صادرات الأسلحة البريطانية لإسرائيل بلغت مستويات قياسية خلال عام 2025

رغم صدور تقارير أممية تؤكد ارتكاب إسرائيل الإبادة الجماعية في قطاع غزة وقرار الحكومة السابق بتعليق عدداً من رخص الأسلحة لإسرائيل، كشفت القناة الرابعة البريطانية أنّ قيمة الأسلحة التي استوردتها إسرائيل من بريطانيا، بلغت مستوى قياسياً في عام 2025.
وأظهر تحليل لبيانات الجمارك الإسرائيلية أوردته القناة الرابعة، أول أمس الاثنين، أنّ إسرائيل استوردت ذخائر بريطانية بقيمة مليون جنيه إسترليني تقريباً في الأشهر التسعة الأولى من العام، وهو رقم يزيد عن ضعفي الكمية التي استوردتها في أي من السنوات الثلاث السابقة.
وكشف برنامج “تدقيق الحقائق” في القناة، عن أن إسرائيل استوردت أسلحة بقيمة تزيد عن 400 ألف جنيه إسترليني من شركات بريطانية في يونيو/ حزيران 2025، وهو أعلى رقم شهري منذ بدء تسجيل هذه السجلات في يناير/ كانون الثاني 2022.
تشمل القنابل والطوربيدات والصواريخ
وكُشف أيضاً عن أن شهر سبتمبر كان ثاني أعلى شهر من حيث القيمة على الإطلاق، حيث وصلت ذخائر بريطانية بقيمة تزيد عن 310 آلاف جنيه إسترليني من هذه الفئة نفسها إلى إسرائيل.
وبيّنت الكشوفات أن شهر أغسطس/ آب أيضاً كان شهراً هاماً من ناحية المبيعات، حيث مرت أسلحة بريطانية بقيمة تقارب 150 ألف جنيه إسترليني عبر الجمارك الإسرائيلية، بما في ذلك سلاح بقيمة 20 ألف جنيه إسترليني مُدرج باعتباره “رصاصاً” وفقاً لسجل إسرائيل.
ولم تُحدد طبيعة الأسلحة بدقة في البيانات، لكنها أُدرجت ضمن فئة تشمل القنابل، والقنابل اليدوية، والطوربيدات، والصواريخ، والذخيرة. ولا تُشير البيانات إلى هوية المستخدمين النهائيين للذخائر، ومن المُحتمل أن تكون هذه الأسلحة مُخصصة لشركات إسرائيلية لإعادة تصديرها إلى دول أخرى.
ولم تُعلّق حكومتا بريطانيا وإسرائيل على طلب القناة الرابعة للحصول على المزيد من التفاصيل حول هذه الشحنات المُحددة، فيما زعمت حكومة المملكة المتحدة إنها لا “تُصدّر قنابل أو ذخيرة لاستخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي في العمليات العسكرية في غزة أو الضفة الغربية”.
واعتمد تدقيق الحقائق الذي أجرته القناة على تحليل 8 ملايين سطر من بيانات الجمارك الصادرة عن سلطة الضرائب الإسرائيلية، والتي تمتد من يناير 2022 إلى سبتمبر/ أيلول 2025. بالإضافة أيضاً إلى دراسة الأرقام الصادرة عن الحكومة البريطانية أخيراً بشأن تراخيص تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.
عامان من الإبادة
يأتي هذا الكشف مع استمرار حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة على مدار عامين، حيث قتلت قوات الاحتلال أكثر من 75 ألف فلسطيني بحسب آخر بيانات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، وأصيب قرابة مائتي ألف شخص، وجرى تدمير قطاع غزّة بشكل شبه كامل.
وصرّحت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة قبل أسبوعين، بوجود “أسباب معقولة للاستنتاج” أن إسرائيل ترتكب أربعة أعمال إبادة جماعية في غزة، وهي “القتل، والتسبب في أضرار جسدية أو نفسية جسيمة، والتدمير المتعمد، ومنع المواليد”.
وقالت اللجنة إنه يجب على الدول الأخرى “استخدام جميع الوسائل المُتاحة لها بشكل معقول لمنع ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة”، ووقف مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل حيثما يوجد سبب للاعتقاد بأنها ستُستخدم في الإبادة الجماعية.
وأصدرت مؤسسات حقوقية دولية، تقارير تؤكد ارتكاب إسرائيل الإبادة الجماعية، من ضمنها مؤسسات بريطانية.
قرار سابق بتعليق تصدير الأسلحة لإسرائيل
وأعلنت الحكومة البريطانية في سبتمبر 2024، أنها علّقت 29 ترخيصاً لتصدير أسلحة إلى إسرائيل، والتي تعتقد أنها “قد تُستخدم في انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي”.
وقالت آنذاك إنها تمنع تحديداً بيع “العناصر المستخدمة في الصراع الحالي في غزة والتي تذهب إلى جيش الدفاع الإسرائيلي”. وحتى يوليو/ تموز من هذا العام، لا يزال ما عدده 347 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل سارياً، منها 167 ترخيصاً مصنّفاً على أنه “عسكري”.
وتشمل بعض التراخيص الصادرة أخيراً مواد مثل قاذفات القنابل اليدوية، والمتفجرات، ومكونات قذائف الهاون والصواريخ، ومعدات الاستهداف، وذلك وفقاً لقاعدة بيانات وزارة الأعمال والتجارة البريطانية.
ونشرت الحكومة البريطانية بيانات ترخيص تصدير لإسرائيل حتى 31 يوليو 2025، تُظهر أن هناك تراخيص عسكرية وغير عسكرية قائمة، بقيمة مئات الملايين من الجنيهات، مع استثناء واضح لقطع غيار برنامج مقاتلات إف-35 التي تُعامل بشكل منفصل داخل نظام توريد متعدد الجنسيات.
وهذا ما ينتقده العديد من الجهات الحقوقية والشخصيات السياسية في بريطانيا، كون البرنامج يُعطي الفرصة لوصول سلاح بريطاني إلى إسرائيل يُستخدم بشكل مباشر في غزة، بينما ترد الحكومة على ذلك بأنه لا يمكن وقف هذا البرنامج لاعتبارات متعلقة بالأمن القومي وتسليح حلف شمال الأطلسي (الناتو).
حكم قضائي يسمح بتصدير الأسلحة
وفي يونيو 2025 حكمت محكمة بريطانية عليا بأنّ تصدير قطع غيار إف-35 لإسرائيل قانوني وفق السياق الدستوري والاعتبارات الدفاعية، ما أثار استياء منظمات حقوقية، واعتبرته تبريراً سياسياً لتجاوز المخاوف الإنسانية.
واعتبرت منظمة العفو الدولية القرار مخيّباً للآمال، مطالبة بإنهاء كل عمليات نقل الأسلحة لإسرائيل إذا كانت هناك مخاطر معقولة لاستخدامها في انتهاكات جسيمة. وأعلنت أن استمرار الصفقات يتعارض مع التزامات حقوق الإنسان.
وطالبت منظمة هيومن رايتس ووتش، مطلع العام الحالي، الحكومة البريطانية بوقف فوري لكل صادرات السلاح إلى إسرائيل، واتفقت مع مناشدات بضرورة مراجعة القوانين والسياسات لتفادي التواطؤ المحتمل في انتهاكات القانون الدولي الإنساني.
وسبقت ذلك دعوات في عام 2024 من خبراء في الأمم المتحدة عن المفوضية لحقوق الإنسان، إلى إيقاف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل بناءً على مخاوف من انتهاكات في غزة، والاستمرار في إبداء القلق خلال 2025.
وتتجاهل الحكومة البريطانية مطالب الشارع البريطاني الذي يواصل الخروج في تظاهرات بمئات الآلاف مرتين شهرياً على الأقل، أمام داونينغ ستريت في لندن، تطالب بوقف تصدير السلاح بشكل كامل لإسرائيل، وإنهاء التواطؤ في حرب الإبادة الجماعية على غزة، وفرض عقوبات على الاحتلال الإسرائيلي.
ويرفض رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر الاعتراف بوقوع إبادة جماعية في غزة، قائلاً إن ذلك شأن المحاكم وليس السياسيين.
وصوّت حزب العمّال، الأسبوع الماضي، خلال مؤتمره السنوي، على قرار يتبنى تقرير الأمم المتحدة الأخير القائل بوقوع إبادة جماعية في غزة.
معركة قضائية
إلى ذلك، تعقد محكمة العدل الملكية، اليوم الأربعاء، جلسة لبحث طلب الاستئناف الذي قدّمته مؤسسة الحق في طعنها القانوني ضد استمرار حكومة المملكة المتحدة في ترخيص الأسلحة لإسرائيل.
وجاء في بيان لمؤسسة الحق: “في يونيو/ حزيران 2025، أصدرت المحكمة العليا في المملكة المتحدة قراراً يفيد بأنها لم تجد أي ثغرات قانونية في عملية صنع القرار التي اتخذتها الحكومة البريطانية بشأن ترخيص أجزاء من طائرات إف-35 للتوريد العالمي.
ورفضت البتّ في تقييم الحكومة البريطانية للإبادة الجماعية، ومعتبرةً أن بعض أجزاء الطعن غير قابلة للفصل فيها قضائياً، أي إنها ليست مسائل من صلاحية المحاكم البتّ فيها”.
وأضاف البيان: “يكشف هذا عن ثغرة في إطار المساءلة، ويطرح السؤال التالي: من تُحاسب حكومة المملكة المتحدة في مسائل القانون الدولي؟ ومن يضمن الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون المحلي واتفاقيات جنيف، بما في ذلك واجبها في منع الإبادة الجماعية؟”.
وطالبت مؤسسة الحق جميع المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، بدعم المسار القضائي ضد الحكومة البريطانية.