تقرير: إسرائيل الخاسر الأكبر من الاتفاق الإيراني السعودي

يعتبر اتفاق إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في 10 مارس/آذار2023 برعاية الصين، أحد الأحداث الدبلوماسية البارزة بالشرق الأوسط خلال العقد الأخير، فهو يُنذر بتحول كبير على المستوى الإقليمي رغم أن ملامح الاتفاق الموقع في بكين برعاية الصين لم تتضح بعد، فيما تبدو إسرائيل الخاسر الأكبر بعد أن كانت تسعى لتشكيل جبهة موحدة مع الدول العربية بالمنطقة ضد عدوها الإيراني الطموح لأن يصبح قوة نووية.

ويرى العديد من المراقبين، أن الاتفاق على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة استمرت سبع سنوات، حدث جيوستراتيجي بارزا في الشرق الأوسط من شأنه أن يتسبب بهزات جانبية لكبار الفاعلين بالمنطقة، ستكون له من دون شك انعكاسات مباشرة على الحرب في اليمن حيث تتواجه طهران والرياض بشكل مباشر وعلني منذ 2015، فضلا عن الوضع بلبنان والعراق حيث يدعم كلا الطرفين متنافسين سياسيين متعارضين.

لكن، يمكن الجزم بالقول إن إسرائيل ستكون أشد “المتضررين” من التقارب السعودي-الإيراني نظرا لعدائها الشرس للجمهورية الإسلامية والتي تسعى لتشكيل جبهة موحدة ضدها مع حلفائها العرب. وكانت تل أبيب قبل وقت مضى تأمل، بدعم إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في “ربط الاتصال” مع الرياض وإشراكها في مسلسل التطبيع ضمن ما يسمى “اتفاقيات إبراهام” (التي وقعتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين والمغرب).

فشل نتنياهو

لا تزال بنود الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران غامضة لحد الآن، ولا تزال نواياهما غير واضحة، إلا أن الرياح تسير بما لا تشتهي الدولة العبرية في ظل أكثر حكومة يمينية عرفتها البلاد منذ نشأتها في عام 1948 والتي يترأسها بنيامين نتنياهو.

فما إن تم الإعلان عن الاتفاق الموقع في بكين حتى وجهت المعارضة الإسرائيلية انتقادات لاذعة إلى نتنياهو، متهمة إياه بأنه “أهدى” الإيرانيين إنجازا دبلوماسيا خارقا. وذكرته بفشله في توسيع التحالف “الإبراهيمي” إلى الرياض في مواجهة طهران وبرنامجها النووي الذي تعتبره الطبقة السياسية في إسرائيل “تهديدا وجوديا” للبلاد.

فقد حذر زعيم المعارضة اليميني يائير لابيد في تغريدة على موقع تويتر من أن “الاتفاق بين السعودية وإيران إخفاق شامل يشكل خطرا على السياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية”.

واعتبر فرديريك أونسيل، الأستاذ المحاضر بجامعة العلوم السياسية في باريس والمتخصص في شؤون الجيوستراتيجية، أن التقارب السعودي-الإيراني لا يشكل “خبرا سارا ولا سيئا” لإسرائيل، مضيفا أن “لابيد يمارس حقه الشرعي كزعيم سياسي أمام بنيامين نتنياهو، مهندس اتفاقيات إبراهام”.

وتابع أونسيل قائلا إن “نتنياهو أساء التقدير، وارتكب خطأ عندما زعم خلال الحملات الانتخابية السابقة بأنه سيكون الرجل الذي سيتمكن من إقامة علاقات دبلوماسية” مع السعودية.

وأضاف: “من الواضح أن الرياض لم تكن ترغب في كسر حاجز التطبيع مع إسرائيل، وبالتالي فإن التقارب السعودي-الإسرائيلي يبدو بعيد المنال بعد الاتفاق السعودي-الإيراني”.

يعقد ملف التطبيع

لا يختلف كثيرون على أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لم يعد من أولويات المملكة السعودية، لكن تفَجُر وضع الأمن في الأراضي الفلسطينية المحتلة تزامنا مع وصول حكومة يمينية فاشية إلى الحكم في إسرائيل لا يسمح لبلد “الحرمين الشريفين” بأن يرفع راية التطبيع (مع إسرائيل).

وبالنسبة إلى سايمون مابون، البروفيسور في العلاقات الدولية بجامعة لانكستر البريطانية والمتخصص بقضايا الشرق الأوسط، فإن السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان “غير مستعدة لإبرام أي اتفاقات” مع الدولة العبرية.

وقال مابون: “الكل يعلم بأن قنوات الحديث بين السعوديين والإسرائيليين موجودة، فهذا ليس سر على أحد، لكن الرياض لن تدخل في مسار التطبيع خلافا لجاراتها الخليجية لأن أي تقارب من جانبها مع تل أبيب ستكون له انعكاسات كبيرة على العالم الإسلامي بأسره”.

ولفت مابون الانتباه إلى أن “التطبيع مع إسرائيل يقتضي بالنسبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان توقيع اتفاق شامل مع الولايات المتحدة، لكن ولي العهد لا يرغب بتوفير ظروف إنجاز دبلوماسي لإدارة الرئيس جو بايدن نظرا للعلاقات المتباعدة بين الطرفين. وهو ما يعقد الأمور بملف التطبيع”.

بالمقابل، يرى بعض المحللين بأن الاتفاق السعودي-الإيراني لن يؤثر بالضرورة في العلاقات الخفية بين الرياض وتل أبيب، وهم يذكرون بأن الإمارات أعادت علاقاتها مع إيران من دون أن تتضرر علاقاتها مع إسرائيل، وأن السعودية فتحت العام الماضي بمناسبة جولة بايدن الشرق أوسطية مجالها الجوي أمام كل الشركات الجوية بما فيها الرحلات من وإلى إسرائيل.

وفي بداية الأسبوع، كشفت صحيفتا “وول ستريت جورنال” و”نيويورك تايمز” الأمريكيتان البارزتان أن السعودية طلبت ضمانات أمنية من واشنطن ومساعدة أمريكية بشأن برنامجها النووي المدني مقابل التطبيع مع إسرائيل. لكن إدارة بايدن رفضت الطلب، ما يتيح للصين فرصة سانحة لتحقيق اختراق دبلوماسي غير مسبوق في الشرق الأوسط.

دخول بكين ليس في مصلحة إسرائيل

في وضع متناقض تماما مع إسرائيل، تبدو الصين الرابح الأكبر من اتفاق التقارب بين السعودية وإيران. فهذا الإنجاز الذي يحسب لدبلوماسيتها يضاف إلى توقيعها، في مارس/آذار 2021، اتفاق “شراكة استراتيجية وتجارية تمتد على مدى 25 عاما” مع إيران. وكل شيء يوحي بأنها ستحظى بدور متزايد في الشرق الأوسط مستقبلا على حساب الولايات المتحدة، لا سيما في ضوء زيارة رئيسها شي جينبينغ للسعودية في ديسمبر/كانون الأول 2022.

بهذا الشأن، قال فريديريك أونسيل إن إسرائيل لن ترضى بدخول فاعل جديد بالمنطقة رغم علاقاتها الطيبة مع الصين، مشيرا إلى أن الدولة العبرية كانت تتمتع بوضع مميز منذ نصف قرن نظرا للهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط كـ “لاعب وحاكم” في نفس الوقت. وبالتالي، فإن دخول بكين في خط الدبلوماسية الشرق الأوسطية في منافسة مع الولايات المتحدة ليس بالضرورة في مصلحة إسرائيل.

وختم الأستاذ المحاضر بجامعة العلوم السياسية في باريس بالقول إنه، وبغض النظر عن الاتفاق السعودي-الإيراني أو عن تنامي النفوذ الصيني بالمنطقة، لن تقبل أي حكومة إسرائيلية، مهما كان توجهها، بأن تحوز إيران على قنبلة نووية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى