الجملي يُقدم حكومة محاصصة بغطاء “كفاءات مستقلة”

الجمعي قاسمي

يرسم التفاؤل الذي عبّر عنه رئيس الحكومة التونسية المُكلف الحبيب الجملي بإمكانية منح البرلمان الثقة للحكومة التي أعلن تشكيلتها في وقت سابق نقاط استفهام عديدة، ألقت غبارا مُتصاعدا على مدى مساحة ابتعاده عن المُحاصصة الحزبية أثناء اختياره لأعضاء فريقه الحكومي.

ودفع هذا التفاؤل الذي جاء حذرا إلى تزايد الأصوات التي تصف حكومة الحبيب الجملي بأنها “حكومة مُحاصصة بغطاء كفاءات مُستقلة”، بمواصفات حددها الفريق المُقرب من رئيس حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي، الذي يُريد من خلالها التحكم بتفاصيل عملها.

ويُدرك الحبيب الجملي هذا المُعطى الذي لم تتمكن المناورات السياسية التي عكستها التباينات في مواقف قادة حركة النهضة في حجب أبعاده، ومع ذلك اندفع في تفاؤله دون أن يتجاوز حدود المساحة المُحددة له للتحرك ضمن معادلاتها الحزبية التي فرضتها موازين القوى داخل البرلمان.

وأعرب في هذا السياق عن ثقته في أن تحصل تركيبة حكومته المُقترحة على ثقة البرلمان، لأنها “تشكلت على قاعدة الكفاءة والتحري على كل الأسماء”، مؤكدا في هذا الصدد أن جميع الوزراء المُقترحين “مُستقلون”، ويستجيبون للقواعد والمقاييس التي وضعها، أي “النزاهة والمصداقية والكفاءة”.

وكان الجملي قد أعلن بعد 42 يوما من المشاورات والمفاوضات مع الأحزاب ومختلف القوى السياسية والاجتماعية، تخللتها سلسلة من المناورات والاشتراطات، وحتى الإملاءات التي تحولت إلى عراقيل وعقبات، عن تشكيلة حكومته التي وصفها بأنها “حكومة كفاءات مستقلة”.

وتتكون هذه الحكومة من 42 عضوا، منهم 25 وزيرا، و3 وزراء لدى رئيس الحكومة، و14 كاتب دولة (مساعد وزير)، أي بمعدل اختيار عضو في كل يوم، سرعان ما تبين أنها حكومة “مُحاصصة حزبية” بامتياز حصلت فيها حركة النهضة الإسلامية على نصيب الأسد من الحقائب الوزارية، وخاصة منها السيادية.

وتدفع بهذا الوصف غالبية الأحزاب التي اختارت المعارضة، منها حركة الشعب (16 مقعدا برلمانيا)، التي لم يتردد أمينها العام زهير المغزاوي في القول إنها حكومة حركة النهضة الإسلامية (52 مقعدا برلمانيا)، وحزب قلب تونس (38 مقعدا برلمانيا) الذي يرأسه رجل الأعمال، نبيل القروي.

واعتبر في تصريحات بثتها، الجمعة، إذاعات محلية تونسية، أن حزبي حركة النهضة الإسلامية وقلب تونس “يُحاولان التخفي وراء مُسمّى الكفاءات والمستقلين، والحال أن عديد الأسماء التي وردت في تشكيلة الحكومة لا علاقة لها بالكفاءة ولا بالنزاهة، بل هي قيادات في الصف الثاني والثالث في الحزبين المذكورين”.

ويُشاطر هذا الرأي، الناشط السياسي التونسي، المحامي الهاشمي الحذيري الذي قال لـ”العرب”، إن “الحكومة التي أعلن تشكيلتها الحبيب الجملي، هي حكومة تقاسم مصالح حزبية ضيقة، لا تُمثل تونس الأعماق، ولا الحضارة ولا الإنسان التونسي”.

وذهب بعيدا في انتقاده لهذه الحكومة، حيث لم يتردد في وصفها بأنها “حكومة لقيطة” تريد حركة النهضة الإسلامية تمريرها في هذه المرحلة الخطيرة عبر مناورات جديدة منها مُحاولة فرض التصويت لمنح الثقة عليها بشكلها الكامل، وبالتالي الالتفاف على التصويت لمنح الثقة لكل واحد من أعضائها قبل التصويت على تشكيلة الحكومة برمتها، كما ينص على ذلك الدستور.

وتزايد الحديث حول هذه الفرضية، وسط معلومات مفادها أن حركة النهضة الإسلامية تخشى عدم حصول ثلاثة من الوزراء المُقترحين في الحكومة الجديدة على الأقل، على ثقة البرلمان، لاعتبارات مُرتبطة بمواقفهم المثيرة للجدل، وبنتائج مسيرتهم العملية السابقة، الأمر الذي من شأنه تعطيل المصادقة النهائية على منح الثقة للحكومة.

ويُنتظر أن يعقد مكتب البرلمان، السبت، اجتماعا برئاسة راشد الغنوشي لتحديد موعد عقد جلسة برلمانية عامة تُخصص لمنح الثقة للحكومة الجديدة، وترتيبات سير عملها، التي ستضع الحبيب الجملي وحكومته المُقترحة أمام هذا التحدي الذي يُوصف بالامتحان الصعب.

ومع ذلك، تُجمع القراءات السياسية الأولية على أن هذه الحكومة ستحصل على ثقة البرلمان بأكثر من 125 صوتا، والحال أنها بحاجة إلى 109 أصوات فقط من أصل 217 حتى تُعتمد رسميا وتتجه بعد ذلك إلى ممارسة مهامها التنفيذية.

ويُنتظر أن تُصوت لصالح هذه الحكومة كتلة حركة النهضة (54 نائبا)، وكتلة حزب قلب تونس (38 نائبا)، وكتلة الإصلاح الوطني (16 نائبا)، إلى جانب كتلة ائتلاف الكرامة (21 نائبا)، وعدد من المستقلين.

ويرى مراقبون أن نيل الثقة بتلك الأغلبية التي تبدو ضعيفة، ستجعل من الحكومة الجديدة أمام تحديات جسيمة، لأنها ستواجه معارضة تُوصف بالشرسة لها أكثر من 70 نائبا، منهم نواب ثلاثة أحزاب رئيسية ووازنة هي التيار الديمقراطي (22 نائبا)، وحركة الشعب (16 نائبا)، والحزب الدستوري الحر (16 نائبا).

وبالتوازي، تبدو العلاقة المهزوزة بين هذه الحكومة، ومؤسسة الرئاسة، التي عكستها البيانات المُتضاربة التي رافقت الإعلان عن تشكيلتها، ستكون حاضرة أيضا في هذا المشهد الذي لا يؤشر إلى أن حكومة الجملي ستكون قادرة على رفع التحديات الماثلة أمامها وأمام البلاد بشكل عام.

ولعل استباق غازي الشواشي، القيادي بحزب التيار الديمقراطي، منح الثقة لحكومة الجملي، بدعوة الرئيس قيس سعيد إلى الاستعداد لاختيار الشخصية الأقدر لتكوين الحكومة المقبلة، لدليل إضافي على صعوبة الوضع الذي ينتظر هذه الحكومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى