الصراع داخل تنظيم الإخونجية يفتح صندوقهم الأسود في جنوب إفريقيا

جديد الصراع الداخلي في تنظيم الإخونجية، كشف منذ أيام بعد تلاسن أنصار “جبهة إسطنبول” مع “جبهة لندن” قضية تعتبر من أخطر الموضوعات التي يعمد التنظيم على ابقائها قيد السرية المطلقة. الأمر يتعلق بالصندوق الأسود وشبكة التمويل في جنوب إفريقيا وتعتبر شريان حياة التنظيم، وعن بمستوى نزاهة القيادي الإخونجي محمود حسين الذي يراه أنصاره الأمين على فكر حسن البنا، فيما يراه مناوئوه خائن عام للتنظيم.

فتحت غطاء الجمعيات الدعوية تسلل الإخونجية إلى جنوب أفريقيا هناك، إذ أرسوا “بيزنس دعاة” يقوم على تهريب الذهب وغسل الأموال لتأمين البقاء.

مؤامرة إخوانية لا تعتبر مستجدة على البلد الأفريقي، لكن حيثيات جديدة طفت للواجهة تكشف جزءا أكبر من الصندوق الأسود للتنظيم الإرهابي.

وما بين التقديس والتجريس ارتفعت حدة التلاسن بين الطرفين، فتعهد حساب أطلق على نفسه اسم “أحمد ناصر” بكشف حقيقة سرقات محمود حسين.

البدايات

وبدأ بالمصانع في جنوب أفريقيا دون تسمية المصنع، مع إسقاطات لبعض الأسماء الإخوانية الهاربة إلى البلد الأفريقي، والتي استولت على استثمارات التنظيم هناك وضموها إلى جبهة محمود حسين.

ورغم أن السرقة والاختلاسات تهم شائعة بين تيارات الإخونجية المتصارعة إضافة للعمالة لمخابرات دول أخرى، إلا أن حجم المعلومات التي كشفها الحساب عبر موقع فيسبوك أظهر أن ثمة استثمارات قوية وضخمة تم الاستيلاء عليها.

 أسرار جنوب إفريقيا

غير أن المريب أن الحساب نفسه فجأة توقف عن حملة كشف أسرار جنوب أفريقيا، واكتفى بترديد الاتهامات التقليدية واعتبار محمود حسين ورفقائه من المنشقين أثارت الملاسنة وكشفها لأسرار التمويل وما تبعه من صمت من الطرفين فجأة، بما يوحي أن ملف جنوب أفريقيا يجب ألا يكون ضمن الأوراق المحروقة في معركة الصراع على قيادة الجماعة.

يبدأ سامح إسماعيل الباحث والمحاضر في السياسة الدولية بسرد قصة الإخوان في جنوب أفريقيا بالتأكيد على أن هذه الدولة لها خصوصية اجتماعية مختلفة عن باقي دول القارة.

ويقول إسماعيل ، إن الدين المسيحي طارئ على جنوب أفريقيا وكذلك الإسلام، ما جعلها منطقة جاذبة للتبشير المسيحي أو الدعوة الإسلامية.

وأضاف أن المسلمين كانوا في جنوب أفريقيا خلال القرن السابع عشر بعد أن بدأ الهولنديون في استقدامهم من الهند للعمل، ولهذا فغالب المسلمين هناك من أصول غير أفريقية، رغم أن تعداد المسلمين هناك لا يتجاوز 3 ملايين نسمة من أصل 25 مليون مواطن جنوب أفريقي، إلا أن لهم مكانة وصوتاً مختلفاً.

وأوضح أن “تجمعات الأقليات الإسلامية في الغالب تحتاج إلى صوت معبر عنهم ويعلم أبناءهم أصول دينهم ويقيم لهم شعائرهم، فظهرت الحاجة إلى الجمعيات الإسلامية الدعوية، والتي عملت بشكل تكاملي من أجل الحفاظ على مصالح المسلم الجنوب أفريقي”.

تسرب الفكر الإخونجي

الخبير يرى أن ثمة متغيراً وقع في الجماعة المسلمة هناك، إذ بدأت أفكار الإخونجية تتسرب إلى تلك الجمعيات، فتأسست حركة الشباب المسلم، ومن خلالها تسلل الإخونجية إلى المجتمع الجنوب أفريقي.

فقد زار الحركة أفراد قريبون من تنظيم الإخونجية، فزارهم رشاد خليفة الذي انبهر به الداعية أحمد ديدات، وكذلك رافع الدين مالك، وفضل الرحمن الأنصاري من باكستان رئيس الاتحاد العالمي للبعثات الإسلامية.

أما ربط “حركة الشباب المسلم” بالإخونجية فكرًا وتنظيمًا، يتابع إسماعيل، فيعود للمصري الكندي جمال بدوي، وهو محاضر أكاديمي قام في 1976 بوضع منهج تربوي يحتوي على أفكار سيد قطب وحسن البنا وأبو الأعلى المودوي لأعضاء حركة الشباب المسلم.

كما نظم برنامجا تدريبيا على أساليب التنظيم في اختراق المؤسسات والمجتمعات وطرق ضم عناصر جديدة إلى صف الحركة المحاضر الإخونجي جمال بدوي.

وبحسب الخبير، “استمرت حركة الشباب المسلم في استكمال هياكلها ومؤسساتها، ومع مطلع الثمانينيات كانت معظم القيادات إما لها اتصال فكري وتنظيمي بالإخونجية وإما بالجماعة الإسلامية بباكستان لكن لم يحاولوا الدخول في المعارك السياسية.

ولاحقا، انشقت عنهم مجموعة من المتحمسين وأطلقوا على أنفسهم “نداء الإسلام”، ويؤكد إسماعيل أن “الإخوان اخترقت المجتمع الجنوب أفريقي ليس حرصًا على نشر الإسلام، بقدر ما كان صناعة تنظيم يراقب ويحمي مصالحه المالية الكثيفة”.

غسيل الأموال

وعن المصالح المالية للإخونجية في جنوب أفريقيا، يكشف طارق البشبيشي، الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية والقيادي الإخونجي السابق، الوجه الآخر للوجود التنظيمي هناك.

ويقول البشبيشي، إن الإخونجية بدأوا بتكوين تنظيمهم العالمي عام 1985 على يد مصطفى مشهور، وظل يتمدد ويتوغل في العديد من أنحاء البلاد.

ويضيف: “صاحب هذا التمدد التوسع في الاستثمارات التي تغطي عمليات غسل الأموال وتمويل التنظيم وتم فتح مسارات استثمارية في أفريقيا ومنها دولة جنوب أفريقيا”.

ويذكر البشبيشي أن تعليمات التنظيم بخصوص استثماراتها كانت سرية ولا تعلمها إلا دائرة صغيرة جدًا، على رأسهم محمود عزت وخيرت الشاطر وحسن مالك، الذين قاموا بإدارة هذه المحفظة تحت دراسة وتوصيات خبراء اقتصاديين تابعين للتنظيم الدولي.

كما تمكن التنظيم منذ أوائل الثمانينيات من القرن العشرين من بناء هيكل لشركات الـ”أوف شور” (غير مقيمة) بالتوازي مع نمو ظاهرة البنوك الإسلامية، ومن خلال هذا الهيكل تمكن من إخفاء ونقل الأموال عبر العالم.

بعيداً عن الملاحقات

ولفت إلى أن جنوب أفريقيا تعد من الدول التي لا تتشدد في مراقبة حركة المال، فكانت بمثابة ملاذات آمنة لإيداع تمويل التنظيم السري وإخفاء الجهات المانحة.

وبحسب الخبير، اتجه التنظيم منذ العام 2000 وما بعدها في الدفع باستثماراته بأفريقيا، وكان اختيار جنوب أفريقيا لتكون الاستثمارات بعيدة عن أي ملاحقات دولية، خاصة أنها ستتم عبر شركات تابعة لأفراد بعضهم غير محسوب على الجماعة وليسوا مرصودين للأجهزة الأمنية في مصر.

وأسس حسن مالك وخيرت الشاطر شركة ضخمة في ميناء مومباسا في كينيا في تسعينيات القرن الماضي بمبلغ 800 مليون دولار لنقل الحاويات، وتوسعت الشركة وأصبحت لها مقار في عدد من الدول منها ماليزيا وبريطانيا وتركيا وجنوب أفريقيا حتى وصل رأس مالها عام 2014 نحو 1.5 مليار دولار.

ووفق الخبير، لا تقف استثمارات الإخوان هناك على قطاع واحد بل لديهم استثمارات في التنقيب عن الذهب من خلال الشراكة مع شركة إنجليزية.

محورية المال

ويؤكد  البشبيشي أن المال عند الإخونجية أهم من حياتهم، فيما يذهب هشام النجار الكاتب والباحث في الإسلام السياسي إلى أن تفجير قصة الاستثمارات الإخونجية في جنوب أفريقيا على صفحات جبهات التنظيم يؤكد أن ما يشغلهم هو “المال” لا التنظيم.

ويقول النجار، إنهم يعلمون أن التمويل الخارجي هو ما يُبقي التنظيم على قيد الحياة، لهذا يتنافسون عليه، مضيفا أن كلتا الجبهتين تسعى للاستحواذ على مصادر تمويل التنظيم ومنها شركاتهم في جنوب أفريقيا.

ولفت إلى أن من المعروف أن محمود حسين قام بزيارة لجنوب أفريقيا عام 2014 أي بعد سقوطهم في مصر بعام، لوضع يده على الشركات والاستثمارات هناك وتنصيب رجاله، وتوفير ملاذات لبعض أعضاء التنظيم كرديف للقيادات التابعة له.

وأشار إلى أن التلاسن الأخير بين الجبهتين كان بهدف تحطيم “جبهة محمود حسين”، وربما يعود التوقف عن كشف المزيد من أسرارهم لحساسية الاستثمارات هناك، وحرص الجميع على بقائها سرية حتى على أتباعهم من عوام الإخونجية.

وحول حجم الاستثمارات في جنوب أفريقيا، يؤكد النجار أن “توغل الإخوان الإرهابية بهذا البلد يعود إلى سياسة التنظيم الدولي القائمة على الارتباط بين تمركز التنظيم وحركة الأموال”.

وأوضح أن الوجود التنظيمي يمنحهم حرية الحركة لإقامة فروع لها ومعسكرات، وهو ما حدث في السودان والصومال تحديدا، كما سيوفر ملاذات آمنة لعناصر الجماعة الملاحقين في الدول الأخرى.

ففي السودان، يتركز مجال الاستثمار الإخونجية على الزراعة والصيد وصناعات الزجاج، أما في كينيا فيتمحور حول تجارة الأجهزة المنزلية والاتصالات وصناعة الأثاث.

وفي الصومال، تركز نشاط الإخونجية في الزراعة وإقامة مزارع الإنتاج الحيواني، فيما ركز التنظم نشاطه في جنوب أفريقيا على التنقيب عن الذهب من خلال الشراكة مع شركة إنجليزية.

ووفق تقديرات منتدى الشرق الأوسط للدراسات، تبلغ حجم الأموال المهجرة لتنظيم الإخونجية لجنوب أفريقيا وبعض البلدان القريبة منها أكثر من 4 مليارات دولار عبر محافظ استثمارية غامضة تركزت في التصنيع وشركات الصرافة وتحويل الأموال والتجارة.

مسار قديم

 فيما ينظر عمرو فاروق الكاتب والباحث في الإرهاب الدولي، إلى اختراق التنظيم لمجتمع المسلمين في جنوب أفريقيا كمسار قديم مرتبط بالنفوذ الاستعماري البريطاني.

ويقول فاروق،  إن “أول خطوة نحو أفريقيا تمت في عهد المؤسس حسن البنا، فافتتح منتصف الثلاثينيات فرعا للتنظيم في جيبوتي التي كانت محتلة في ذلك الوقت، وذلك عبر بعض الطلاب المسلمين الذين كانوا يدرسون في الأزهر الشريف”.

وتابع أن تسلل الإخونجية استمر للعديد من الدول الأفريقية ومنها جنوب أفريقيا، مستغلين ضعف البعثات الدينية الرسمية للأزهر، ووجود فراغ في الوعاظ الرسميين فملؤوا الفراغ بأعضاء التنظيم.

وكان المسؤول عن التحركات التنظيمية في أفريقيا القيادي الإخواني محمد البحيري، وأسفر عن اقتراب بعض الشخصيات الإخونجية إلى دوائر صنع القرار مثل إبراهيم سول سفير جنوب أفريقيا في واشنطن.

وحول تأثير التنظيم الإخونجي على القرارات السياسية لجنوب أفريقيا بشأن مصر، يرى فاروق أنه “لا يمكن الجزم بأن الوجود الإخونجي هناك قادر على توجيه السياسيات الكبرى للدولة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى