السلاح الصيني

أحمد مصطفى

مفهوم أنه في سياق الصراع الأميركي الصيني أن يستخدم كل طرفه ما لديه من أسلحة تجاه الآخر، لكن أن يعتبر أي طرف من الطرفين تطوير الآخر لقدراته مشكلة تستحق التحذير فهذا ما يصعب فهمه. إذا كانت الاستراتيجية الأميركية المعلنة هي وقف صعود الصين، التي تهدد بعالم متعدد الأقطاب لا يبقي على أميركا البطل الوحيد في العالم، فمن حق الصين أن تقاوم هذا التصدي لطموحها المشروع.

ومع أن قدرة أميركا على فرض عقوبات على الصين، وربما إقناع حلفائها الغربيين بالمشاركة في حصارها اقتصاديا، أكبر بكثير من قدرة الصين على الرد بالمثل، فإن من حق الصين أن تتخذ إجراءات رد فعل قدر ما تستطيع.

شهدنا في الأيام الأخيرة حملة في الإعلام الأميركي والغربي عقب تصريحات أميركية بأن الصين تسعى لزيادة ترسانتها النووية بشكل غير مسبوق. والحقيقة أن تلك الحملات تتكرر بوتيرة أسرع ونطاق أوسع منذ العام الماضي، ومع رفض الصين، وغيرها من الدول طبعا، الاستجابة للضغوط الأميركية لاتخاذ موقف منحاز من الحرب في أوكرانيا.

ولم تقتصر الحملات على مسألة تطوير القدرات العسكرية الصينية، بل حتى طالت برامجها الفضائية التي يخشى – كما تصور التقارير الصحفية – أن تتجاوز الريادة الأميركية في مجال الفضاء.

صحيح أن التصريحات الأخيرة من البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) ربما تثير قلقا أكبر لعلاقتها بانتشار الأسلحة النووية التي يسعى العالم للحد منها، لكن الحملات الإعلامية تأتي في أطار ممنهج يستهدف “شيطنة” الصين، لتبرير مواجهتها ووقف نموها. فالصين تملك حاليا أسلحة نووية تقل عن نصف ما تملكه أميركا أو روسيا، وبالتالي هي لا تعتبر “دولة عظمى” نوويا. فالصين تملك حاليا نحو 400 سلاح نووي، ويقول الأميركيون إنها تعمل على زيادة ترسانتها النوية إلى 1500 بحلول عام 2035.

في قمة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، كانت ترسانة البلدين النووية تزيد عن 70 ألف سلاح. وبعد عقود من مفاوضات الحد من التسلح واتفاقيات سولت 1 وسولت 2 وغيرها، تم تخفيض ترسانة البلدين إلى نحو 1550 سلاح نووي طويل المدى لدى كل منهما. وإذا حققت الصين ما يقول الأميركيون إنها تسعى إليه بشأن زيادة ترسانتها النووية، ستصبح ثالث قوة نووية عظمى في العالم.

صحيح أن السلاح النووي ليس هو العامل الوحيد في أن تصبح دولة ما قوة عظمى، لكنه من أسباب القوة المهمة وليس من قبيل الردع. العامل الآخر غير السلاح الذي تسعى الصين ليأخذها إلى مكانة ندية مع الولايات المتحدة هو الاقتصاد. وأصبح لديها الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتعمل على أن يكون مع منتصف العقد المقبل موازيا للاقتصاد الأميركي أكبر اقتصاد في العالم. وهذا ما تعمل الولايات المتحدة على إضعاف وتيرته.

وكما من حق الصين، وغيرها من الدول الصاعدة، أن تطور اقتصادها وتزيد من نموه حتى ينافس الاقتصاد الأميركي وغيره من الاقتصادات المتقدمة، كما يقال، يحق أيضا للصين وغيرها تطوير القدرة العسكرية. ما المشكلة في سعي الصين، أو غيرها، لتطوير سلاح نووي قادر على حماية مصالحه بردع من يملكون قوة نووية أكبر؟.

بالطبع، لو طرح السؤال على الخواجات فالرد التقليدي أنه ليس هناك ما يمنع، لكن “السلاح النووي خطير ولا يجوز أن يكون في يد غير مسؤولة”. إذا المسألة ببساطة أن أكون أنا الأقوى لأني مسؤول وعاقل ولا يصح أن يكون غيري قويا لأنه غير مسؤول وينقصه العقل!! وما الذي يجعل الأميركي أو الغربي هو المعيار ليقرر من المسؤول ومن غير المسؤول؟.

واضح أن هناك حالة إنكار لأن العالم يتغير، وأن المسؤولية والعقلانية لم تعد حكرا على “الرجل الأبيض” – مع الاعتذار للمصطلح الذي يبدو عنصريا، حتى ولو برد الفعل. وإنكار الحقائق لن يغيرها أو يلغي وجودها، بل على العكس يعقد مسألة التعامل معها. ولعله يتعين على الكبار، أو من يعتبرون أنفسهم كذلك، أن يستوعبوا تطور الآخرين. وبدلا من العمل على قمع تطورهم حتى يظلوا في مكانهم لأبقى أنا “الكبير”، فالأفضل أن أوجه جهدي لتطوير قدراتي أيضا للحفاظ على مكانتي.

ربما يبدو ذلك بابا لسباق تسلح نووي غير مرغوب، فالفضل هنا هو التعامل بالطريقة ذاتها التي أوصلت القوتين النوويتين إلى خفض ترسانتهما بعشرات الأضعاف، أي التفاوض على أساس الندية. وليس العمل على التصدي لأي بلد أو قوة صاعدة كي لا تكبر وتصبح في وضع مساو. فذلك من شأنه أن يزيد من عزم وتصميم الصاعد ليمضي في طريقه طالما شعر بمقاومة الآخرين.

 لن تتوقف الصين ولا الهند ولا غيرهما عن طرق سبل الصعود، وعلى من يعتبر نفسه “مسؤولا وعاقلا” أن يتعامل مع ذلك بالاحتواء. وليس في الأمر مثالية، بل واقعية براغماتية صرفة. فمن مصلحة أميركا ألا تكون وحدها في قيادة العالم، فذلك كلفها ما لا طاقة لها به وأدى إلى إخفاقات هائلة في السنوات الأخيرة، جعلت الدور الأميركي في العالم يتراجع. وأظهرت الحرب في أوكرانيا أن تلك السطوة الأميركية لم تعد كما كانت. وبالتالي ليس من مصلحة أميركا الآن أن تزيد من تلك الإخفاقات بمحاولة كبح جماح الصعود الصيني أو غيره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى