خبراء يتوقعون تفكك الاتحاد الأوروبي بسبب الأزمات الاقتصادية

يتزايد تدهور الأوضاع الاقتصادية في أوروبا بوتيرة سريعة، حيث تتوقع عدة مؤسسات بحثية وبنوك موجة ركود أكثر عمقاً عما كان يتوقع في وقت سابق، وتفيد تقديرات المراقبين إلى أن الاتحاد الأوروبي، بات أمام أزمة غير مسبوقة، يمكن أن تنتهي بتفككه خلال وقت قريب، إثر الأزمات الاقتصادية الناجمة عن الرضوخ للإملاءات الأمريكية.

ويشير الخبراء إلى أن بعض الدول التي لم تخضع للإملاءات الأمريكية والاصطفاف خلف أوكرانيا، لم تتأثر بنفس الدرجة التي باتت عليها فرنسا وألمانيا، وأن الأخيرة مهددة بدفع ثمن باهظ خلال مطلع العام 2023، في ظل أزمة الغاز بالتزامن مع شتاء شديد البرودة.

كما أدى تراجع قيمة اليورو، في ظل رفع أسعار الفائدة الأمريكية بوتيرة سريعة لمضاعفة الضغوط التضخمية عن طريق رفع تكاليف الاستيراد، الأمر الذي انعكس بصورة كبيرة على الاقتصاد الأوروبي وتكاليف المعيشة.

ألمانيا تخسر 110 مليارات يورو

في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قدر معهد “آيفو” الألماني، أن تستنزف أزمة الطاقة نحو 64 مليار يورو (نحو 64 مليار دولار) من برلين هذا العام، ومن المتوقع أن تتجاوز هذه الخسائر في الفترة بين 2021-2023 قرابة 110 مليارات يورو.

وفقدت ألمانيا ما يقرب من نصف هذا الدخل العام الماضي وتتطلع إلى 9 مليارات يورو أخرى في خسائر الدخل الحقيقي في عام 2023، ما يجعل إجمالي ثلاث سنوات هو الأسوأ منذ أزمة الطاقة في أواخر السبعينيات، والتي استغرقت ألمانيا خمس سنوات لتجاوزها.

من حيث الناتج الاقتصادي الوطني، من المتوقع أن تخسر ألمانيا 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام و0.2% في عام 2023. خسرت البلاد 1.8% بعد الجائحة في عام 2021.

في الإطار قال الأكاديمي والمحلل السياسي الجزائري رمضان بوهيدل، إن أوروبا باتت الخاسر الأكبر من الأزمة الأوكرانية، خاصة في ظل الاعتماد شبه الكلي على الغاز الروسي.

حافة التفكك

وأضاف بوهيدل، أن بعض الدول رفضت الرضوخ للضغوط الأمريكية والبعض استجاب، مما جعل أوروبا خاسرة بدرجة أكبر، خاصة أنها لم تجد تعويضا للغاز الروسي لا من الجزائر ولا قطر ولا النرويج كما كان يدور الحديث.

وشدد على أن أوروبا باتت على حافة التفكك، خاصة أن الولايات المتحدة لا يمكنها تعويض أوروبا الغاز الروسي، في ظل شتاء شديد البرودة.

ولفت إلى أن بقاء الوضع على حاله يزيد الأزمة في أوروبا تأزما، خاصة بعد تراجع دور بعض الدول الأوروبية ومنها فرنسا على الصعيد الدولي، بعد أن انشغلت بشكل أكبر في الأزمات الداخلية.

فجوة في العرض والطلب

وفي مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني2022، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة، اليوم الخميس، أنها تتوقع عجزا في الغاز بمقدار 30 مليار متر مكعب في أوروبا، خلال الصيف المقبل، وهو التوقيت الذي يعتبر حاسما بالنسبة لعملية ملء مرافق التخزين تحت الأرض، في حال توقف الإمدادات الروسية.

وجاء في تقرير الوكالة الدولية للطاقة: “إذا توقفت إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية إلى الاتحاد الأوروبي تماما وعادت واردات الغاز الطبيعي المسال الصينية إلى مستويات 2021، فقد تواجه أوروبا فجوة في العرض والطلب تبلغ 30 مليار متر مكعب خلال فترة الصيف التي تعتبر أساسية لإعادة تعبئة مخزون الغاز في عام 2023”.

ارباك الحكومات الأوروبية

من ناحيته قال محمد سعيد الرز المحلل السياسي اللبناني، إن حسابات أوروبا لم تتطابق مع المشروع الأمريكي العدائي، وكذلك لم تكن مسارات المواقف الأوروبية ضد روسيا تتسم بقواعد التحالف المعروفة دوليا، لأنها واجهت استفرادا أمريكيا في القرار، رغم كل ما يترتب عليه من آثار وعواقب على كاهل المواطن الأوروبي.

وأضاف الرز ، أن الخطوات التي اتخذت في الإطار تسببت بإحراج وإرباك كبيرين للحكومات الأوروبية في علاقاتها مع شعوبها.

وأوضح” لقد ظنت الحكومات الأوروبية أن ردة الفعل الروسية على ارتمائها في الحضن الأمريكي ستكون معتدلة نوعا ما، أو متفهمة لنوعية الروابط بين أطراف حلف الأطلسي، لكنها فوجئت بموقف روسي حازم، مفاده معاملة “الند للند”، خاصة وأن موسكو كانت على وعي تام بأسلوب ابتزاز أمريكا لحلفائها قبل خصومها”.

عدة أزمات

واستطرد الرز بقوله إن “أزمة الغاز التي اجتاحت أوروبا ولحقت بها أزمات الحبوب وخاصة القمح وتوجت باختلال موازناتها، كانت بسبب ارتفاع الانفاق على التسليح، وعندما لجات أوروبا إلى الولايات المتحدة طلبا للتعويض سواء من مخزونها النفطي الذي يخدم لـ 50 سنة قادمة، أو من المواد الغذائية فوجئت بمنطق التاجر الأمريكي المستغل دائما للظروف، بأسعار مرتفعة كبدت الأوروبيين خسائر إضافية فوق خسائرهم الفادحة”.

ولفت إلى أن ما وقع للدول الأوروبية يفسر انسحاب إسبانيا والبرتغال وإيطاليا من مواكبة أميركا في حربها ضد روسيا، وكذلك أسباب الزيارات العديدة من قادة أوروبيين إلى واشنطن والنتائج التي عادوا بها.

 

وتابع “المستشار الألماني قلص نفقات الدفاع ببلاده، في حين أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عاد وهو أكثر إحباطا وأدلى بتصريح هدد فيه بـ”اتباع سياسة أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة”.

ولفت إلى أن الاضطرابات الداخلية في فرنسا دفعت بماكرون إلى مواصلة الانفتاح على السعودية ودول الخليج العربي، في ظل تأزم العلاقة بين واشنطن والسعودية.

ويرى أن أوروبا وقعت في أزمة أكبر عندما حددت سقف الأسعار للغاز الروسي، خاصة أن واشنطن وقفت موقف المتفرج على تردي الوضع الأوروبي، في حين أنها أقل أطراف الأطلسي خسارة.

مشيرا إلى أن استمرار هذا الخلل الذي يتوسع يوما بعد يوم داخل حلف الناتو، يؤدي في ظل سياسة النفس الطويل التي تتبعها روسيا، إلى تهالك هذا الحلف، واضطرار أوروبا إلى وقفة مراجعة، تتجه بها إلى خيار الاستقلال أكثر فأكثر عن واشنطن، بعد أن يصبح الخيار الوحيد أمامها.

التباطؤ الاقتصادي

وقالت وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال فلاش” في وقت سابق من الشهر الجاري، لمديري المشتريات في منطقة اليورو “تعمق التباطؤ الاقتصادي في منطقة اليورو في سبتمبر، مع تقلص النشاط التجاري للشهر الثالث على التوالي… وعلى الرغم من كونه متواضعاً، فإن معدل الانخفاض تسارع إلى وتيرة هي الأشد حدة منذ عام 2013، باستثناء حالات الإغلاق الناجمة عن الجائحة”.

وانخفض مؤشر مديري المشتريات من 48.9 نقطة في أغسطس/آب إلى 48.2 في سبتمبر/ أيلول، في حين أنه أنه يمثل دون عتبة 50 انكماشاً اقتصاديا.

وفي وقت سابق ذكر مدير معهد العلاقات الدولية في جامعة رينمين الصينية، يوي وانغ، أن الاتحاد الأوروبي بدأ في التساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة قد “خدعته”، حين فرض المزيد والمزيد من العقوبات ضد روسيا.

 

ورجح هونغجيانغ تسوي، مدير الإدارة الأوروبية في معهد الصين للدراسات الدولية أن “تتحول الحزمة السابعة الجديدة من عقوبات الاتحاد الأوروبي إلى تصرف رمزي إلى حد كبير، إذ لا يمكن لأعضاء الاتحاد الاتفاق على العديد من القضايا”.

وعانت صناعات مثل الألبان والمخابز بشكل كبير، حيث أن إنتاج هذه المنتجات كثيف الاستخدام للطاقة. ارتفعت أسعار الزيت بنسبة 80% منذ بداية العام حتى أغسطس/ آب، بينما ارتفعت أسعار الجبن بنسبة 43%، ولحم البقر بنسبة 27%، وتضاعف سعر الحليب المجفف.

وتستمر الأسعار في أوروبا في الارتفاع بسبب أزمة الغاز، إذ إن 70% من الإنتاج توقف، وهو ما يجبر السكان على اتخاذ إجراءات متطرفة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى