ما الذي يحدث في فتح.. وما الذي يحدث لها؟

ماجد كيالي

ما الذي يحدث في فتح، أو لها، ولماذا؟ وكيف حصل ذلك؟ ومن المسؤول؟ هكذا ثمة أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح على خلفية ما يجري اليوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة ضمن مناخات التحضير لانتخابات المجلس التشريعي (الثالث)، بخاصة مع نزول عدة قوائم محسوبة على تلك الحركة، سواء تمثلت بالقيادة الرسمية أو بأطراف مناوئة لها، أو خارجة عنها، لاسيما قائمتي الحرية (البرغوثي – القدوة) والإصلاح (دحلان).

مفهوم أن فتح تعتبر المبادرة لإطلاق الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وهي التي تحملت مسؤولية قيادة العمل الوطني الفلسطيني، وتحكمت بخياراته ومساراته، أي إن مسؤوليتها في القيادة وتاليا في تحقيق النجاحات تنطبق أيضا على مسؤوليتها كقيادة عن الإخفاقات، من الأردن إلى لبنان، وفي الكفاح المسلح وفي مشروع التسوية، في الانتفاضة والمفاوضة، في بناء المنظمة أو بناء السلطة.

مثلا، فهذه الحركة هي التي أطلقت الكفاح المسلح، وهي التي أنهته لصالح خيار المفاوضة والتسوية بتوقيعها اتفاق أوسلو (1993) الناقص والجزئي والمجحف. وهذه الحركة التي عززت مكانة منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد والكيان المعنوي للفلسطينيين، هي التي همّشتها وغيّبتها لصالح السلطة.

ونخلص من ذلك إلى حقيقة مفادها أن الحركات والأحزاب الراديكالية تتغير أيضا، وحتى أنها تتغير من دون وعي أصحابها، وربما برغم إرادتهم، فهي تتغير بدفع من الظروف والضغوط الموضوعية، وبحكم ثقل المسؤوليات السلطوية التي تدخلها، وأيضا بسبب تولد مصالح وعلاقات جديدة تنبثق عنها رؤى أفكار سياسية أو سلطوية جديدة أيضا.

طبعا هذا الكلام يفترض ضرورة التمييز بين العوامل الموضوعية/ الخارجية من جهة، والعوامل الذاتية/ الداخلية من الجهة الأخرى، من بين العوامل التي تسببت في أزمة فتح وإخفاق خياراتها وتراجع دورها ومكانتها، إذ أن الحديث هنا يتعلق بدور العوامل الذاتية.

ربما يرى البعض أن ما حصل هو أمر طبيعي، إذ لا يمكن توقّع أن تبقى حركة سياسية هي ذاتها، لاسيّما كحركة فتح لها كل هذا القدر من العمر (56 عاما) وعانت من الكثير من المصاعب والتعقيدات والتحدّيات، على طبيعتها، أو أن تنأى بنفسها عن التأثر بالتحولات الجارية في مجتمعها وفي محيطها وفي تجربتها. ذلك أن الحركات والظواهر السياسية والمجتمعية تتغير وتتأثّر بالزمن وبدخول عوامل جديدة مغايرة عن التي شهدت تأسيسها، لكن الأمر بالنسبة إلى فتح لم يكن يقتصر على ذلك فقط.

وفي الحقيقة فإن التغيّرات التي حصلت في فتح لم تكن كلها استجابة لسياقات التطوّر الطبيعي، ولم تأت في سياق التكيّف الاضطراري مع التحوّلات الحاصلة فيها أو المحيطة بها، وإنما هي تغيّرات من طبيعة نكوصيّة أو تراجعيّة، وهي تطوّرات لم تحصل بضغط العوامل الخارجية/ الموضوعية فقط، وإنما حصلت أيضاً بفعل قوّة دفع ذاتية ناجمة عن ثقافة معينة وبنى وعلاقات قامت عليها أو انزاحت إليها هذه الحركة.

في كل الأحوال فإن حركة فتح باتت تقف اليوم إزاء مسارين، إما النهوض أو الأفول، والخيار بين هذين المسارين يتوقف على ما تفعله أو ما لا تفعله قيادة هذه الحركة التي احتفت في مطلع هذا العام بمرور 56 عاما على انطلاقتها.

ولعله كان بالإمكان استثمار هذه المناسبة لإطلاق ورشات نقاش بين قيادات هذه الحركة وكوادرها وجمهورها لإجراء مراجعة نقدية للتجارب السابقة. هكذا كان حريّاً بقيادة فتح طرح الأسئلة المناسبة بخصوص أين كنا وأين أصبحنا؟ ولماذا لم تنجح حركة التحرر الفلسطينية في المهام التي أخذتها على عاتقها طوال أكثر من نصف قرن ولم تستطع حتى الحفاظ على الإنجازات التي حققتها في مرحلة ما رغم أن الفلسطينيين لم يقصرّوا في بذل التضحيات واجتراح البطولات في ظروف صعبة ومعقدة؟

المشكلة أن فتح وغيرها من الفصائل لم تطرح مثل هذه الأسئلة على نفسها ولا في أي مرحلة، لأن المراجعة النقدية تؤدي إلى تحديد المسؤوليات، كما تفترض بداهة حالة سياسية تتأسّس على الديمقراطية والتداول والتمثيل وهو ما تفتقده الحركات الفلسطينية التي تشكلت طبقتها القيادية منذ نصف قرن تقريبا، والتي ما زال فيها قياديون على رأس فصائلهم طوال هذه المدة!

اللافت أن تلك الحركة خسرت كثيرا في عهد أبومازن (رئيس المنظمة والسلطة وفتح)، ففي عهده خسرت مكانتها القيادية مع صعود حركة حماس، وخسرت أكثريتها في المجلس التشريعي في انتخابات 2006، وفي عهده انقسم الكيان الفلسطيني بعد خسارتها قطاع غزة، وها هي فتح في الانتخابات الحالية كأنها تتحول إلى أطراف متعددة، وفي عهده تراجعت مكانة القضية الفلسطينية عربيا ودوليا، بيد أن كل ذلك لم يخضع إلى أي فحص أو مراجعة.

باختصار فإن فتح اليوم على مفترق طرق، والأمر منوط بمنتسبي فتح وكوادرها وجمهورها، إذ ما زال ثمة مشروعية فلسطينية لحركة سياسية كالتي مثلتها فتح في بداياتها بعد الاستفادة من عِبر ودروس التجربة الماضية، أي أن الفلسطينيين هم أحوج ما يكونون إلى حركة وطنية كهذه، حركة تحمل وتتمثّل حقاً مشروعهم التحرّري الديمقراطي الذي يتأسّس على الحقيقة والعدالة والكرامة والمساواة للجميع باعتباره المشروع النقيض لإسرائيل الاستعمارية والعنصرية والدينية. الفلسطينيون بحاجة إلى تجديد حركتهم الوطنية، وهذا يشمل فتح سواء بالطريقة السهلة أو بالطريقة الصعبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى