المأزق الأميركي بشأن أوكرانيا

يواجه دونالد ترامب معضلة صعبة في اتخاذ قرار بشأن الحرب المستمرة بلا هوادة في أوكرانيا. ففي حملته لإعادة انتخابه، شدّد على موضوعين رئيسيين: الأول أن الحرب ما كانت لتحدث لو كان هو رئيساً في فبراير 2022 عندما أطلقت القوات الروسية عملية عسكرية في أوكرانيا، والثاني أنه إذا عاد إلى الرئاسة فسينهي الحربَ في غضون 24 ساعة.
ومع مرور ثلاثة أشهر ونصف الشهر على توليه فترة الرئاسية الثانية، لا تزال الحرب مستعرةً، حيث يتم قصف المدن الأوكرانية بعنف. وقد أجرى ترامب ومستشاروه عدداً من اللقاءات المباشرة مع القادة الروس، بما في ذلك الرئيس فلاديمير بوتين، وفي كل مرة قدمت الإدارة تقييماً متفائلاً نسبياً لاحتمالات إنهاء الصراع. لكن في الأسابيع القليلة الماضية، بات من الواضح أن موسكو لا ترغب في وقف إطلاق النار أو الدخول في مفاوضات جدية لإنهاء الأعمال العدائية في الوقت الحالي على الأقل.
لقد أعطت إدارة ترامب روسيا العديدَ من الفرص لإنهاء الحرب وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، بما في ذلك عروضاً لتخفيف العقوبات، لكنها بدأت الآن تُدرك أن استراتيجيتها ربما تكون غير مجديّة. وهذا بعد أن وصلت الأمور إلى حد إلقاء الإدارة الأميركية باللوم على أوكرانيا في استمرار الحرب، كما تجاهلت واشنطن العديدَ من مناشدات الحلفاء الأوروبيين لاتخاذ موقف أكثر صرامةً حيال موسكو. لكن الآن، أصبح ترامب غاضباً من الجانب الروسي. فما معنى ذلك؟
تبدو الخيارات محدودة وضيقةً بالنسبة لترامب، نظراً لعدم رغبته في التورط في مواجهات عسكرية قد لا تنتهي. ويمكنه أن يتنصل من الصراع بحجة أن أميركا ليست شرطياً للعالم. وقد قال «جيه. دي. فانس»، في عام 2022، أي قبل أن يصبح نائباً للرئيس الأميركي، إنه «لا يهتم كثيراً بما يحدث في أوكرانيا». وفي أكتوبر 2024، أكد فانس أن أولويات أميركا تنصب على آسيا، وأن أوكرانيا تمثل مشكلةً أوروبية يجب على أوروبا حلها. لكن مع تصاعد الحرب، أصبح من الواضح أن ما يحدث في أوكرانيا له أهمية كبيرة لآسيا والشرق الأوسط، حيث لا تزال التوقعات بوجود مظلة أمنية أميركية تشكل عنصراً أساسياً في الاستراتيجيات الإقليمية.
وإذا انسحب ترامب من ملف حرب أوكرانيا وانتصرت روسيا في الصراع، فستكون النتيجة كارثية بالنسبة للتحالف الغربي. عندئذ سيُثقَل كاهل ترامب بفشل في السياسة الخارجية من شأنه أن يضرّ بسمعة أميركا بقدر ما أضرّت بها حرب فيتنام في سبعينيات القرن الماضي أو غزو العراق في عام 2003.
وقد يُنظر إليه في هذه الحالة على أنه ربما يمثل نسخة جديدة من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق نيفيل تشامبرلين، الذي استرضى ألمانيا عام 1938، مما أسهم في تعجيل اندلاع الحرب العالمية الثانية.
وبطبيعة الحال فإن قاعدة ترامب المخلصة، مِن مؤيدي شعار «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً»، لن ترى الأمورَ بهذه الطريقة، لكن الكثيرين غيرهم سيرونها كذلك، بمن فيهم «جمهوريون» مهمون سيدركون مدى الضرر الذي ستُلحقه بالولايات المتحدة نتيجة مثل هذه.
ولتفادي هذه النتيجة، ربما سيتعين على ترامب زيادة المخاطر بالنسبة لروسيا من خلال فرض عقوبات أشد على الدول التي تواصل شراء النفط الروسي. وقد تتعين عليه أيضاً الموافقة على توسيع إمدادات الأسلحة لأوكرانيا، وخاصة أنظمة الدفاع الجوي، وتعزيز التعاون في مجال الاستخبارات العسكرية مع أوروبا وأوكرانيا. تحمل هذه الخيارات مخاطر التصعيد واحتمالية أن توسع روسيا نطاق الحرب، لكن من المرجح أن تُقرّب مثل هذه الإجراءات الولايات المتحدة وحلف «الناتو»، من فرض وجهة نظرهما.
سيدرك ترامب أن سياسته في التعامل مع الكرملين بحذر وتجنب انتقاده لم تحقق أياً من أهدافها. وقد يشكّل ذلك تراجعاً عن وعوده السابقة (غير الواقعية) في هذا الملف، لكنه سيكون أكثر قابلية للتحمل من البديل الآخر وما يترتب عليه من نتائج ثقيلة بالنسبة للغرب ككل.