حنان عشراوي في استقالة متأخّرة لم تقل شيئا!

ماجد كيالي

جاءت استقالة حنان عشراوي من عضويتها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي يفترض أنها الكيان السياسي الموحّد للشعب الفلسطيني والمعبّر عن قضيته وقائد كفاحه، والتي من المفترض أنها المرجعية القيادية العليا للشعب الفلسطيني، متأخّرة كثيرا، ولم تقل فيها ما يجب أو ما يفترض قوله.

وفي الواقع فإن كل ما ذكر عن تلك المنظمة لم يعد في بال قيادتها، إذ أن تلك المنظمة أضحت بلا فاعلية، بعد تهميشها، وتراجع مكانتها لصالح كيان السلطة، وبحكم تراجع مكانة اللاجئين في العملية الوطنية الفلسطينية، بعد انتقال ثقل العمل الوطني الفلسطيني إلى الداخل، وأيضا بحكم انزياح الخطاب السياسي الرسمي للمنظمة من الرواية التاريخية المتأسّسة على النكبة (1948) إلى الرواية التي تتعلق بالصراع مع إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية في جزء من أرض فلسطين، لجزء من شعب فلسطين، في جزء من حقوقه، كأن هذا الصراع بدأ مع احتلال الضفة وغزة في العام 1967!

وكانت عشراوي من الشخصيات الفلسطينية البارزة في الضفة الغربية، كأكاديمية وكأستاذة في جامعة بير زيت، ثم كواحدة من وجوه الانتفاضة الأولى (1987ـ1993)، وباعتبارها عضوا في الوفد الفلسطيني المفاوض إلى مؤتمر مدريد للسلام (1991) والناطق باسمه، وفي ما بعد كانت عضوا منتخبة في المجلس التشريعي في دورتيه (1996 و2006)، وفوق كل ذلك فقد أضحت عضوا في اللجنة التنفيذية للمنظمة منذ العام 2009، أي منذ 11 عاما.

في المحصلة فقد أتت استقالة عشراوي متأخّرة وصامتة، تقريبا، في آن واحد. فهي جاءت متأخرة لأنها أتت بعد 11 عاما من عضويتها في اللجنة التنفيذية، علما أن تلك الفترة شهدت أكثر فترات المنظمة تهميشا، على كافة الأصعدة، وهو أمر يطرح على عشراوي، وعلى كل أعضاء اللجنة التنفيذية، سؤال الإنجاز في المنظمة على الصعيدين الفردي أو الجمعي؛ أي على صعيد اللجنة التنفيذية كهيئة جماعية، إن وجدت فعلا.

وطبعا ثمة السؤال الأصلي عن طبيعة التنسيب للجنة التنفيذية من هيئة هي غير منتخبة أصلا، أي المجلس الوطني الذي يتم تسميته بالتعيين، علما أن جل أعضائه في السبعينات والثمانينات من العمر.

وقد جاءت استقالة عشراوي صامتة، أو لم تقل شيئا، لأن بيان استقالتها (المصور) لم يذكر أسبابا معينة، أو أنه حجب أكثر مما أعلن من أسباب، والفكرة أن شخصية مثل حنان عشراوي كان حريّ بها أن تقوم بمراجعة نقدية لمسيرتها أو لدورها في اللجنة التنفيذية في المنظمة، ولحال المنظمة بشكل عام، كي تضع الحقائق أمام الشعب الفلسطيني بكل مسؤولية وموضوعية، لكنها آثرت غير ذلك، أي مجاملة الوضع القائم، كأن ذلك أهم من مصارحة الشعب الفلسطيني بالحقائق، وضمن ذلك اطلاعه على الكيفية التي يتم فيها صنع القرارات وصوغ الخيارات في قيادة منظمة التحرير، وكيفية إدارة المنظمة، من قبل شخص أو مجموعة من الأشخاص.

هكذا قالت عشراوي في استقالتها “تعهدت (تقصد أمام الرئيس) بألا أقوم بالإعلان عن الاستقالة أو مناقشتها إلى حين انتهاء الإجراءات بالتوافق، ولكن وللأسف الشديد تم تسريب خبر الاستقالة بشكل غير مهني تضمن مغالطات وافتراءات.. أؤكد هنا تقديري واحترامي لموقف الرئيس وحرصه، ولكنني ما زلت متمسكة باستقالتي بنهاية هذا العام مع احترامي للأنظمة والقوانين السارية”.

كأن مجاملة الرئيس أهم من مصارحة الشعب الفلسطيني، أو كأن ثمة فعلا أنظمة وقوانين سارية في عمل منظمة التحرير!

أما في خصوص حيثيات الاستقالة فقد حصرتها عشراوي، في قولها “آن الأوان لإجراء الإصلاحات المطلوبة وتفعيل منظمة التحرير وإعادة الاعتبار لصلاحياتها ومهامها واحترام تفويض اللجنة التنفيذية التي تعاني من التهميش وعدم المشاركة في صنع القرار، ولا بد من تداول السلطة ديمقراطيا عن طريق الانتخابات. النظام السياسي الفلسطيني بحاجة إلى تجديد مكوناته ومشاركة الشباب، نساء ورجالا، والكفاءات في مواقع صنع القرار، والأمانة تتطلب أن يتحمل كل شخص مسؤولياته ويقوم بمهامه بالكامل بكل إخلاص بما في ذلك إتاحة المجال للتغيير المنشود”.

طبعا لم تقل عشراوي، مع التقدير لها، ما هي الإصلاحات المطلوبة من وجهة نظرها، كما لم تقل ما هي الثغرات التي تعتور عمل المنظمة من وجهة نظرها، كما لم تذكر شيئا عن أسباب تهميش المنظمة وعدم المشاركة في صنع القرار، ومن المسؤول عن تعطيل عملية الانتخاب، أما عن التغيير المنشود فبدا مجرد كلام غامض، أو مجرد تلميح، لا أحد يعرف مراميه حقا.

بالتأكيد فإن الشعب الفلسطيني من حقه أن يسأل حنان عشراوي عن أسباب استقالتها، لاسيما أن الأسباب التي ذكرتها كانت موجودة منذ اليوم الأول لوجودها في عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير (2009)، وهي جددت عضويتها قبل عامين فقط في الدورة 23 للمجلس الوطني الفلسطيني (رام الله 2018)، فلماذا قبلت عضوية اللجنة التنفيذية إذا؟ ولماذا استمرت كل تلك الأعوام؟ ولماذا جددت عضويتها قبل أقل من ثلاثة أعوام.

وباختصار فمن حق الشعب الفلسطيني على عشراوي، أو على شخصية بمكانتها، أن تكون أكثر وضوحا ومسؤولية وشفافية إزاء شعبها، وإزاء حركته الوطنية، التي تشهد انتكاسة تلو أخرى، لأن الاستقالة لا تعفي أحدا من مسؤوليته، طالما كان في موقع المسؤولية، فكيف إذا سكت عن الواقع القائم كل تلك الفترة؟

 

 

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى