النمسا تكثف ملاحقاتها لتنظيم الإخونجية

مداهمات أمنية استهدفت التنظيم في 4 ولايات واتهامات بدعم وتمويل الإرهاب

بعد عام من المداهمات الشرطية المكثفة ضد تنظيم الإخونجية في 4 ولايات نمساوية، أسست النمسا لمسار قانوني وتحقيقات دائرة حول أنشطة التنظيم وعلاقته بالإرهاب، وينتظر أن يقوده إلى أروقة القضاء لأول مرة في القارة الأوروبية.

وقد بدأت النمسا في حصار نشاط الإخونجية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث تحرك عدد من نواب البرلمان النمساوي للضغط من أجل اتخاذ إجراءات قوية ضد منظمة رابطة الثقافة، ذراع الإخونجية الأساسية في الأراضي النمساوية.

وحصلت الأوبزرفر العربي على نسخة من طلب إحاطة موجه إلى وزيرة الاندماج سوزان راب، وموقع عليه من 5 نواب بالبرلمان النمساوي أبرزهم النائب هانس أمسباور.

طلب الإحاطة الذي حمل تاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021 يوجه عددا من الأسئلة إلى راب حول رابطة الثقافة، أبرز أذرع الإخونجية ومستقبلها، بعد صدور دراسة تستند لتقرير سري عن علاقة المنظمة بالجماعة الإرهابية، وفق ديباجة الطلب.

وذكرت الديباجة “خلصت دراسة لمركز توثيق الإسلام السياسي، تستند لتقرير سري، إلى أن رابطة الثقافة جزء من تنظيم الإخونجية”، لافتة إلى أن الرابطة تدير مساجد وجمعيات في فيينا وجراتس.

وتابعت: “وبذلك.. اكتشفت الدراسة صلات واضحة بين رابطة الثقافة وتنظيم الإخونجية المتطرف”، مضيفة “قائمة الدعوات إلى الأحداث والدورات التدريبية والمحاضرات، التي نظمتها الرابطة ويُعقد معظمها باللغة العربية، تضم قيادات إخونجية”.

وطالب طلب الإحاطة وزيرة الاندماج النمساوية بتوضيح الإجراءات السياسية والقانونية التي اتخذتها ضد رابطة الثقافة، بعد تلقيها هذه الدراسة الخطيرة، وما إذا كانت أرسلت نسخة منها إلى وزارة الداخلية لاتخاذ إجراءات ضد المنظمة.

ووفق مراقبين، فإن هذا الطلب يعكس ضغوطا قوية داخل البرلمان لاتخاذ إجراءات قوية ضد رابطة الثقافة بعد ثبوت علاقتها بالإخوان الإرهابية.

تمويل الإرهاب

وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول الجاري، جرت تغييرات سياسية واسعة في قمة السلطة بالنمسا قادت كارل نيهامر وزير الداخلية السابق ومهندس المداهمات ضد الإخونجية العام الماضي، إلى تولي منصب المستشار، ما مثل خبرا سيئا جدا للتنظيم لأنه يعني تشديد مسار مكافحته.

وبالتزامن مع صعود نيهامر إلى سدة الحكم، أرسل الرجل في آخر أيامه بوزارة الداخلية مذكرة إلى البرلمان حول تنظيم الإخونجية.

المذكرة التي تحمل تاريخ 26 نوفمبر/تشرين الثاني، ووصلت البرلمان بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول الجاري، جاءت ردا على استجواب برلماني لوزير الداخلية السابق قدمه النائب ستيفاني كريسبر.

وتضمن الاستجواب أسئلة حول مسار التحقيقات حول ملف الإخونجية في النمسا على خلفية تهم بدعم وتمويل الإرهاب، وكيفية تشكيل وآليات عمل القوات الشرطية التي نفذت المداهمات ضد التنظيم في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بأربع ولايات نمساوية.

ورد نيهامر في مذكرة رسمية للبرلمان، وقال: “أطلب تفهمكم لأنه لا يمكنني الإجابة عن الأسئلة، بسبب حدود الحق البرلماني في الاستجواب، والتزامي الدستوري بالحفاظ على السرية الرسمية وحماية البيانات”.

ومؤكدا استمرار التحقيقات في ملف الإخونجية في مكتب الادعاء النمساوي العام، قال نيهامر في المذكرة “غالبية الأسئلة الموجهة لي تتعلق بتفاصيل تحقيق جار غير علني، ولهذا لا يمكننا التعليق على هذا حتى لا يؤثر على التحقيق الجاري” في هذا الملف”.

ووفق مراقبين، فإن نيهامر عمد إلى حماية التحقيقات الجارية في ملف الإخونجية، وعدم التأثير عليها، وتجنب الرد على أسئلة تتعلق بمحاولات الإخونجية اللعب على الثغرات القانونية لتعطيل الملف.

جمعيات وشركات

رغم مرور أكثر من عام على فتح التحقيقات في أنشطة إخونجية النمسا لا يزال الادعاء العام منكبا على عدد لا يحصى من الأوراق.

ووفق موقع التلفزيون النمساوي فإن المكتب الاتحادي لحماية الدستور “الاستخبارات الداخلية“، وفروعه في مقاطعات ستيريا وفيينا وكارينثيا، ومكتب المدعي العام يحققون في أنشطة تنظيم الإخونجية وعدد كبير من المشتبه بهم في القضية.

ونقل الموقع عن أرنولف رامبولد، المتحدث باسم الادعاء العام، قبل أسابيع “التحقيق يشمل حوالي 70 متهما وجمعيات وشركات”.

وتابع رامبولد “لدينا كميات هائلة من البيانات تخضع للفحص.. أكثر من 200 تيرابايت، أي 200 ألف جيجا بايت من البيانات في هذه القضية”.

ومضى قائلا “بالطبع هناك العديد من الوثائق باللغة العربية أيضا، والتي يتعين علينا ترجمتها بواسطة مترجمين محلفين”.

لكن تصريحات رامبولد لم تكن جديدة، إذ قال هاينزيورج بيخر، مدير المكتب الإعلامي للادعاء العام في جراتس، جنوبي النمسا، في تصريحات سابقة، إن “التحقيقات في ملف تنظيم الإخونجية لم تنته بعد، ولا تزال مستمرة”.

والسبب -كما يوضحه بيخر- هو “العدد الضخم من الوثائق المنتظر فحصها”، مشيرا إلى أنه “ليس بالإمكان في الوقت الحالي توقع وقت معين للانتهاء من التحقيق”.

وفي هذا الإطار، قالت سيغريد هيرمان مارشال، أهم خبيرة ألمانية في شؤون الإخونجية، “في رأيي ستستغرق التحقيقات وقتا في ظل محاولات المشتبه بهم تعطيل الإجراءات القانونية”.

وتابعت “القضاء ينظر بعناية في الخطوات التي يتخذها في هذا الملف، وهذا سيستغرق وقتا”.

لكن مراقبين يتوقعون أن ينتهي التحقيق في ملف الإخونجية في النمسا في النصف الأول من العام المقبل.

هياكل وتحركات الإخونجية في 12 دولة أوروبية

مواجهة إخونجية النمسا لم تتوقف عند عتبة البرلمان أو أروقة الادعاء العام وساحة القضاء، إذ وصلت المسار البحثي والتحليلي منذ تأسيس مركز توثيق الإسلام السياسي بقرار حكومي في 2020.

وفي عام 2021 نشط مركز التوثيق بشكل كبير في أداء وظائفه ودراسة وتحليل وكشف هياكل الإخونجية وتحركاتهم وأنشطتهم والروابط التي تربط بين منظماتهم الفرعية.

ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدر مركز التوثيق كتابا يضم تقريرا حديثا عن تنظيم الإخونجية في أوروبا، ويرصد هياكلها وتحركاتها، ويطالب بوقف تمويلها.

ويضم الكتاب 4 فصول، ويتناول هياكل وتحركات الإخونجية في 12 دولة أوروبية، أهمها النمسا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا والدنمارك. كما يتناول آليات تمويل الجماعة الإرهابية.

جاء ذلك بعد شهر واحد من إصدار دراسة تؤكد لأول مرة علاقة منظمة “رابطة الثقافة” -التي تملك مقرات في فيينا وجراتس- بالإخونجية.

وقالت الدراسة إن “رابطة الثقافة، التي تنشط في فيينا وجراتس، تملك روابط أيديولوجية وهيكلية وشخصية مع تنظيم الإخونجية”.

دراسة مركز توثيق الإسلام السياسي أبرزت تبني رابطة الثقافة أقوال حسن البنا مؤسس تنظيم الإخونجية، مرارا وتكرارا على منصاتها”.

وأضافت أنه “يبدو أن رابطة الثقافة متأثرة بشدة بأفكار يوسف القرضاوي أيضا، التي تتعارض مع حرية الرأي والمعتقد في الديمقراطيات الليبرالية التعددية”.

وبصفة عامة، يمتلك الإخونجية وجودا كبيرا في النمسا، خاصة في فيينا وجراتس، وتتمثل ذراعها الأساسية في رابطة الثقافة أو Liga Kultur، والعشرات من الجمعيات والمساجد والمراكز الثقافية مثل النور في جراتس، والهداية في فيينا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى