التحالف التركي الحاكم يشدد قبضته على وسائل الإعلام

النقابات الصحافية والمعارضة تتصدى لتشريع جديد يستهدف الحريات الإعلامية

مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في تركيا عام 2023 وتراجع شعبية رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان وتحالفه الحاكم بسبب الفشل الاقتصادي وارتفاع تكلفة المعيشة، يعكف البرلمان التركي الذي يهيمن عليه حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ أيام على نقاش تشريعاً لتقييد عمل وسائل الإعلام المحلية والدولية على اختلاف أنواعها.

وتتصدى معظم المؤسسات والنقابات الصحافية في تركيا ضدّ هذا التشريع، وتعتبره اعتداء على حرية الرأي والتعبير، وأن الغرض السياسي منه تحجيم تنامي قوى المعارضة التي باتت في أوضاع تؤهلها لتحقيق انتصار انتخابي على التحالف الحاكم وهزيمة أردوغان.

وببحث أسباب الرفض، اعتبر غوكهان دورموش، رئيس نقابة الصحافيين في تركيا والتي تعرف اختصاراً بـ TGS أن هذا التشريع الذي يناقشه البرلمان منذ مدة، والذي بات يُعرف باسم “مكافحة التضليل الإعلامي”، سوف يقضي تماماً على حرية الصحافة والتعبير في البلاد إذا ما دخل حيّز التنفيذ، وهو أمر يمكن أن يحصل بسهولة باعتبار أن حزب “العدالة والتنمية” الحاكم وحليفه حزب “الحركة القومية” اليميني واللذين قدّما هذا التشريع للبرلمان، يتمتعان بأغلبية نيابية تخوّلهما تمريره رغم وقوف نواب الأحزاب المعارضة ضده.

سجن النشطاء والصحافيين

ولفت درموش في تصريحات صحافية، إلى أن هذا التشريع لا يسمح فقط باحتجاز الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام فقط على خلفية تقاريرهم، وإنما يجيز كذلك سجن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بسبب منشوراتهم.

كما أوضح أن بنود هذا التشريع مبهمة، مستشهداً ببند يصف تداول أنباء عن الحرائق التي تشهدها الغابات على أنها “أخبار تثير القلق” بين الناس، حيث يمكن سجن أي صحافي أو أي مستخدم على مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا لمدّة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات إذا ما اتهمته السلطات بما أسمته “إثارة الذعر في نفوس المواطنين في البلاد”، وذلك على خلفية تقارير إعلامية أو منشوراتٍ على منصّات التواصل، معلناً رفض نقابة الصحافيين هذا التشريع بشكل قاطع.

إلى ذلك، كشف أن هناك بنوداً أخرى مبهمة من التشريع منها مثلاً تلك المتعلقة بـ “حق الرد والتصحيح”، معتبراً أن المدّة الممنوحة لنشر الردود أو التعقيب على الأخبار المتداولة على مواقع الإنترنت”24 ساعة للمواقع و3 أيام للصحف المطبوعة، ليست كافية.

ورأى رئيس نقابة الصحافيين في تركيا أن مختلف البنود تتطلب المراجعة والتدقيق والصياغة من جديد خاصة البنود المتعلقة بإزالة الأخبار والمحتوى، فهي أيضاً شائكة وتسبب إشكالية كبيرة، وفق رأيه.

تأثير مخيف على حرية التعبير

من جهته، شدّد بروفيسور بارز من قسم الصحافة في جامعة اسكودار التركية، على أنه لا يعارض كامل بنود التشريع، لكنه يقف ضدّ ما أطلق عليه “التعريف الغامض” للمعلومات المضللة، واصفاً إياه بمشكلة رئيسية في التشريع الذي يناقشه البرلمان.

كما أضاف الأكاديمي والبروفيسور التركي سليمان عرفان، أن المعلومات المضللة يتمّ تعريفها على أنها معلومات خاطئة تنتشر عمداً لخداع الناس، موضحاً أن المشكلة تكمن بتحديد من سيتخذ هذا القرار، أي من سيفرز الأخبار المضللة عن الصحيحة في تركيا؟.

وتابع: أنه في حال اعتبرنا أن البيانات الرسمية صحيحة، وكل تفسيرات المعارضة مضللة، ستكون حينها الصحافة النقدّية في خطر”، لافتاً إلى أن التشريع الجديد باعتقاده سيقدّم جميع التفسيرات ضدّ الرواية الرسمية على أنها أخبار مضللة، وهذا أمر محفوف بالمخاطر ليس فقط لأنه يسمح برمي الأشخاص في السجن فحسب، بل لأنه يتسبب أيضاً في تأثير مخيف على حرية التعبير.

كذلك رأى أن هذا التشريع الجديد سوف يلحق المزيد من الضرر بوسائل الإعلام المستقلة لاسيما وأن معدلات حرية الإعلام في تركيا تتراجع وليست جيدة، إذ يعمل الصحافيون وفق رقابةٍ صارمة وسيزيد هذا التشريع من حجم التحدّيات التي يواجهونها، بحسب تعبيره.

يشار إلى أنه من المقرر أن تستغرق مناقشة تشريع “مكافحة التضليل الإعلامي” مدّة تتراوح بين أسبوع وأسبوعين نظراً لكثرة بنوده التي يناقشها النواب من مختلف الأحزاب، ومن ثم بعد ذلك سيقوم البرلمان بإقراره، وذلك بحسب معلومات حصلت عليها “العربية.نت” من داخل البرلمان التركي.

التضليل الإعلامي

وينصّ التشريع بوضوح على عقوبة بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات وحرمان الصحافيين من بطاقاتهم الصحافية إذا ما ثُبِت تورطهم في “نشر معلومات مضللة”.

في حين يعارض رئيس المراسلين داخل البرلمان التركي، علاوة على نقابات صحافية ومنظمات دولية إلى جانب أكبر حزبين معارضين في البلاد وهما “الشعب الجمهوري” و”الشعوب الديمقراطي” المؤيد للأكراد، هذا التشريع بذريعة أنه يشكل خطراً على حرية وسائل الإعلام وعملها داخل البلاد التي احتلت المرتبة 149 من أصل 180 في تصنيف حرية الصحافة لعام 2022 الذي نشرته منظمة “مراسلون بلا حدود” الفرنسية.

كما يتهم الحزبين المعارضين للحزب الحاكم، أردوغان، باستخدام “التضليل الإعلامي” كسلاحٍ للحدّ من تأثير وسائل إعلام المعارضة قبل أقل من عامٍ من انتخابات رئاسية وبرلمانية ستشهدها تركيا في يونيو من عام 2023 المقبل.

المرتبة 149

وتواظب منظمات غير حكومية على التنديد بتراجع حرية الصحافة في تركيا التي تحتل المرتبة 149 من بين 180 دولة في تصنيف حرية الصحافة للعام 2022 والذي أصدرته منظمة “مراسلون بلا حدود”.

ويرى مراقبون أن الرئيس رجب طيب أردوغان يحاول ممارسة المزيد من السيطرة على الصحافة وشبكات التواصل الاجتماعي، قبل عام على الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقرر إجراؤها في يونيو 2023.

وتتحدث المنظمات غير الحكومية المدافعة عن الصحافة وحرية التعبير بشكل متكرر عن تدهور حرية الصحافة في تركيا التي تحتل المرتبة 149 من أصل 180 في تصنيف حرية الصحافة لعام 2022 الذي نشرته مراسلون بلا حدود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى