بعد العقوبات… أردوغان يخطب ود الجميع

دبلوماسية الزحف نحو إسرائيل

مع هزيمة ترامب في الانتخابات الرئيسية الأمريكية أمام منافسه عن الحزب الديمقراطي جو بايدن الذي يتبنى موقفاً سلبياً من النظام التركي ورئيسه رجب طيب أردوغان، ومع اشتداد الضغوط والعقوبات الاقتصادية على أنقرة، ظهرت رغبة مُتصاعدة لدى النظام التركي في إعادة العلاقات السياسية على نحوٍ علني مع إسرائيل.
وأعلن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان صراحة، إن بلاده على استعداد للحوار مع الجميع شريطة احترام سيادتها وحقوقها.
جاء ذلك في كلمة له اليوم السبت، أبرزتها وكالة أنباء الأناضول، وقال فيها إنّ بلاده سوف تتبوأ المكانة التي تستحقها في النظام العالمي الجديد، مُعتبراً أنّ “كلّ تطور تشهده منطقتنا والعالم يؤكد ويعزز قوة وأهمية تركيا”.

وذكر أردوغان أنه “ليست لدينا أي مشاكل أو قضايا عصية على الحل مع أوروبا أو الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين أو أي دول في المنطقة”.
وشدّد “مستعدون للتحاور والاتفاق والتعاون مع الجميع شرط احترام سيادتنا وحقوقنا وإمكانياتنا”.
ورأى مراقبون، أنّ تصريحات رئيس النظام التركي حول الحوار مع الجميع، لا يُقصد بها فقط الاتحاد الأوروبي الذي يُهدّد بفرض مزيد من العقوبات على أنقرة، إذ أنها تأتي بعد أقل من 24 ساعة على إعلانه أمس أن بلاده ترغب في إقامة علاقات أفضل مع تل أبيب، مؤكداً أنّ “علاقاتنا مع إسرائيل على المستوى الاستخباراتي مستمرة ولم تتوقف”.
وكان أردوغان قد ندّد بتطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. وسبق أن هدد بتعليق العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات وسحب سفير بلده منها، كما انتقد قرار البحرين تطبيع العلاقات مع إسرائيل ووصفه بأنه صفعة لجهود الدفاع عن القضية الفلسطينية.
وتوترت علاقات أنقرة وتل أبيب بشدة في السنوات الماضية على صعيد التصريحات الإعلامية، فيما ازدادت العلاقات التجارية قوة بينهما، على الرغم من تبادل طرد السفراء في عام 2018.
والمُلفت أنّه، وعلى الرغم من كل الأزمات التي مرّت بها علاقات أنقرة بتل أبيب، فقد حافظت العلاقات التركية الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل على قوتها.
ويكاد لا يتوقف نشاط سفارة وقنصلية إسرائيل في كلّ من أنقرة وإسطنبول، عن تنظيم ندوات ومؤتمرات لتعزيز العلاقات الثنائية بين تل أبيب وأنقرة، بإشراف من منتديات المجتمع المدني الإسرائيلي التركي، ودعم غير مباشر من حزب أردوغان خلف الستار.
وفيما هاجم أردوغان دولاً عربية لتطبيعها مع تل أبيب منذ أغسطس الماضي، ها هو الآن يعود خلال فترة بسيطة عن تصريحاته الإعلامية المُتشددة، ليرجع لما قامت به بلاده منذ نحو 70 عامًا عندما اعترفت بإسرائيل وبنت أفضل العلاقات معها.
وقال أردوغان للصحفيين في إسطنبول بعد صلاة الجمعة إن تركيا لديها مشاكل “مع شخصيات على أعلى مستوى” في إسرائيل وإن هذه العلاقات من الممكن أن تكون “مختلفة تماما” لو لم تكن تلك القضايا موجودة.
ومضى يقول “لو لم تكن هناك قضايا على أعلى المستويات لكانت علاقاتنا مختلفة تماما… نريد أن نصل بعلاقاتنا إلى نقطة أفضل”.
الكاتب في “أحوال تركية” إرغون باباهان، يقول إنّ السياسة الغريبة لأردوغان اليوم تجاه إسرائيل، تتمحور في أنّه يمكن لبلاده أن تقيم علاقات معها ومع من تشاء، لكنه غير قادر على الاعتراف للآخرين بذلك، وبدور الإمارات العربية المتحدة في المنطقة.
واعتبر مدير تحرير القسم الإنجليزي في “أحوال تركية” أنّه ومع تلك الاتفاقات الأخيرة مع إسرائيل، بدا أردوغان غير مدرك لمثل هذه التطورات، مُتفاجئاً وغير مستعد لها، مُهدّداً حينها بقوله “يمكن أن نتخذ خطوات لتعليق العلاقات الدبلوماسية مع أبوظبي أو سحب سفيرنا” ومُضيفاً “لم ولن نترك فلسطين لقمة سائغة لأحد أبدا”.
ووفقاً لـِ باباهان، فإنّ كل من يتابع السياسة في العالم يعرف أن هذا هراء. إذ تعتبر تركيا الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي المفاجئ بمثابة مزيد من العزلة لها في المنطقة، إنها تخسر نفوذها في المنطقة تدريجياً، وفي الحقيقة فإن الجميع سوف يخسرون أيضاً جزءاً من السوق في المنطقة.
وفي الواقع، فإنّ ذريعة “التضامن” مع الفلسطينيين، هي في الحقيقة مجرد ذريعة رخيصة لتركيا، إنها فقط مصالحهم الخاصة التي تتحكم في سياساتهم وردود فعلهم، ولا شيء آخر.

وبعد التخلّي تماماً عن سياسة “صفر مشاكل” التي سادت عندما كان أحمد داود أوغلو رئيساً للوزراء، قبل أن يتم دفعه للاستقالة في 2016، عمل التحالف الإسلامي القومي السياسي الذي يرأسه حزب أردوغان، العدالة والتنمية، على أن تعيش تركيا في عزلة دولية كبيرة بعد التوترات التي أثارتها في منطقة الشرق الأوسط، ومن منطقة الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط، وهو ما بات أردوغان يدفع ثمنه اليوم مُدركاً أنه يخسر الكثير، وسيخسر أكثر إذا لم يتخلّ عن سياساته الحالية التي يُحاول عبرها الظهور كزعيم إسلامي.

 

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى