عبد المجيد تبون… رئيس يحكم من حقل للألغام

الأوبزرفر العربي ترصد التجربة بعد مئة يوم على إنتخابه رئيساً للبلاد

مرّ مئة يوم على حكم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للبلاد، وسط حقل للألغام وتحديات ورهانات قديمة وجديدة تقف أمام رغبة الوافد الجديد إلى قصر “المرادية” في إحداث التغيير الذي وعد به الشعب الجزائري، وطالب به الحراك الشعبي.

الرئيس تبون انتخب في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي بالأغلبية المطلقة (58% من أصوات الناخبين)، وتسلم مقاليد الحكم في 19 من الشهر ذاته، ودخلت معه الجزائر في مرحلة جديدة اختلطت فيها الآمال والشكوك حول قدرته على النهوض ببلد بحجم الجزائر، أنهكته سنوات الفساد وعام الأزمة السياسية.

دخل عبد المجيد تبون القصر الجمهوري، وهو يعلم – كما قال – أي “ألغام تنتظره” خاصة ما تعلق بالإرث الثقيل الذي تركه سلفه عبد العزيز بوتفليقة من قضايا فساد ووضع اقتصادي مترد، وغياب “شبه تام” للدبلوماسية الجزائرية.

قبل أن تجد البلاد نفسها في مفترق طرق جديد زاد من تعقيد مهمة تبون- وفق المتابعين- بين إرث بوتفليقة وانتشار وباء كورونا وانهيار أسعار النفط، كلها كانت بمثابة “الألغام الكبيرة” غير المحسوبة في واحد من أكثر البلدان التي بقيت تحت رحمة أسعار النفط منذ استقلالها قبل نحو 58 عاماً.

“إرث بوتفليقة وكورونا وأسعار النفط” ثالوث أرهق إدارة تبون، جعلت منه أول رئيس في تاريخ الجزائر يحكم البلاد بـ”صعوبات متفرخة”، وجرت رياح برنامجه الرئاسي بما لم تشته سفينة التغيير التي وعد بها ثامن رئيس للبلاد، الأمر الذي دفع المراقبين إلى التأكيد على “صعوبة تقييمها أو الحكم عليها”.

ورغم ما اعترض طريق تبون في بدايات ولايته الرئاسية الأولى، فإن خبراء أشاروا، في أحاديث منفصلة لـ”الأوبزرفر العربي”، إلى أن ما تحقق خلال الأشهر الثلاثة الأولى من حكمه يبقى “قفزة مهمة وبداية قطعية فعلية مع ممارسات النظام السابق”، أعاد من خلالها “هيبة الدولة” التي افتقدها الجزائريون في العقد الأخير من تاريخهم.

حتى إن تعامل السلطات الجزائرية مع الأزمة الصحية والنفطية- وفق الخبراء- أعاد جزءا من الثقة المفقودة بين الجزائريين وسلطتهم، والتي كانت واحدة من الرهانات التي أقر تبون بصعوبتها.

“الأوبزرفر العربي” تستعرض أبرز المحطات والتغييرات والأحداث والرهانات التي طبعت الـ100 يوم الأولى من حكم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

لم ينتظر تبون طويلاً، ليعلن عن أول حكومة في عهده في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بقيادة الأكاديمي عبد العزيز جراد.

وبعد عقدين كاملين من “احتكار” ما كان يعرف بـ”أحزاب الموالاة” أو “أحزاب السلطة” للحكومة، بدأت “خطوات التغيير”، كما أسماها تبون بـ”حكومة تكنوقراط” مكونة من 39 وزيراً، بعضهم “كان معارضاً لتبون”، وبعضهم كان من “المغضوب عليه” في عهد بوتفليقة.

حكومة لقيت ترحيباً “غير مسبوق” من الطبقة السياسية بما فيها أحزاب المعارضة، التي عدتها “الخيار الصحيح في التوقيت المناسب”، رغم تشكيك البعض في قدرة وزراء لا يملكون الخبرة السياسية والإدارية لتسيير إرث ثقيل وتحقيق مطالب الحراك في الوقت ذاته.

من بين أبرز الإجراءات التي اتخذها الرئيس الجزائري تبون، “إعادة تفعيل اجتماعات المجلس الأعلى للأمن القومي”، وهو المجلس الذي جُمّد في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لأسباب بقيت مجهولة، ولم يجتمع إلا مرة واحدة طوال عشرين سنة من حكمه.

كان ذلك عقب الهجوم الإرهابي الذي استهدف منشأة “تيقنتورين” الغازية في يناير/كانون الثاني 2013.

وعقد تبون أول اجتماع للمجلس في 26 ديسمبر/كانون الأول 2019، تقرر خلاله إعادة تفعيل دور الدبلوماسية الجزائرية في ملفي الأزمتين الليبية والمالية، وتأمين الحدود الشاسعة مع البلدين.

وتقرر أن يبقى الاجتماع مفتوحاً وفق ما تمليه التطورات الداخلية والخارجية، وعقد جلسات أخرى لبحث الوضع في المنطقة وانتشار وباء كورونا في البلاد.

عقب تنصيبه، كشف تبون عن أن تعديل الدستور هو “أولوية ولايته الرئاسية”، حتى إنه ربط كل التغييرات القادمة بدستور يكرس “الجزائر الجديدة” وينهي عهد “الحكم الفردي” ويحقق مطالب الحراك الشعبي.

وفي أيام ولايته الرئاسية الأولى، أعاد تبون “آلية التشاور” مع الشخصيات السياسية والأحزاب، ودخلت قصر “المرادية” للمرة الأولى منذ أكثر من عقدين شخصيات معارضة غُيّبت في عهد بوتفليقة، أبرزهم رئيسا الوزراء السابقان مولود حمروش وأحمد بن بيتور.

غير أن جائحة كورونا عطلت مسار الإعلان عن الدستور الجديد، بإقرار من الرئاسة الجزائرية التي أعلنت تأجيل الكشف عن مسودته إلى “حين تحسن الظروف التي تمر بها البلاد”.

وبعد أن شكل تبون لجنة من 16 خبيراً دستورياً، وضعت في ظرف الشهرين اللذين حُددا لها ما أسمته رئاسة الجمهورية “مواد دستورية تشكل أساساً لبناء الجمهورية الجديدة” سيعرض على الاستفتاء الشعبي هذا العام.

خلال الـ100 يوم من حكم تبون، عادت الدبلوماسية الجزائرية إلى واجهة الأحداث على الصعيدين الإقليمي والدولي، خاصة من بوابة الأزمة الليبية.

ولم يكن مفاجئاً لدى المراقبين عودة النشاط الدبلوماسي الجزائري بعد نحو عقد كامل من الغياب، خاصة أن أول خطاب للرئيس الجزائري غداة تنصيبه وأدائه اليمين الدستورية تطرق فيه للمرة الأولى للأزمة الليبية.

وشهدت الجزائر خلال الفترة الماضية، نشاطاً دبلوماسياً كثيفاً وغير مسبوق، كانت خلاله الأزمة الليبية والاستثمارات الأجنبية في السوق الجزائرية أبرز أجندات ضيوف الجزائر.

إذ زار الجزائر رئيسا تونس وتركيا ورئيس الوزراء الإيطالي، بالإضافة إلى وزراء خارجية الإمارات، السعودية، مصر، موريتانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، اليونان، الكونغو الديمقراطية وغيرهم.

كما احتضنت الجزائر أكبر اجتماع لدول الجوار الليبي بحضور ألمانيا، ضم: مصر، تونس، السودان، النيجر، مالي، تشاد، لبحث سبل حل الأزمة الليبية بعيداً عن التدخلات الخارجية.

وحرصت الدبلوماسية على التأكيد على موقفها الرافض للتدخلات العسكرية الأجنبية في الأراضي الليبية، وعدته المعرقل لعجلة الحل السلمي، وهو الموقف الذي أحرج النظام التركي رغم محاولات أردوغان “شراء قبول الجزائر تدخله في ليبيا أو على الأقل صمتها مقابل استثمارات بمليارات الدولارات”.

كما كانت السعودية أول محطة خارجية للرئيس الجزائري منذ توليه مقاليد الحكم، وهي الزيارة التي حملت دلالات “قوية”، وفق تصريحات خبراء في وقت سابق، تتلخص في “عودة الجزائر إلى عمقها العربي”.

لم تتوقف سياسة الحرب على الفساد على رموز نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والتي انطلقت بعد استقالته في أبريل/نيسان 2019، وتواصلت محاكمات أركان نظامه في عدة قضايا فساد.

وعكس توقعات أو تخوفات المحتجين، ثبت القضاء الجزائري في الفترة الماضية جميع الأحكام الابتدائية ضد “أقوى الشخصيات” في عهد بوتفليقة أبرزهم شقيقه السعيد بوتفليقة ورئيسا الوزراء السابقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال.

كما فتح القضاء الجزائري ملفات فساد جديدة حملت معها أسماء ثقيلة أخرى، على رأسهم شكيب خليل وزير الطاقة الأسبق وأكثر المقربين من الرئيس السابق، بالإضافة إلى وزراء في حكومة نور الدين بدوي.

وفي سابقة هي الأولى من نوعها، تتم دسترة الحرب على الفساد، وهو المحور الثاني في التعديل الدستوري المرتقب الذي جاء تحت عنوان “أخلقة الحياة السياسية ومكافحة الفساد بكل أشكاله وأنواعه”.

“حروب تبون” لم تتوقف عند محاربة الفساد، بل تعدت إلى إعداد قانون جديد لـ”الوقاية من التمييز وخطاب الكراهية” صادق عليه البرلمان في 23 فبراير/شباط الماضي.

وجاءت خطوة الرئيس الجزائري عقب ما قالت الرئاسة “إنه لوحظ ازدياد خطاب الكراهية والحث على الفتنة خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي”، على أن يهدف لـ”منع محاولات تفتيت المجتمع الجزائري ولتجسيد صيانة الوحدة الوطنية، لسد الباب في وجه أولئك الذين يستغلون حرية وسلمية الحراك برفع شعارات تهدد الانسجام الوطني”.

ومن أكثر القرارات المفاجئة التي قسمت المراقبين بين مرحب ومنتقد لقانونيتها، إصداره أوائل فبراير/شباط الماضي أكبر عفو رئاسي في تاريخ البلاد على دفعتين، لصالح 9765 شخصا.

واستثنى العفو 11 نوعاً من الجرائم، أبرزها قضايا الإرهاب، والخيانة، والتجسس، والتقتيل، والمتاجرة بالمخدرات، وكل جرائم الفساد.

ولخص الدكتور سليمان أعراج، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، أبرز ما تحقق خلال الـ100 يوم من حكم تبون للجزائر والرهانات التي تنتظر ولايته الرئاسية.

وقال، في حديث لـ”الأوبزرفر العربي”، إن أبرز ما تحقق خلال الفترة الماضية “هو استعادة الجزائر لشرعية المؤسسات والدولة من خلال ما أفرزته العملية الانتخابية والإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس تبون، وباشرها انطلاقاً من تعديل الدستور الذي يعتبر أهم عنوان للإصلاح، إضافة إلى استمرارية مكافحة الفساد، وعودة الدبلوماسية الجزائرية بقوة إلى الساحة الإقليمية والعربية”.

وتابع قائلاً: “كل ذلك كان بمثابة الإشارات والمؤشرات الإيجابية جداً التي يمكن أن تجسدها رؤية برنامج الرئيس تبون خلال عهدته الرئاسية”.

وعكس سلفه بوتفليقة، لم يكن طريق ثامن رئيس للجزائر نحو الرئاسة معبداً بالورود، بل اصطدمت خطط تبون للنهوض الاقتصادي بتركة بوتفليقة الثقيلة وعوامل لم تكن متوقعة.

ولم يكد تبون يشرع في إصلاحاته، حتى انهارت أسعار النفط إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل، في وقت تعتمد فيه الجزائر بنسبة 97% على عائدات المحروقات، تبعها انتشار وباء كورونا، ما دفع السلطات الجزائرية لاتخاذ حزمة من القرارات الاحترازية و”التقشفية” لمجابهة التداعيات الاقتصادية لكورونا وتراجع أسعار النفط.

ورغم كل التطمينات التي قدمها والإجراءات المتخذة، فإن جزءا من الحراك الشعبي أصر على مواصلة مظاهراته المطالبة بالتغيير الجذري، وأعلن “عدم اعترافه بالرئيس الجديد وكل القرارات التي اتخذها أو ينوي اتخاذها”، وسط تحذيرات رسمية من اختراق داخلي وخارجي للمظاهرات الشعبية من أطراف “لم تسمها”.

ويرى الأكاديمي الجزائري أن ما يعيشه العالم اليوم جراء جائحة كورونا وجراء تهاوي أسعار النفط يشكل عرقلة لوتيرة سير برنامج تبون، “لكن مع ذلك تبقى المؤشرات إيجابية لغاية الآن”.

وأشار أعراج إلى أن الرهان الذي واجه الرئيس الجزائري كبير، وزاد حجم التحديات خصوصاً مع ما فرضته أزمة الوباء العالمي وانهيار أسعار النفط، ومع ذلك يرى بأن “للجزائر إمكانيات إذا تم استغلالها بالعقلانية المناسبة والتدخل في الوقت وبالقدر المناسبين، يمكن لها أن تجسد برنامج تبون الرئاسي في الميدان”.

ويعتقد بعض المراقبين أنه رغم صعوبة وحساسية الوضع الذي تمر به الجزائر جراء كورونا وأسعار النفط، إلا أنها “تبقى في صالح السلطة الجديدة بالجزائر إذا ما أحسنت إدارة أزمتين في وقت واحد”، إضافة إلى فرصة استعادة ثقة الشارع من خلال إعادة فرض هيبة الدولة والتحرك بسرعة من خلال حزمة القرارات المتخذة.

رأي توافق معه المحلل السياسي، ونوه بأن “الراهن المستجد كان في صالح السلطة الجديدة أو لنقل حسم المسألة لصالح الخيارات التي تم تجسيدها في إطار حماية الدولة الجزائرية ومؤسساتها، وثبت بأن خيار الانتخابات الرئاسية كان عقلانياً ومنطقياً وسليماً وهو الأصلح”.

وأضاف “اتضح للجميع أن وجود رئيس للجمهورية اليوم وأداءه لأدواره واتخاذه للقرارات المهمة والحاسمة في التعامل مع الأزمات التي يعيشها البلد، أثبت أن الرهان الذي كان قبل الانتخابات الرئاسية كان خياراً ناجحاً وفاعلاً واستراتيجياً، جنب الجزائر الكثير من المتاهات، وأثبت أنه كان في صالح الشعب الجزائري وليس العكس كما روج له البعض”.

 

 

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى