أردوغان وقطر يوقظان الإرهاب … خبراء يحذرون

الحوادث الإرهابية تكشف مدى تسلل تنظيم الإخونجية داخل المجتمعات الأوروبية

يربط العديد من المراقبين بين تصريحات أردوغان التحريضية ضد فرنسا وموجة العنف المتنامية في بلدان الاتحاد الأوروبي، آخرها ما شهدته مدينة نيس جنوبي فرنسا، صباح الخميس، حيث وقع حادثاً إرهابياً  قتل فيه  ثلاثة أشخاص من بينهم امرأة قطعت رأسها، فيما أصيب أخرون طعنا داخل كنيسة رجحت مصادر فرنسية أنه عمل إرهابي.

عقب الجريمة، دعا خبراء إلى ضرورة تبني صحوة ضد جماعات الضغط التي تتخذ من الدين ستارا لتنفيذ أجندات سياسية لبعض الدول الراعية للإرهاب واستخدامه في تحقيق أطماع اقتصادية، وذلك على خلفية الهجومين الإرهابيين اللذين ضربا نيس وأفينيون جنوبي فرنسا.

ومنتصف أكتوبر الجاري شهدت العاصمة الفرنسية باريس حادث قطع رأس للمدرس، صمويل باتي، على يد رجل من أصل شيشاني قال إنه كان يريد معاقبة المدرس على عرض رسوم كاريكاتورية للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) على التلاميذ.

وتصاعدت العمليات الإرهابية باسم الإسلام في فرنسا تحديدا بالتزامن مع خلاف اقتصادي تركي فرنسي في ليبيا وشرق البحر المتوسط وهو ما تعتبره تركيا تهديدا لأطماعها في ثروات شرق البحر المتوسط وثروات الجنوب الليبي.

والحادثين الإرهابيين جاءا بعد تصعيد لهجة رئيس النظام التركي، رجب طيب أردوغان، وتبني قناة الجزيرة القطرية لحملة ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووصفه بالحرب على الإسلام ما اعتبره مراقبون توظيفا سياسيا لتصريحات لماكرون في أعقاب حادث المدرس في باريس.  

وتكشف الحوادث الإرهابية مدى تسلل تنظيم الإخونجية الإرهابي إلى المجتمعات الأوروبية برعاية تركية وقطرية بعد تصدير صورة ذهنية مغلوطة عن الإسلام والمسلمين عبر قناة الجزيرة القطرية.

وقال الخبراء في تصريحات لوسائل الإعلام: إن هذه الصحوة لابد أن تنطلق من المجتمعات الغربية والأوروبية، التي ساهمت في احتضان هذه المنظمات في إطار الاستخدام السياسي لصد المد الشيوعي من جانب وكمبررات للتدخل في المنطقة العربية من جانب آخر وهو ما استدعى تساهلا أوروبيا معها استخدمته قطر وتركيا في إيجاد أوراق ضغط داخل أوروبا لتحقيق مصالح اقتصادية.

وشدد الخبراء  على ضرورة تزامن هذه الصحوة مع مسار عربي إسلامي يتبنى خطابا كاشفا لبعض الدول في المنطقة العربية والإسلامية، التي رعت ومولت هذه التيارات الإرهابية وأغراضها السياسية والاقتصادية من وراء ذلك.

وتجمع قطر والنظام التركي شراكة استراتيجية في مجال استخدام الإرهاب كوسائل ضغط لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وتشير تقارير الى رعاية قطر للجماعات المتطرفة بتمويل مستتر تحت منظمات وجمعيات خيرية.

وفي تقرير سابق حذر الباحث في مركز “جيتستون” الأميركي للدراسات والأبحاث، جيوليو ميوتي، من أن النظام القطري يتخذ من التبرع للمساجد في فرنسا ستارا لتمويل الإرهاب.

وأكد التقرير أن النشاط القطري في فرنسا يثير القلق على استقرار الديمقراطيات الأوروبية وأنه على مدى السنوات الماضية كانت قطر الداعم الأول لجماعة الإخونجية وإيران وتنظيم داعش وأعضاء القاعدة وحماس وطالبان وغيرهم.

فالأموال القادمة من قطر تمول إقامة العديد من المساجد الكبرى في فرنسا واستشهد تقرير المركز الأميركي بموظف سابق يدعى مالك العثامنة بجمعية “قطر الخيرية” المدرجة ضمن قوائم الإرهاب في عدة دول عربية، حيث قال إن المنظمة تضطلع بدور كبير في دعم وتمويل الجماعات الإرهابية.

وفي السياق كشف تقرير قدمه الباحث تيم كولينز إلى مجلس اللوردات البريطاني عن دعم قطري غير محدود لجماعة الإخونجية، يتمثل في ضخ أكثر من 125 مليون يورو في جميع أنحاء أوروبا من قطر إلى مؤسسات تابعة لجماعة الإخوان وذهب أكثر من 18 مليون يورو من جملة هذا المبلغ إلى أقسام بعينها في جامعة أكسفورد، مشيرا إلى أن هناك تنظيمات كثيرة تابعة للإخوان تحظى بدعم قطر ماليا، دون أي قيود، وهذا يعني أنه على الحكومات الغربية مراجعة علاقاتها بالدوحة.

ويرى المفكر الليبي صلاح الحداد “العضو المنشق عن مجلس شورى التنظيم الدولي للإخونجية” أن هناك موقف أوروبي مشتت في التعامل مع تنظيم الإخوان الإرهابي ومشتقاته.

وأشار في حديث إعلامي إلى أن مواقف الدول الغربية في التعامل مع هذه التنظيمات الإرهابية الآن غير موحدة وتحكمها المصالح، موضحا أن موقف بريطانيا من تنظيم الإخوان مثلا مغاير تماما لموقف فرنسا، مؤكدا أن هذا ما يعقد الأمر ويجعل صحوة بعض الدول كفرنسا غير فعالة.

وأضاف الحداد أنه طالما ظل الإسلام السياسي وعلى رأسه الإخوان رأس حربة تستخدمه القوى الغربية ضد أعدائها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية خاصة في مواجهة عدوها الشيوعي السابق، لافتا إلى الاستخدام الغربي للإسلام السياسي حوله إلى سرطان في الجسد الأوروبي وخرج عن سيطرتها بعد أن انتهت مهمته.

واختتم صلاح الحداد حديثهبقوله إن ما يمكن أن يغير قواعد اللعبة هو تركيز الدول العربية والإسلامية ذات الثقل على استراتيجية تجفيف منابع الإخونجية المالية في أوروبا، وسحب كل أنواع الدعم المالي المباشر وغير المباشر من جميع المشاريع، التي لها علاقة بهذه الجماعات.

ويتفق مع هذه الرؤية الباحث المصري في شؤون الجماعات الاٍرهابية، عمرو فاروق، مؤكدا أن بعض الدول الغربية خلال المرحلة الراهنة من شأنها اتخاذ تدابير احترازية ضد جماعة الإخوان ومؤسساتها في الخارج وضد العناصر المتطرفة والمشددة دينيا، لاسيما عقب الأحداث الأخيرة في الداخل الفرنسي.

ولفت فاروق إلى أن الكثير يعلم أن الغرب وأجهزة استخباراته وظفت الإخونجية وبعض المرجعيات الحركية والفكرية للتيارات المتشددة بهدف استخدامها كأوراق ضغط ضد الأنظمة السياسية العربية لتحقيق مصالح في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ما يعني أن السحر انقلب على الساحر.

ورجح فاروق أن تستغل التيارات المتطرفة المسلحة هذه الموجة الأخيرة لصالح عدائها مع الغرب في تحقيق عمليات إرهابية عّن طريق ما يسمى بخلايا التماسيح والذئاب المنفردة، لتتكبد الدول الغربية خسائر فادحة، فضلا عّن استقطاب المزيد من الشباب المتحمس والثوري تحت لافتة الدفاع عّن الدين والشريعة والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

وأوضح فاروق أن علمية إدراج جماعة الإخونجية على قوائم الاٍرهاب وملاحقة عدد من قيادتها ومصادرة أموالهم والتضييق على حركاتهم ربما يكون واردا في المرحلة الراهنة، من باب مغازلة الداخل الغربي واليمين المسيحي، فضلا عّن شعور الحكومات الغربية أن مجتمعاتها باتت مهددة وتشهد حالة من التغريب المقصودة من خلال بناء شرائح مجتمعية موازية تنتهج الفكر المتطرف دينيا.

وأشار فاروق إلى أن الحكومات الغربية ودوائر صنع القرار الأوروبي أدركوا تماما أن الإخونجية وتيارات الاسلام الحركي بشكل عام استغلت هامش الحريات في تشكيل مؤسسات ومراكز إسلامية للسيطرة على المجتمعات الغربي وتغيير هوايتها بما يتوافق مع المرجعية الإخوانية القطبية، التي انطلقت منها أدبيات السلفية الجهادية، وهناك عشرات الوثائق والمخطط التي تم ضبطها تحدثت عّن محاولات اختراق الغرب بوسائل متعددة.

وقال فاروق إن استفاقة دوائر صنع القرار في الغرب ضد الإخونجية وأنصار السلفية الجهادية متأخرة جدا لعدة أسباب منها تمكن هذه الجماعات من مخاطبة العقل الجمعي المجتمعات العربية والغربية من خلال مؤسسات إعلامية فاعلة، واحتكارهم للخطاب الديني في الغرب، وتشكيل وجدان ووعي الجاليات العربية والإسلامية، فضلا عّن سيطرتهم على كعكة أموال الصداقات والتبرعات، وتأسيس كيانات اقتصادية ضخمة تم بنائها على مدار سنوات طويلة، وبناء مدارس ومراكز معنية بشؤون هذه الجاليات وأوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أيضا.

ويرى المحلل السياسي اليمني، عادل الأحمدي، رئيس مركز نشوان الحميري للدراسات والإعلام أن مسألة التصدي لإرهاب جماعات الإسلام السياسي تخضع للمساومات وهو ما يؤخر القضاء على هذه الظاهرة.

وأكد  أن الصحوة الغربية ضد جماعات الإسلام السياسي والتي ألحقت بالمنطقة العربية والعديد من بلدان المنطقة والعالم الكوارث وعملت على تشويه صورة الإسلام، مسألة تكسب كل يوم مزيداً من الأهمية، على ضوء التطورات المتلاحقة، وخصوصاً بعد الانكشاف الرهيب للشعارات التي رفعتها هذه الجماعات في أكثر من دولة وتصنيفها في قوائم الإرهاب من قبل العديد من الحكومات.

وأشار الأحمدي إلى أن هذه القضية تخضع للمساومات لأن هناك بعض الحكومات الغربية وجدت في مرحلة سابقة أو ما تزال، بهذه الجماعات شماعة لتحقيق ضغوط أو مصالح وتدخلات في المنطقة العربية، ولكن هذه الورقة تفقد بريقها كل يوم، وبات على الغرب الإدراك بأن المصلحة في التنبه لخطورة الأفكار المتطرفة والتي تسيء إلى الإسلام وقيمه بالعدالة والوسيطة قبل أي شيء غيره.

 

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى