“طوفان الأقصى” ومعادلاته

سناء الجاك

جرف “طوفان الأقصى” المعادلات القائمة في المنطقة. فرض انقلابا لا يزال غير واضح المعالم، سواء في الداخل الفلسطيني أو في واقع إسرائيل ومصيرها، أو في معادلات المنطقة عربيا وإقليميا،أو حتى في معادلات المنطقة والمجتمع الدولي.

مع هذا “الطوفان” من المتوقع أن تتدحرج الخرائط التي كانت قد وضعت بعض أسسها من الهند إلى الصين إلى حيفا. فتداعيات هذا “الطوفان” لن تقتصر على أهمية العملية النوعية التي أذاقت إسرائيل مرارة الحرب في عقر دارها وليس على حدود ما مع دول الطوق، كما جرت العادة.

وفي حين يكثر التحليل عن أن هذه الحرب التي لا تزال في أيامها الأولى، سوف ترتب أثمانا لم تعرفها إسرائيل منذ احتلالها فلسطين، يبقى أنها حسمت نقل المرجعية الفلسطينية من “منظمة التحرير” وحركة “فتح” إلى حركة “حماس”. ومعروف أن المحور الممانع عمل لتحقيق هذه الغاية منذ فترة، سواء في مناطق الحكم الذاتي، أو في أي مكان يتواجد فيه فلسطينيو الشتات، ولا يخرج ما جرى في مخيم عين الحلوة اللبناني عن هذا الهدف.

ومعروف إن الأزمات عندما تشتد وتتعقد مع تأزم الأوضاع، إلا أنها غالبا ما تنتهي إلى تسويات يستفيد منها من يحقق مكاسب عسكرية. فالواقع الميداني سيفرض تسويته. وأي تسوية سيكون قوامها تحسين موقع “حركة حماس” فلسطينيا وإقليميا.. ولكن وفق أي رؤية؟ وأين ستصرف “حماس” انتصارها؟؟ هل ستكتفي باحتكار القرار الفلسطيني وتفرض معادلاتها مطلقة رصاصة لا رحمة فيها على اتفاق أوسلو؟؟

الأجوبة ستظهر مع ما سوف تؤول إليه مسارات حرب “طوفان الأقصى”. وربما تشكل دافعا قويا لتطبيق المعادلة المتعلقة بعمليات التطبيع الجارية مع إسرائيل، مقابل بالبحث عن حل سياسي ودبلوماسي عادل للقضية الفلسطينية، فتضعها على نار حامية بمعطيات أكثر فعالية لا مراوغة فيها أو تجاهل لبنود تسويتها، كما حصل في أوسلو وغيرها، وبالتالي، الحصول على فرصة ذهبية لإحقاق العدالة مع التوصل من خلال توافق عربي واقليمي إلى إجماع يكرس حل الدولتين، كما طرحها الملك السعودي الراحل عبد الله في قمة بيروت، أي الأرض مقابل السلام.

فترجيح كفة السلام على الحرب، وكما تبين من اللحظة الأولى لردود الفعل العربية على العملية العسكرية، وحتى قبل ذلك، لا يعني القبول باعتداءات إسرائيل على الفلسطينيين، وبيان دول مجلس التعاون الخليجي يؤكد ذلك، مع الدعوة الخليجية إلى ضبط النفس.

أو أن “حماس” ستهدي نصرها إلى محور الممانعة الذي تدور في فلكه وتحديدا إلى رأس محورها، ليتمكن من استثماره في قضاياه وملفاته؟؟

هل ستتم مصادرة القرار الفلسطيني لمصلحة المحور الإيراني أسوة بما حصل في لبنان بعد حرب 2006 وسيطرة “حزب الله” على مفاصل البلد خدمة لمشاريع محوره؟؟

صحيح أن قلب الطاولة من خلال “طوفان الأقصى” كان ردا يرضي المنطق القائل بوجوب أن يتولى الفلسطينيون قضيتهم بأيديهم وأن يذيقوا إسرائيل ما ذاقوه منذ عام 1948، لكن الأمور تختلف عندما يتحول “النصر” إلى ورقة يتاجر بها من يريد توسيع نفوذه في الإقليم وصولا إلى شواطئ المتوسط، حينها يصبح قلب الطاولة احتلالا جديدا لا يختلف عن احتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية وتنكليها بأصحاب الأرض، وتحديدا إذا كان هدفه خدمة الأفق السياسي للمحور الممانع ورأسه، وإذا اقتصرت مفاعيله على تخريب المنطقة تحت شعار توحيد الساحات، والإمساك بورقة إضافية للضغط على المجتمع الدولي بموجب الأبعاد الجيوسياسية.

ماذا عن لبنان؟ هل يحتمل حربا كالتي شهدها عام 2006؟؟ هل تملك إسرائيل المنهكة القدرة على ضربات مدمرة لتحسين مستواها التكتيكي من خلال الساحة اللبنانية كساحة بديلة للانتقام؟؟
الحاجة الإسرائيلية من جهة واستراتيجية توحيد الساحات يجعل للأسئلة جدواها بشأن “طوفان الأقصى” وتداعياته، ليس فقط على الداخل الفلسطيني وإنما على المنطقة بأكملها.. وفي انتظار أجوبة تعودنا الخوف من كونها تحمل الخيبة.. الله يستر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى