرب” على أنه من “صالح جميع الأطراف وخاصة المشيشي الانتقال نحو البحث عن توافقات مع الأحزاب حول الأسماء التي ستتولى بعض الحقائب الوزارية الحساسة”.

وألمح، في المقابل، إلى خشيته من أن تكون “عملية طبخ الحكومة الجديدة تتم في مكان سري آخر غير دار الضيافة التي اتخذها المشيشي مقرا لمشاوراته مع الأحزاب والمنظمات الوطنية‘‘.

وتجد هذه الشكوك صدى لها في تصريحات العديد من الأحزاب السياسية، غير أن السؤال الذي بات يشغل الجميع في هذه الفترة هو “هل ستشهد البلاد ولادة حكومة أمر واقع في الأيام القليلة القادمة، أم أن الإكراهات السياسية، وخاصة منها التوازنات البرلمانية ستحول دون ذلك؟”.

وعلى وقع هذا السؤال، لا تستبعد الأوساط السياسية فكرة أن يُقدم المشيشي على تشكيل “حكومة أمر واقع”، متكئا على استحالة التوصل إلى مساحة مشتركة بين الكتل النيابية الرافضة لحركة النهضة الإسلامية (54 مقعدا برلمانيا)، وخاصة منها الكتلة الديمقراطية (38 نائبا)، وكتلة الحزب الدستوري الحر (16 مقعدا برلمانيا).

ويتردد داخل الأوساط السياسية أن المشيشي قد يكون انتهى من وضع اللمسات الأخيرة لصيغة الحكومة التي أعدها بالتنسيق مع قيس سعيّد، وهي حكومة مُحايدة، وتضم نحو 25 وزيرا فقط لا صفات حزبية لهم على الإطلاق.

وتتناغم هذه المعطيات مع تسريبات أخرى، مفادها أن المشيشي يعتزم الاحتفاظ بعدد من الوزراء المستقلين في حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة إلياس الفخفاخ، وأن المساعي تتركز حاليا على بحث كيفية “تسويق” هذه الصيغة المُقترحة لدى الأحزاب الوازنة في البرلمان.

ومع ذلك، ترى بعض الأوساط السياسية، أن الإعلان عن ولادة هذه الحكومة سيبقى مرهونا بعدة عوامل مُرتبطة بالمشاورات التي لا زالت قائمة، خاصة وأن المشيشي لم يغلق الباب نهائيا أمام “الانفتاح على جميع القوى”، عندما حسم أمر الذهاب إلى حكومة كفاءات مستقلة تماما.

ولا يُستبعد في هذا الصدد، إمكانية حدوث “استدارة مُباغتة” لتغيير اتجاه البوصلة نحو السعي لإنتاج صيغة توافقية تضمن له حصول حكومته المرتقبة على ثقة البرلمان، وتحافظ على استقلاليتها عن الأحزاب، وتكون قادرة على أن تضع في سلم أولوياتها ضمان الاستقرار في البلاد.

 

 

 

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى