ضربات موجعة لأذرع الإخوان في مناطق النفوذ الأوروبية الأساسية

تصاعد المطالب الأوروبية بحظر الجماعة

تلقت جماعة الإخوان خلال أقل من عام، ضربات موجعة لأذرعها في 3 دول تعد مناطق نفوذ أساسية في القارة الأوروبية منذ ستينيات القرن الماضي، ما يفتح الباب أمام حصار شامل للجماعة في كامل القارة خلال الفترة المقبلة.

ولم يتوقف الأمر عند مناقشة البرلمان الألماني مشروع قرار لفرض رقابة قوية على الإخوان وتنظيماتها في ولايات البلاد الـ16، بل طالب أعضاء بمجلس العموم “البرلمان” البريطاني بحظر الجماعة، واتخذت النمسا قرارا قبل عام بحظر رموز وأعلامها، وانشاء مركز لتوثيق جرائمها.

واللافت أن هذه الدول الثلاثة هي مهد الإخوان في القارة الأوروبية. ووفق دراسة “الإخوان المسلمون في النمسا” التي أعدها لورينزو فيدينو، مدير مركز التطرف في جامعة جورج واشنطن الأمريكية بمشاركة جامعة فيينا وهيئة حماية الدستور “الاستخبارات الداخلية” النمساوية في 2017، فإن جماعة الإخوان ظهرت لأول مرة في الدول الغربية في أواخر خمسينيات وأوائل ستينيات القرن الماضي، على يد مجموعة من الطلبة وبعض القيادات المتشددة أبرزها يوسف ندا وسعيد رمضان.

وبدأ ندا وقيادي آخر يدعى أحمد القاضي، من النمسا، تدشين الوجود الإخوان في أوروبا، قبل أن ينتقل القاضي للولايات المتحدة ويؤسس شبكة الجماعة هناك. وبالتزامن مع ذلك، كان سعيد رمضان يبسط نفوذ الإخوان على لجنة بناء مسجد مدينة ميونيخ، جنوبي ألمانيا، على حساب الطلبة والعسكريين المنحدرين من دول إسلامية تابعة للاتحاد السوفيتي.

كما بدأ الوجود الإخونجي في بريطانيا في نفس وقت امتداده للنمسا وألمانيا، وفق دراسة “الإخوان في النمسا”. وبعد نحو 60 عاما من هذه الحقبة، تبدأ تحركات جادة في الدول الثلاثة لمواجهة الخطر الإخونجي المنتشر على أراضيها.

في فبراير/شباط 2019، أصدرت وزارة الداخلية النمساوية قانونا تنفيذيا يحظر 13 علما ورمزا مختلفا لتنظيمات إرهابية، حيث ظهر شعار جماعة الإخوان باللون الأخضر “سيفان يتوسطهما كلمة واعدوا”، كأول رمز في قائمة الحظر.

ضربات موجعة لأذرع الإخوان في مناطق النفوذ الأوروبية الأساسية
ضربات موجعة لأذرع الإخوان في مناطق النفوذ الأوروبية الأساسية

وخلال عام من تنفيذ القانون، نجحت السلطات في رصد 71 مخالفة في عموم البلاد، حسب ما ذكره كريستوف بلوتسل، المتحدث باسم وزارة الداخلية النمساوية في تصريحات لـ”العين الإخبارية” قبل أيام.

ورفض بلوتسل تحديد ملابسات هذه المخالفات، إلا أنه أكد أن الداخلية “مصممة على تطبيق القانون على المخالفين بكل صرامة وحزم”. وأضاف “الوزارة تراقب الوضع عن كثب في عموم النمسا، وترصد المخالفات أول بأول”.

واعتبر رودجر لولكر، الأستاذ في كلية الدراسات الشرقية بجامعة فيينا، والمتخصص في شؤون الإخوان، قانون حظر رموز الإخوان “خطوة جيدة في طريق مواجهة خطر الجماعة في النمسا، ويقيد ظهورها في المجتمع”.

لكنه رأى، أنه “خطوة غير كافية، ولابد من وضع الجماعة تحت رقابة هيئة حماية الدستور “الاستخبارات الداخلية” المختصة بمراقبة ورصد الجماعات المتطرفة في البلاد.

وفي 30 يناير/كانون الثاني الماضي، طالب ليو كولباور، النائب في برلمان مقاطعة فيينا، أقوى مجلس تشريعي في البلاد بعد البرلمان الاتحادي، السلطات النمساوية بـ”النأي بنفسها صراحة وكلية عن الإخوان المسلمين”.

وفي الـ2 من نفس الشهر، قررت الحكومة النمساوية إنشاء مركز توثيق للإسلام السياسي” على غرار “أرشيف وثائق المقاومة النمساوية” الذي يختص ببحث وتحليل وتوثيق جرائم اليمين المتطرف.

ويتمثل دور مركز توثيق الإسلام المتطرف، في تحليل اتجاهات التطرف، وتوثيق جرائم التنظيمات المحسوبة عليه. ومن المقرر أن يكون مركز توثيق الإسلام السياسي مؤسسة مستقلة مدعومة مباشرة من الحكومة النمساوية، ويتولى نشر كتب ومقالات وأبحاث جديدة، وأرشفة المنشورات الحالية، المتعلقة بالإسلام السياسي، والتنظيمات الإسلامية المتطرفة. ومن المنتظر أن يركز المركز عمله على جماعة الإخوان، وغيرها من التنظيمات المتطرفة.

وقبل أشهر، طالب مركز “مينا واتش”، أهم مركز بحثي نمساوي “خاص” متخصص في شؤون الشرق الأوسط، بحظر الإخوان بشكل كامل في النمسا، وأوروبا بشكل عام.

وقال المركز في تقرير نشره على موقعه الإلكتروني، “خلال العقود الماضية، دعا ممثلو الإخوان مرارا وتكرارا إلى العنف”، مضيفا: “كما تبحث الجماعة بشكل مستمر عن تجنيد أتباع جدد في أوروبا، ونشر أفكارها المتطرفة من خلال المساجد”.

وبصفة عامة، تملك الإخوان وجودا كبيرا في النمسا، وخاصة في فيينا وغراتس، ويتمثل ذراعها الأساسي في الجمعية الثقافية أو Liga Kultur، ومجموعة من المساجد والمراكز الثقافية مثل النور في غراتس، والهداية في فيينا.

في 13 فبراير الماضي، ناقش البرلمان الألماني، مشروع قرار ينص على فرض رقابة قوية ضد الإخوان في البلاد، قبل أن يحيله إلى لجنة الأمن الداخلي لمنافشته، في خطوة أولى نحو إقراره.

ويعتبر هذا المشروع أول تحرك جاد في البرلمان الألماني لمواجهة خطر الإخوان، ويحتاج المشروع موافقة (٥٠٪؜+١) من أصل ٧٠٩ نائب في البرلمان لتمريره.

ووفق مشروع القرار الذي قدمه حزب البديل لأجل ألمانيا، حزب المعارضة الرئيسي، في 11 فبراير الجاري، فإن “جماعة الإخوان هي العقل المدبر الذي يقف وراء شبكة الإسلام الراديكالي المنتشرة في ألمانيا”.

وأضاف المشروع “أنشأت الإخوان شبكة قوية من الجمعيات والشركات والمؤسسات التعليمية”، مضيفا “إنكار المنظمات الفرعية في ألمانيا تبعيتها للإخوان علنا، يجعل هذه المنظمات أكثر خطورة، لأن العمل السري واخفاء الروابط مع الجماعة الأم، أحد أهم خصائص الإخوان منذ تأسيسها”.

وتابعت “تعارض التنظيمات الإسلامية الراديكالية، مبادئ السيادة الشعبية، وفصل الدين عن الدولة، وحرية التعبير والمساواة، المنصوص عليها في الدستور الألماني”.

وأضاف “الحكومة الألمانية أخبرت البرلمان مرارا بأن منظمة المجتمع الإسلامي الألماني، هي المنظمة المركزية للإخوان في البلاد، وتحاول لعب دور الوسيط بين المجتمعات الإسلامية وسلطات الدولة، لكنها تنكر على الملأ ارتباطها بالإخوان”.

ولفت إلى أن “أهداف الإخوان تتعارض مع النظام الديمقراطي الحر، والدولة الدستورية”، مضيفا “الإخوان تسعى لاستبدال النظام الديمقراطي بنظام شمولي قائم على تفسيرها الخاص للشريعة”. وأبرز المشروع تحذير بوركارد فريير، رئيس مكتب هيئة حماية الدستور في ولاية شمال الراين ويستفاليا “غرب” في 2018 من أن “الإخوان أخطر على النظام الديمقراطي من “داعش” والقاعدة”.

وتابع المشروع أن “التنظيمات المتطرفة مثل الإخوان هي أساس الإرهاب، ويجب أن تأخذ سلطات الأمن ذلك في الاعتبار بشكل متزايد”. وطالب مشروع القرار، الحكومة الألمانية بـ”وضع الإخوان في ألمانيا وفروعها وأنشطتها وشبكاتها، تحت رقابة قوية، بما يشمل اتخاذ تدابير ملموسة، خاصةً ضد منظمة المجتمع الإسلامي الألماني والمنظمات التابعة له، وتسجيل وتحليل تأثيرها ودوائر نفوذها بشكل أكثر دقة في جميع أنحاء ألمانيا”.

وتملك الإخوان وجودا قويا في ألمانيا، بـ١٦٠٠ قيادي، ومنظمة المجتمع الإسلامي، والعديد من المنظمات الصغيرة والمساجد المنتشرة في عموم البلاد. وتصنف هيئة حماية الدستور “الاستخبارات الداخلية” الإخوان بأنها تهديد للنظام الدستوري والديمقراطي.

يعد الوجود الإخونجي في بريطانيا محور جدل كبير، خاصة أن الجماعة الإرهابية تملك وجودا يمتد إلى ستينيات القرن الماضي.

ووفق مراجعة الحكومة لملف الإخوان التي أجريت بين عامي 2014 و2015 بتكليف من رئيس الوزراء الأسبق، ديفيد كاميرون، فإن المنظمات المحسوبة على الإخوان في بريطانيا تنكر في العلن ارتباطها بالجماعة، وتبقي هذه الروابط سرا حتى اليوم.

وحدد التقرير الصادر عن لجنة المشاركة منظمات بعينها مرتبطة بالإخوان، وهي منظمة المجتمع الإسلامي الجديد، ورابطة المسلمين في بريطانيا، والمجلس الإسلامي. والأخير ينشط سياسيا بشكل كبير، ويدعم مرشحين للمناصب المختلفة في الانتخابات على المستوى الوطني والمحلي.

وفي الأسبوع الثاني من الشهر الجاري، طالب أعضاء مجلس العموم البريطاني، بحظر “الإخوان”، لما تشكله من خطر واضح على أمن المملكة المتحدة.

ودعا النائب في الحزب الوحدوي الديمقراطي الإيرلندي، إيان بيزلي، خلال جلسة في البرلمان إلى ضرورة التعامل مع الخطر الذي يشكله تنظيم الإخوان، وقال في هذا الإطار “يجب على الحكومة المضي قدما في حملة حظر الإخوان، الذين ينشرون الكراهية ويهاجمون المسيحيين داخل وخارج البلاد”.

فيما قال النائب بوب ستيورات: “حين زرت مصر عام 2011، قابلت أعضاء من الإخوان في مقرهم، وقالوا لي آنذاك إنهم لا يملكون نوايا سياسية ولا يريدون حكم البلاد.. لكنهم الآن يعتبرون سببا مباشرا فيما يتعرض له المسيحيين (من هجمات) .. أتفق تماما مع ما جاء على لسانكم بشأن هذه الجماعة”.

تظهر التحركات البرلمانية في ألمانيا وبريطانيا، والحكومية في النمسا، أن هناك اتجاها جديدا معاديا للإخوان في أوروبا، وفق لورينزو فيدينو.

ويرى فيدينو، أن الإخوان استغلت الدول الأوروبية، وخاصة النمسا، كملاذ آمن لقيادتها وعناصرها، وقاعدة لأنشطتها في الدول العربية وأوروبا، خلال الخمسين عاما الماضية، لكن الوضع بدأ في التغير في الفترة الأخيرة”.

وتابع “تراجعت قدرة الإخوان على استغلال النمسا وأوروبا بشكل عام، كقاعدة لأنشطتها في العامين الماضيين، بسبب وعي السلطات بخطورة دور وأنشطة الجماعة”، متوقعا “مزيد من الإجراءات ضد الجماعة على المستوى الأوروبي خلال الفترة المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى