النمسا تلقي القبض على جاسوس تركي

جزء من شبكة تجسس على الرعايا الأتراك المقيمين في البلاد

أعلن وزير داخلية النمسا كارل نيهامر، إن بلاده ستوجه اتهامات لشخص اعترف بالتجسس لصالح مخابرات النظام التركي، وإن السلطات تحقق في المزيد من أنشطة التجسس المشتبه فيها وحذر أنقرة من أنه لا يمكن التغاضي عن ذلك.

وقال نيهامر في مؤتمر صحفي، الثلاثاء، “الأمر يتعلق بممارسة نفوذ قوة أجنبية داخل النمسا وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق”.

وقال فرانز راف المدير العام للسلامة العامة إن هناك دلائل واضحة على نفوذ للنظام التركي في النمسا. وظهرت هذه النتائج في أعقاب تحقيقات مكثفة أجرتها الشرطة النمساوية بعد اشتباكات عنيفة بين جماعات تركية وكردية في فيينا في يونيو.

وقال الوزير إن أحد الأشخاص قدم اعترافا كاملا بأن “مخابرات النظام التركي جندته للتجسس على مواطنين أتراك آخرين أو نمساويين من أصول تركية وإبلاغ السلطات الأمنية التركية عنهم”. وأضاف أن السلطات القضائية ستوجه له اتهامات بناء على شبهة تورطه بالتجسس. ولم يورد أي تفاصيل عن ذلك الشخص.

وتابع الوزير أن النمسا وجدت أن أكثر من 30 نمساويا اعتقلوا في تركيا بين 2018 و2020 بعد دخولهم البلاد وهناك دلائل على أن المخابرات التركية حاولت تجنيدهم.

وقال نيهامر “التجسس التركي لا مكان له في النمسا. لا مكان للنفوذ التركي على الحريات والحقوق الأساسية في النمسا. سنحارب بضراوة من أجل ذلك”.

ودخلت العلاقات بين تركيا والنمسا أسوأ مراحلها منذ استلام رئيس الوزراء النمساوي سيباستيان كورز مقاليد السلطة في بلاده.

وكشفت صحيفة “كرونه” النمساوية، الثلاثاء، إن سلطات إنفاذ القانون في النمسا تتبعت أثر جاسوس تركي خلال التحقيق في اشتباكات يوليو/تموز الماضي بين نشطاء أكراد، وأتراك في قلب العاصمة النمساوية.

ونقلت الصحيفة عن وزير الداخلية كارل نيهامر قوله: “المشتبه به اعترف أنه جزء من شبكة تجسس تنقل المعلومات إلى الحكومة التركية، ويعتزم مكتب المدعي العام النمساوي توجيه الاتهام للمشتبه به بالتجسس”.

تجسس نظام أردوغان على الأتراك والنمساويين من أصل تركي في النمسا، ليس جديدا.

ففي عام 2016، فجر السياسي البارز والمتحدث باسم حزب الخضر “يساري مشارك في الحكومة الحالية” في الشؤون الأمنية، بيتر بليتس، قضية التجسس التركي.

وقال بيلتس حينها إنه يملك وثائق تخص السفارة التركية في فيينا، وتؤكد أن أردوغان يتجسس بشكل ممنهج على معارضي الحكومة عن طريق عملاء المخابرات التركية والمنظمات التابعة لحزب العدالة والتنمية.

وأوضح بيلتز، وفق ما نقلته وكالة الأنباء النمساوية الرسمية، وصحيفة “دي برسة” الخاصة آنذاك بأن “المخابرات التركية تتجسس على مواطنيها في النمسا، والهدف الأساسي هو رصد معارضي نظام أردوغان في بلادنا”.

ولفت بليتس إلى أن عمليات التجسس التركي تستهدف “جميع الأشخاص من أصول تركية وكردية وعلوية من المعارضين”، مضيفا “الوثائق تؤكد أن منظمات تركية تعمل في النمسا مثل أتيب وميللي جورش “الرؤية الوطنية” وغيرها، ساهمت في بناء شبكة كبيرة من المخبرين الأتراك في الأراضي النمساوية”.

ووفق بيلتس، فإن شبكة المخبرين التركية تتولى رصد المعارضين لأردوغان ثم نقل الأسماء للسلطات في أنقرة التي تتولى بدورها اعتقال هؤلاء في حال زيارتهم لتركيا.

ولا يتوقف تجسس أردوغان على معارضيه في النمسا، حيث يمتد أيضا لألمانيا. وفي هذا الإطار، ذكرت وثيقة للبرلمان الألماني تعود إلى فبراير / شباط 2019: “تقوم تنظيمات أتيب وديتيب والرؤية الوطنية الخاضعة بالكامل لمؤسسة الشؤون الدينية التركية في أنقرة “ديانيت”، بالتجسس على المعارضين الأتراك والأكراد المقيمين في ألمانيا”.

ووفق تقرير لصحيفة نويه زوريشر السويسرية “خاصة”، فأن السلطات الألمانية وجهت منذ 2016، تهم التجسس إلى 19 إمام تابعين لاتحاد ديتيب، بعدما قاموا بالتجسس وكتابة تقارير موجهة للحكومة التركية عن أعضاء في حركة الداعية فتح الله جولن.

التجسس ليس النشاط المشبوه الوحيد الذي تقوم به أذرع أردوغان في النمسا، إذ تعمل المنظمات التركية في شبكة منظمة لنشر الأفكار المتطرفة، والإرهاب وخلق مجتمع موازي يهدد تماسك واستقرار المجتمع النمساوي، وفق وسائل إعلام نمساوية.

وبحسب صحيفة “كورير” النمساوية، فأن اتحاد “أتيب” تعد ذراع أردوغان الطولى في النمسا، وتتلقى تمويلا لأنشطتها ورواتب أئمتها من مديرية الشؤون الدينية التركية “حكومية”، وتخضع لتأثير مباشر من النظام التركي وحزب العدالة والتنمية.

وفي ربيع 2018، آثار محاكاة أطفال لأحد المعارك العثمانية في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) في أحد المساجد التابعة لـ”أتيب” في فيينا، أزمة كبيرة مع الحكومة النمساوية التي اتهمت الاتحاد بـ”انتهاك حقوق الأطفال”، و”خلق مجتمع موازي” في البلاد، وفق صحيفة “كرونه”.

ووصفت الخبيرة الألمانية في شؤون الإسلام السياسي، سوزان شروتر، أتيب، في تصريحات سابقة لصحيفة “تاجس بوست” الألمانية، بأنها “منظمة وريثة لتنظيم الذئاب الرمادية المتطرف، وقريبة من الإخونجية”.

وفي 2019، أصدر البرلمان النمساوي توصية للحكومة بحظر جمعية “اتيب”، وقالت صحيفة “اوسترايش” النمساوية إن “قائمة الآن، وكتلتي حزب الشعب “صاحب الأكثرية”، وحزب الحرية، نجحوا، في تمرير توصية للحكومة بحظر جمعية “اتيب” بسبب أنشطتها المتطرفة والمزعزعة للاستقرار.

كما أن تنظيم “الذئاب الرمادية”، أحد أذرع أردوغان، يعمل أيضا على نشر التطرف والعنف وتهديد السلام الاجتماعي في النمسا، وصولا لزعزعة استقرار البلاد، وفق صحيفة كرونه.

وفي يوليو/تموز الماضي، هاجمت مجموعة من تنظيم الذئاب الرمادية المتطرف، ذراع رجب طيب أردوغان، مظاهرة للأكراد واليساريين كانت تندد بالفاشية، في فيينا، ما أدى لاندلاع اشتباكات بالحجارة وزجاجات المياة، وأحداث شغب واسعة، أصيب خلالها عنصري شرطة، وهي الواقعة التي رصدت فيها السلطات النمساوية جاسوس النظام التركي الجديد.

وبعدها بأيام، استدعت الخارجية النمساوية السفير التركي أوزان سيهون، وأبلغته بضرورة وقف التحريض، والكف عن وصف المتظاهرين بأنهم “داعمي منظمات إرهابية”.

وتنظيم الذئاب الرمادية، هو تنظيم قومي متطرف نشأ في كنف حزب الحركة القومية التركي، وتحول لذراع طولى لأردوغان لنشر العنف والفوضى والتطرف في أوروبا، ويمتلك التنظيم ٢٠٠٠ قيادي نشط في النمسا، وعشرات المساجد والمؤسسات الثقافية، ويمثل خطر أمني وكذلك يهدد تماسك المجتمع.

وفي ربيع 2019، اتخذت النمسا خطوة أولى في مواجهة الذئاب الرمادية، حين حظرت جميع شعاراته وأعلامه، لكن هذا لم يعد كافيا، وفق كرونه.

الأكثر من ذلك، أن سفير النظام التركي في فيينا، سيهون، قام بإزدراء الدين المسيحي والثقافة النمساوية في فاعلية تركية في العاصمة النمساوية في مايو الماضي، ما دفع وزيرة الاندماج سوزان راب إلى استدعائه وتوبيخه.

منذ سنوات، تلقي الأنشطة التركية المشبوهة والمزعزعة للاستقرار، بظلالها على العلاقات بين فيينا وأنقرة، وتدفع الأولى لانتقاد الأخيرة بشكل مستمر، ومطالبة الاتحاد الأوروبي بعدم الخضوع لاستفزازات أردوغان.

لكن قضية التجسس التي أعلنت عنها فيينا اليوم ستدفع التحركات النمساوية بعيدا عن الانتقادات العلنية، وتنذر بأزمة قوية في العلاقات بين البلدين، وفق كرونه.

وفي هذا الإطار، هدد وزير داخلية النمسا في تصريحاته، باتخاذ خطوات دبلوماسية عقابية ضد تركيا، موجها رسالة واضحة إلى أردوغان بأنه “لا مكان للتجسس التركي في النمسا”.

ووفق كرونه، لا يتوقف الأمر عند ذلك، حيث تنسق النمسا مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات قوية ضد أنشطة أردوغان وشبكات التجسس التركية في الأراضي الأوروبية.

 

 

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى