ترامب في مواجهة “اليوم التالي” بغزة: بين أوهام نتنياهو ورؤية عربية أكثر واقعية

سميح صعب
برز في اليومين الأخيرين أكثر من معطى يؤشر إلى إعادة بث الحياة في الجهود الديبلوماسية للتوصل إلى اتفاق لوقف النار في غزة، يكون منطلقاً لترتيبات تناول اليوم التالي لانتهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع والمستمرة منذ 22 شهراً.
ما يسترعي الانتباه، هو استئناف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب جهودها المتوقفة فعلياً، منذ تموز/يوليو الماضي. ومن المنتظر أن يترأس ترامب “اجتماعاً موسعاً” في البيت الأبيض اليوم الأربعاء، لوضع “خطة شاملة جداً لليوم التالي لانتهاء” الحرب في غزة، وفق المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف.
وسبق ذلك، مباحثات أجراها وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مع نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر، الذي يزور واشنطن.
الحراك الديبلوماسي الأميركي يتزامن مع وجود وفد إسرائيلي في القاهرة، ومع زيارة وفد مصري لإسرائيل في سياق الجهود المبذولة للاتفاق على تهدئة تكون محصنة بإجراءات لما بعد الحرب، وفي مقدمها من سيحكم غزة.
وعلى رغم معارضة إسرائيل مشاركة السلطة الفلسطينية في ترتيبات اليوم التالي في غزة، فإن صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية نقلت عن مسؤولين عرب، أن مصر شرعت في تدريب مئات العناصر من الشرطة التابعة للسلطة، كي يكونوا جزءاً من قوة قوامها عشرة آلاف عنصر لتولي الأمن في القطاع.
يأتي تدريب مصر للقوة اللفلسطينية، بعدما دعت جامعة الدول العربية في تموز الماضي، للمرة الأولى، “حماس” إلى إلقاء السلاح وإنهاء حكمها لغزة. وفي هذا السياق، قدمت مصر وقطر خطة للحركة الأسبوع الماضي، تتضمن تشكيل قوة دولية تتكون بمعظمها من عناصر عربية بما فيها القوة التي بدأت مصر في تدريبها. لكن “حماس” رفضت الخطة، التي تتطلب منها التخلي عن السيطرة العسكرية والسياسية على غزة.
وعوض ذلك، وافقت “حماس” على اقتراح سابق كان تقدم به ويتكوف ويقضي بهدنة من 60 يوماًً، وإطلاق الحركة عشرة أسرى إسرائيليين، والشروع في مفاوضات لوقف دائم للنار. وبعثت إسرائيل بوفد إلى القاهرة لمناقشة وقف للنار، من دون التطرق إلى الهدنة التي قبلت بها “حماس”.
والتحرك الأميركي الجديد يأتي في ظل الاستعدادات العسكرية الإسرائيلية لاحتلال مدينة غزة، وردود فعل دولية ضاغطة على تل أبيب لوقف النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، الذي يشهد مجاعة تطاول نصف مليون فلسطيني.
ومهما كان التوجه الذي سيخرج به ترامب لليوم التالي، فإنه سيركز على إنهاء دور “حماس” عسكرياً وسلطوياً. لكن هل سيأخذ في الاعتبار وجهة نظر الدول العربية التي تصر على دور للسلطة الفلسطينية، ولو رمزياً، في إدارة القطاع في مرحلة ما بعد “حماس”، أم أنه سيبقى منحازاً بالكامل إلى وجهة نظر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الرافض أي دور للسلطة الفلسطينية التي يساويها بـ”حماس”؟
يصعّب نتنياهو على ترامب مهمة إنقاذ إسرائيل من نفسها، ويفرض عليه مشاريع صعبة التحقق، على غرار تشجيع الفلسطينيين على “هجرة طوعية”، والانخراط في جهود البحث عن دول مستعدة لاستقبالهم، في مقابل مساعدات إسرائيلية وأميركية.
هذه الدوامة التي يدور فيها نتنياهو منذ نحو عامين، تدفع إلى تغيير النظرة لإسرائيل في العالم حتى داخل الولايات المتحدة، التي يتعاطف الجيل الجديد فيها مع الفلسطينيين أكثر من التعاطف مع إسرائيل.
والثلاثاء، وجّه أكثر من 100 نائب ديموقراطي أميركي رسالة إلى روبيو، يطالبونه بإجبار إسرائيل على رفع الحصار وفتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية، بما في ذلك شحنات حليب الأطفال، “قبل أن تُزهق أرواح المزيد من الرضّع”.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا نتنياهو إلى الكف عن “الهروب القاتل إلى الأمام” في الحرب على غزة، ويرى أنه قد “أهان فرنسا بأكملها”، عندما اتهم الحكومة الفرنسية بعدم اتخاذ إجراءات فعالة لمكافحة معاداة السامية.