البرغوثي ودحلان يثيران قلق عباس ويتصدران المشهد السياسي الفلسطيني
لأول مرة منذ 15 عاما، يتجه الفلسطينيون في مايو المقبل إلى صناديق الاقتراع لانتخاب مجلس تشريعي (برلمان) جديد، على أن تعقد الانتخابات الرئاسية نهاية شهر يوليو 2021.
وبينما يستعد الفلسطينيون لإجراء انتخاباتهم التشريعية، اتجهت الأنظار إلى قياديين يبدو دورهما حاسمًا في هذه المواجهة، لكن أحدهما منفي في الخارج والآخر معتقل في سجون إسرائيل.
يجسد مروان البرغوثي القيادي الفلسطيني المعتقل في السجون الإسرائيلية منذ نحو عقدين، صورة البطل لكثير من الفلسطينيين، بينما يؤيد آخرون زعيم التيار الإصلاحي في حركة فتح محمد دحلان، الذي رفض حصار غزة وفرض عقوبات عليها على مدار السنوات الماضية، وأنشأ لجنة التكافل الوطني تعمل على اغاثة السكان، وقد وفر وبشكل عاجل عدة آلاف من جرعات اللقاح المضاد لفيروس كورونا لقطاع غزة الفقير.
محمد دحلان (59 عامًا)، وهو من سكان مخيم خانيونس جنوب القطاع، وشغل عدة مناصب رسمية في السلطة الفلسطينية، قبل أن تسيطر حركة حماس على إدارة القطاع في العام 2007 بعد فوزها في انتخابات 2006.
وبعد خروج رموز السلطة الفلسطينية من غزة، تصدعت علاقة دحلان بعد أن كانت وثيقة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، حيث اعترض دحلان على موقف عباس من “تقرير جولدستون الشهير”، كذلك طالب بالشفافية فيما يتعلق بأموال حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية
وفي مخيم خانيونس يمكن تمييز منزل عائلة دحلان، حيث ولد وسط منازل الطوب الرمادية. أطلعت عائلة دحلان الفخورة بابنها المنفي وكالة فرانس برس على شهاداته المدرسية التي تظهر تفوقه في مجال التاريخ أكثر من التربية الإسلامية.
لكن الإنجاز الأبرز والأحدث يتمثل في نجاحه الشهر المنصرم بإدخال عشرين ألف جرعة من لقاح “سبوتنيك-في” الروسي إلى قطاع غزة المحاصر، عن طريق مصر.
وتعمل مجموعات مؤيدة لدحلان على توزيع المساعدات الغذائية، و القسائم الشرائية على المحتاجين من أهل المخيم.
ويقول عمران (36 عاما) وهو عاطل عن العمل لفرانس برس، إنه تلقى مؤخرا مبلغ ثمانين شيكلا (24 دولارا) من أحد مؤيدي دحلان، ودفعه الحصول على المبلغ إلى حث أقاربه على دعمه، ويضيف عمران قائلا: “المساعدات جيدة جدا في منطقتنا، نتواصل دائما مع التيار الإصلاحي (تيار دحلان) حتى يوفروا لنا ما نحتاج”.
في المقابل، أكدت آمنة الدميسي (29 عاما) أنها “تنتظر بفارغ الصبر للتصويت لفتح”، وتتساءل: “ماذا فعلت لنا حماس؟ هذه الانتخابات يمكن أن تأتي بنتائج تساعدنا على الأكل والشرب والعثور على وظائف”.
ويشير الناطق باسم التيار الإصلاحي عماد محسن إلى أن التيار “يعمل منذ عشر سنوات على تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني، بواسطة دحلان وبتمويل ورعاية الإمارات وغيرها من الدول العربية”. ويؤكد محسن على أن هذه الجهود “كلها تصب في خدمة الفقراء والبسطاء والمحتاجين والطلبة والمرضى”.
تعمل الجماعات المقربة من دحلان دون مشكلات تقريبًا في قطاع غزة، أما في الضفة الغربية المحتلة فالوضع أكثر توترا.
ويقول أحد حلفاء دحلان في قطاع غزة ويدعى أسامة الفرا: “نتعاون مع حماس في غزة لأسباب إنسانية، بينما في الضفة الغربية الأمور أكثر صعوبة بالنسبة لنا”.
وفي الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، شهدت الأشهر الأخيرة اشتباكات بين أنصار دحلان وقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، تطورت إلى أعمال عنف دامية في مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين قرب نابلس.
وأدت تلك الأحداث إلى تعقيد جهود تبذلها الفصائل الفلسطينية لإصلاح الأمور، وتشكيل قائمة مرشحين موحدة بين فتح وحماس لانتخابات المجلس التشريعي.
ويضيف الفرا: “نهدف إلى تشكيل قائمة موحدة، لكن إذا لم يكن ذلك ممكنا فسنضع خططا أخرى”، مشيرا إلى إمكانية انضمام دحلان إلى معسكر مناهض لعباس، ويضيف القول: “لهذا نتفاوض مع مروان البرغوثي”.
إسرائيل تعتقل مروان البرغوثي البالغ من العمر 61 عاما منذ نحو عقدين، بعدما أدانته بالقتل خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وتظهر استطلاعات الرأي أن البرغوثي ما زال يتمتع بشعبية كبيرة، ويتم تشبيه تأثيره في بعض الأحيان بالقائد الجنوب إفريقي المناهض للفصل العنصري نيلسون مانديلا.
ويعد احتمال ترشح البرغوثي للانتخابات من خلف القضبان من بين أكثر الموضوعات السياسية التي يتم تناولها، وقبل عدة أسابيع قام عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأحد المقربين من الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ بزيارة قصيرة للبرغوثي في معتقله، لمعرفة ما ينوي فعله بالنسبة للانتخابات.
وفي مقابلة مع فرانس برس في قرية كوبر، قال رائد البرغوثي ابن عم مروان بإصرار: “إن مروان لن يشارك في الانتخابات البرلمانية”، وأضاف رائد وهو يجلس على شرفة مطلة على حقل زيتون، إن مروان يريد فقط المساهمة في تحديد مرشحي فتح، مشيرًا إلى أن احترام رأي مروان لن يجعله يدعم قائمة منافسة.
ورغم أن عباس (85 عاما) لم يكشف عما إذا كان يريد الترشح لولاية جديدة، إلا أن إحكام قبضته على فتح بات مهددًا.
وقال المحلل السياسي الفلسطيني غسان الخطيب، إن معسكر عباس “قلق من البرغوثي ودحلان والقدوة، لأن كل صوت يحصلون عليه سيكون على حساب فتح وبالتالي يفيد حماس”.
وعلى عكس رائد، بدا مقبل البرغوثي واثقا من ترشح شقيقه مروان للرئاسة، وقال: “سيكون لدينا رئيس في السجن، وهذا سيجعل العالم يعرف كيف يعيش الفلسطينيون”.
على صعيد آخر، قررت حركة فتح فصل عضو لجنتها المركزية ناصر القدوة، على خلفية قراره تشكيل قائمة مستقلة عن الحركة للمشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة.
وقالت اللجنة المركزية لحركة فتح في بيان، إنها “قررت فصل ناصر القدوة من عضويتها ومن الحركة بناء على قرارها الصادر في 8 آذار/مارس”، علما أنه عضو فيها منذ العام 1969.
وكان القدوة (67 عاما) أعلن مؤخرا عن تشكيل “الملتقى الوطني الديموقراطي الفلسطيني”، الذي تعتمد عضويته على مشاركة أفراد من حركة فتح ومن المجتمع المدني.
وأمهلت اللجنة المركزية القدوة وهو ابن شقيقة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بحسب البيان 48 ساعة، “للتراجع عن مواقفه المعلنة المتجاوزة للنظام الداخلي للحركة وقراراتها والمس بوحدتها”.
وأضاف البيان الموقع من الرئيس الفلسطيني محمود عباس بصفته رئيسا لحركة فتح، أن قرار فصل القدوة جاء “بعد فشل الجهود كافة التي بذلت معه من الإخوة المكلفين بذلك”. واعتبرت الحركة قرار الفصل الموقع بتاريخ 11 آذار/مارس 2021 “نافذا من تاريخه”.
ويسيطر التوتر على علاقة القدوة بالرئيس الفلسطيني، إذ تعود الخلافات بين الرجلين إلى اختلاف وجهات النظر، حول الرؤية وهيكلية العمل داخل الحركة.
من جانبه، وصف عضو المجلس الثوري لحركة فتح حاتم عبد القادر قرار اللجنة المركزية فصل القدوة بأنه “خاطئ ومتسرع”، خاصة وأن الحديث يدور عن “قامة وطنية”.
وأكد عبد القادر أن قرار اللجنة المركزية لفتح “مخالف للوائحها الداخلية، خاصة وأنه لم يحظ بموافقة المجلس الثوري الذي يُعتبر برلمان الحركة”. ورأى عضو المجلس الثوري أنه كان من الأفضل استخدام اللجنة المركزية لبدائل أخرى غير الفصل، مثل تجميد العضوية.
وشغل القدوة المولود في مدينة خان يونس في قطاع غزة عدة مناصب عليا، إذ كان وزيرا للخارجية في السلطة الفلسطينية بين عامي 2005-2006، والمراقب الدائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة 1990-2005، كما تمتع بعضوية المجالس المركزية والثورية والوطنية الفلسطينية في مراحل مختلفة، وغيرها من المناصب.