أميركا تتخذ من الصين عدوا جديدا.. فماذا عن بريكس؟

علي قاسم

من عاش حقبة المكارثية ويرى اليوم الحملة التي يتزعمها المرشحون الجمهوريون للانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة، سيتذكر حتما الحملة التكفيرية التي شنها السيناتور الأميركي جوزيف مكارثي في خمسينات القرن الماضي ضد شيوعيين مزعومين ومتعاطفين معهم في الحكومة والمجتمع الأميركي.

استخدمت المكارثية حينها كل الأساليب القذرة من ترهيب وتشهير وتهديد، لإجبار المتهمين على الاعتراف أو التخلي عن أصدقائهم وزملائهم وحتى أفراد عائلاتهم.

كانت المكارثية تستغل خوف الأميركيين من وحش صنعته بعناية استنادا إلى بعض الحقائق وإلى الكثير من الأوهام حول توغل شيوعي محتمل في الولايات المتحدة خلال فترة الحرب الباردة، وأثرت بذلك سلبا على حقوق الإنسان وحرية التعبير والفكر في البلاد.

وتبدو الوصفة اليوم جاهزة، وما على المرشحين المتسابقين للفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة سوى اتباع نفس السيناريو القديم، مع إضافة المخاوف الاقتصادية التي هي في الحقيقة جوهر المشكلة ولبها.

وتأتي اتهامات المرشح الجمهوري رون ديسانتيس للصين باستنزاف الولايات المتحدة من قوتها المالية ضمن هذا السياق. وذلك في أحدث دلالة على أن الموقف من الصين أصبح قضية القضايا الموظفة في السباق التمهيدي للحزب الجمهوري للعودة إلى البيت الأبيض، حيث يتم ذكر الصين يوميا في محطات الحملة، وفي الإعلانات الرقمية وفي الخطب السياسية من قبل مختلف المرشحين الجمهوريين دون استثناء.

ولم يجد ديسانتيس الذي لم تغب بالطبع الاتهامات الأيديولوجية عن تصريحاته، أي حرج بإطلاق تصريحات تفوح منها رائحة الأيديولوجيا، واصفا الصين بعدو الولايات المتحدة “الاستبدادي” الذي يسرق الأسرار الصناعية ويسرق وظائف التصنيع الأميركية

الحل الذي اقترحه المرشح الجمهوري للمشكلة هو إلغاء العلاقات التجارية الطبيعية الدائمة مع القوة العظمى في شرق آسيا لتقتصر على أنواع معينة من الصادرات.

بالنسبة إلى سفيرة الأمم المتحدة السابقة نيكي هالي، التي جعلت من مواجهة الصين محورا لحملتها، وصفت الصين بأنها “أخطر تهديد واجهته أميركا منذ الحرب العالمية الثانية”. لتكون بذلك قد وضعتها في ترتيب متقدم على الاتحاد السوفييتي (سابقا). السبب ببساطة أن روسيا لم تشكل يوما تهديدا اقتصاديا للولايات المتحدة. بل حتى المخاوف العسكرية لم يكن هناك ما يبررها فعليا.

واشنطن كانت تدرك دائما أن موسكو حتى وإن امتلكت السلاح النووي، لن تحاول استخدامه، وذلك لسببين: الأول، أنها لا تملك القدرة على حمل هذا السلاح وتوجيهه ليصيب هدفه. أما السبب الثاني وقد يكون أكثر أهمية، أن السلاح النووي أصبح بعد تجربة هيروشيما وناغازاكي سلاحا يهدد به، ولكن لا يوجد مجنون يجرؤ على استخدامه.

بالطبع لم يتخلف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن الجوقة وهو الأكثر حظا بينهم للفوز حتى هذه الساعة، موجها الاتهام لوزارة العدل الأميركية بملاحقته لأنه كما زعم في مقال نشرته مجلة نيوزويك كان يحاول “إنهاء بيع بلادنا للصين الشيوعية”.

لم يتوقف التلويح ببعبع الشيوعية منذ اليوم الأول لإطلاق حملات الترشيح لمنصب الرئيس، ويصر الجمهوريون على أن الصين ليست مجرد تهديد للأمن القومي، كما هو الحال مع روسيا، ولكنها أيضا، وهو الأخطر بالنسبة إليهم، تشكل تهديدا اقتصاديا كبيرا، لن ينهيه وفق تحليلهم سوى فصل الاقتصاد الأميركي عن الصين ويرون في ذلك مفتاح الصحة الاقتصادية للأمة الأميركية.

لم يواجه الجمهوريون أي صعوبات في إقناع الشارع الأميركي بتلك المخاوف. سرعان ما اصطف الأميركيون ضمن المعسكر المعادي للصين، حيث تشير استطلاعات للرأي إلى أن حوالي 50 في المئة من الأميركيين يعتبرون الصين أكبر تهديد لبلادهم، ويضعون روسيا في المرتبة الثانية، وبنسبة 17 في المئة من المستطلعين.

ويعد هذا تغييرا كبيرا منذ آخر مرة طُرح فيها سؤال مماثل في عام 2019، عندما كان يُنظر إلى كلا البلدين على أنهما يشكلان تهديدا مماثلا.

لنستمع إلى هذه النغمة المرعبة التي يستعملها السيناتور تيم سكوت، وهو منافس جمهوري آخر، عندما يقول في إعلان نشر خلال الشهر الماضي “إنهم (الصينيون) يشترون أراضينا الزراعية ويتجسسون على أطفالنا ويسرقون وظائفنا”.

هناك بين المحللين من يرى أن كل ما يحدث مجرد زوبعة، ستنتهي مع دخول الفائز في الانتخابات الرئاسية البيت الأبيض. وهذا في ضوء كل ما يجري حاليا احتمال ضئيل جدا، لأن المخاوف الأميركية هذه المرة، خاصة في شقها الاقتصادي، حقيقية.

ولكن، القول إنها مخاوف حقيقية لا ينفي إمكانية التعامل معها، إذا اقتنعت الولايات المتحدة أن من حق الصين ودول أخرى تقف إلى جانبها أن تقتسم الفوائد الاقتصادية للثورة الرقمية وثورة الذكاء الاصطناعي.

الصراع اليوم هو صراع على البيانات، ليس لما تشكله من مخاطر أمنية، فهي حتى لو كانت مخاطر حقيقية، سيمكن التعامل معها مستقبلا، ولكن بصفتها المنجم الحقيقي للثروة مستقبلا.

المعضلة التي ستواجهها الولايات المتحدة في أي صراع مع الصين، هي التحالفات التي يمكن أن تحققها بكين، وهي على ما يبدو كثيرة.

هناك اليوم شكوك حقيقية في نوايا الولايات المتحدة ومن دول كثيرة. في مقدمة هذه الدول مجموعة بريكس التي يجتمع قادتها منذ يوم الثلاثاء في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا.

وقال تشن شياودونغ السفير الصيني في بريتوريا للصحافيين قبل أيام من القمة إنّ “نظام الحُكم العالمي التقليدي أصبح معطّلا وقاصرا”. وإنّ دول بريكس “أصبحت على نحو متزايد قوة راسخة في الدفاع عن العدالة الدولية”.

بـ3.2 مليار نسمة، تمثل مجموعة بريكس 42 في المئة من سكان العالم، بينما يبلغ عدد سكان دول مجموعة السبع، نحو 800 مليون نسمة.

وتمتلك دول المجموعة الخمس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين والهند) فيما بينها نحو رُبع ثروة العالم، تظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن مساهمة التكتل بلغت 31.5 في المئة في الاقتصاد العالمي بنهاية 2022، مقابل 30.7 في المئة للقوى السبع الصناعية أو G7 (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، إيطاليا، ألمانيا، فرنسا، كندا واليابان).

وتشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن حجم اقتصاد الصين لوحده، يفوق 6 من اقتصادات  G7، وهي ألمانيا وإيطاليا واليابان وكندا وفرنسا والمملكة المتحدة.

ويبلغ حجم اقتصادات بريكس حتى نهاية عام 2022، نحو 44 تريليون دولار، وتسيطر على 17 في المئة من التجارة العالمية.

وتضم المجموعة كذلك، ثلاث قوى نووية هي: روسيا، الصين، الهند، وأربعة من أقوى جيوش العالم، بصدارة الصين والهند وروسيا.

وتعلم الإدارة الأميركية أن الأمور لن تقف عند هذا الحد، وأنها لن تستطيع أن تتجاهل موقف دول عديدة (40 دولة على الأقل) كشفت علنا عن رغبتها في الانضمام إلى دول المجموعة. وأن هناك 23 دولة من بينها قدمت طلبا رسميا للعضوية حتى الآن.

حرب باردة ثانية بين الولايات المتحدة والصين، ستكون أكثر خطورة من الأولى. الآن، لدى الولايات المتحدة والصين موارد اقتصادية متشابهة، وهو ما لم يكن عليه الحال خلال الحرب الباردة الأولى.

منذ شهر (22 يوليو – تموز 2023) تحدثنا عن مخاوف أوروبية من نشوب حرب باردة ثانية بين بكين وواشنطن، وعن مناقشات تشهدها العواصم الأوروبية حول القيادة الأميركية للمعسكر الغربي وللنظام العالمي. وهي مخاوف ستضطر واشنطن في النهاية إلى أن تأخذها بالاعتبار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى