لمصلحة من تجسست قطر على الجزائر؟

مصادر أمنية تكشف الدور الخطير الذي قامت به شركة "أوريدو" القطرية

تكشفت خلال الأسبوع المنصرم المزيد من التفاصيل المثيرة بعد تأكد الأنباء التي تحدثت عن “قيام شركة “أوريدو” القطرية بعمليات تجسس على البلاد ومشتركيها”.

فقد أثار طرد المدير العام لشركة “أوريدو” من قبل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الأسبوع الماضي، لأسباب تتعلق بـ”التجسس”، صدمة وجدلا كبيرا بالشارع الجزائري.

وأخذت أحاديث الجزائريين منحى جديدا في هذه القضية، مع وجود تقارير إعلامية اتهمت الشركة القطرية ببيع أشرطة مكالمات الجزائريين لمراكز دراسات غربية أكاديمية علناً واستخباراتية سراً تديرها لوبيات إسرائيلية تتبع جهاز الموساد.

ويبلغ عدد مشتركي شركة الاتصالات القطرية بالجزائر “أكثر من 5 أضعاف” عدد سكان قطر، إذ فاق عددهم نهاية 2019 وفق إحصائيات الشركة 14 مليون مشترك.

وأمر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في 19 يناير/شباط الماضي، بطرد المدير العام لشركة الاتصالات القطرية “أوريدو” الألماني نيكولاي بايكرز، بناء على مراسلة شكوى تلقاها من نقابة الشركة.

وفضحت المراسلة التمييز والانتهاكات القانونية التي قامت بها إدارة الشركة القطرية بطرد 900 من الموظفين الجزائريين دون سابق إنذار أو أسباب قانونية أو مهنية، ولم يشمل قرار الطرد العاملين الأجانب الذين يتقاضون مرتبات مضاعفة.

وسرعان ما أكدت مختلف وسائل الإعلام الجزائرية أن قرار طرد مدير عام “أوريدو الجزائر” مرتبط بـ”شبهة تجسس” تورطت فيها جهات أجنبية، كان فيها النظام القطري على قائمة تلك الجهات.

وأفادت مصادر موثوقة بأن قضية التجسس والتنصت القطرية على الجزائر بدأت مع مديرها العام الأسبق اللبناني “جوزيف جاد” الذي كان “رأس حربة التجسس القطري على الجزائر”، وسبق للجزائريين أن طالبوا بطرده في عهد النظام السابق، قبل أن يضطر لتقديم استقالته في أغسطس/آب 2016.

وتكشف المعلومات وتقارير صحفية كشفتها وسائل إعلام محلية وعربية في العقد الأخير أن شركة “أوريدو” القطرية كانت “وكراً للتجسس” على الجزائر منذ “7 سنوات”، كانت توصف خلالها بـ”الغول القطري”؛ أي منذ شراء شركة “كيوتل” القطرية أسهم شركة الاتصالات الكويتية عام 2013، والتي كانت تعمل بالجزائر تحت اسم “نجمة”.

ومن التفاصيل المثيرة في القضية تورط ما بات يعرف في الجزائر بـ”العصابة” في إشارة إلى رموز نظام الرئيس المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة في “قضية تجسس” الشركة القطرية، سواء من خلال التسهيلات الكبيرة التي منحت للشركة القطرية مقابل رشاوى وامتيازات، أو من خلال “ابتزازهم” من قبل الشركة القطرية التي عملت على التنصت على مكالماتهم.

تلك التفاصيل يمكن في سياقها إعادة فهم وقراءة تصريحات متواترة كان يدلي بها قائد الجيش الجزائري الراحل الفريق أحمد قايد صالح الذي سبق له اتهام رموز النظام السابق بـ”بيع البلاد وتدميرها وعبادها وبالخيانة وتحقيق مصالح أطراف أجنبية”.

بداية “فضيحة” التجسس القطري على الجزائر فجرتها للمرة الأولى “دام براس” وهي مؤسسة إعلامية سورية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2012، من خلال تقرير بعنوان “آل ثاني يتجسسون على الجزائريين لصالح الموساد”.

وكشف المصدر الإعلامي عن قيام شركة “أوريدو” القطرية للاتصالات بـ”تعمدها بيع أشرطة مكالمات الجزائريين لمراكز دراسات غربية أكاديمية علناً واستخباراتية سراً تديرها لوبيات إسرائيلية تتبع جهاز الموساد، من بينها مراكز في العاصمة السويدية”، وقيامها بـ”سرقة 10 دنانير جزائرية من كل تعبئة” لتمويل أنشطة مشبوهة “يعتقد أنها خارج الجزائر وتحديداً لدعم مليشيات إرهابية في سوريا موالية لقطر”.

وأوضحت السبب من بيع أشرطة مكالمات الجزائريين إلى تلك المراكز تحديداً، حيث كشفت عن أن تلك المراكز “تهتم بنمط عيش الجزائري وتفكيره في الأمور السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى الرياضية”.

كما كشف المصدر الإعلامي عن سبب صدور تقرير إسرائيلي تحدث فيه عن “تهديد” الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة بـ”توجيه ضربة عسكرية لإسرائيل”، وذكر أن الأمر يتعلق بـ”أحاديث الجزائريين التي جمعتها مراكز الدراسات عبر شبكة أوريدو للاتصالات التي بيعت لهم من خلال مئات المكالمات الهاتفية”.

عام 2012، نشر موقع “نوميديا نيوز” الجزائري وثائق أثبتت تورط شركة “كيوتل” القطرية في تمويل التنظيمات الإرهابية في عدد من مناطق النزاع بالعالم على رأسها سوريا.

كما فضح الموقع الإساءات التي كان يتعرض لها الموظفون الجزائريون في شركة “أوريدو الجزائر” بطرق “غير إنسانية ومهينة” دون تحرك من السلطات الجزائرية في ذلك الوقت.

غير أن الموقع وقناته التلفزيونية “سرعان ما حذفوا الوثائق والأخبار” بعد بيعها لرجل الأعمال محيي الدين طحكوت القابع في سجن الحراش بتهم فساد، والذي يعد واحداً من “رجال العصابة” كما تسمى في الجزائر، وهنا يُفهم جزء من تواطؤ النظام الجزائري السابق في تمكين الشركة القطرية من “الاستمرار في عمليات التجسس”.

في 2013، كشف عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية الجزائرية تفاصيل جديدة عن تجسس شركة “أوريديو القطرية”، من خلال تخصيص آلاف الأرقام الهاتفية التي يتم استعمالها لأغراض التجسس والتنصت والنصب والاحتيال.

وما زال إلى يومنا هذا متعامل الهاتف النقال “أوريدو” يرسل إلى زبائنه رسائل نصية تدعوه للمشاركة في مسابقات مزيفة بـ”ملايين الدينارات الجزائرية” عبر الاشتراك في “مواقع مشبوهة” تعمل على سرقة بيانات مشتركيها، وبعضها يرسل فيروسات إلكترونية إلى الهواتف النقالة تعمل على سرقة المعلومات والصور والفيديوهات، وفق ما ذكره اختصاصيون جزائريون لـ”العين الإخبارية”.

وعملت الشركة القطرية على توظيف أبناء كثير من المسؤولين الجزائريين ومنحتهم شرائح “أوريدو” بالمجان لعائلاتهم “المخصصة للتجسس والتنصت”، بهدف الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات على قطاعات حيوية في الجزائر.

عام 2014، أعدت صحيفة “المحور اليومي” الجزائرية تحقيقاً كاملاً عن فضيحة تجسس “أرويدو القطرية”، “وهو العام الأخير الذي توقفت فيه الصحيفة الجزائرية عن كشف فضائح قطر بعد شراء مسؤوليها بالإعلانات والامتيازات” وفق ما ذكرته مصادر من الصحيفة في مواقع التواصل الاجتماعي.

التحقيق الصحفي كشف عن واحدة “من أخطر عمليات تجسس أوريدو القطرية على الجزائر”، تمثلت في “تثبيت عتاد إلكتروني فوق عمارة عالية قريبة من قصر الجمهورية الرئاسي” دون أن تحدد الصحيفة إن كان قصر “المرادية” الجمهور في منطقة المرادية أو قصر زرالدة الرئاسي، وإن كان الوصف الذي قدمته الصحيفة يشير إلى منطقة المرادية.

وأوضحت أن تلك المعدات جعلت كثيراً من القطاعات مستهدفة على رأسها مقر رئاسة الجمهورية ومقرات أمنية، تعمل على “التنصت عليها عن بعد عبر تقنيات خاصة”.

وما أكد “خطورة وحساسية العتاد وأهمية الموقع للشركة القطرية” وفق ما ذكرته الصحيفة في تحقيقها “قيام أجانب بزيارات ليلية إلى مكان العتاد المنصب بالقرب من القصر الرئاسي لدواع تقنية، وبعضهم كان يحمل كاميرات تصوير ومناظر ليلية”.

وعلى مدار الأعوام الماضية، عملت الشركة القطرية على “اختراق الجامعات” من خلال توقيعها اتفاقيات بشعارات مختلفة بينها “ترقية الروح المقاولاتية” والتي تخفي من ورائها وفق مصادر خاصة “العمل على اختراق الجامعات الجزائرية”.

من بين الخطط التي نفذتها شركة “أوريدو القطرية” عملها على “إسكات” كثير من وسائل الإعلام الجزائرية و”شراء” العدد الأكبر من الصحفيين، وفق ما ذكرته بعض وسائل الإعلام المحلية، بشكل باتت “قوة ضغط على الإعلام”، ومستفيدة من غياب قانون للإشهار ولهث كثير من المؤسسات الإعلامية “وراء الربح السريع” وفق شهادات سابقة.

أول من فضح “المخطط الإعلامي” للشركة القطرية الصحفي الجزائري سعد بوعقبة، الذي أكد في تصريحات صحفية في يوليو/تموز 2014 تلقيه مساومات من شركة “أوريدو” التي اعترفت له بأن كتاباته عن قطر “تؤثر على استثماراتها في الجزائر”.

وكشف الصحفي الجزائري جانباً من مخطط الشركة القطرية في شراء الإعلام الجزائري بالمال القذر، وتحدث عن تلقيه اتصالات من مسؤولين في “أوريدو” لمساومته بهدف وقف كتاباته الجريئة عن “المخطط الجهنمي للنظام القطري ضد الجزائر.

وأشار إلى أن “القطريين حاولوا شراء قلمه وترويض حدة كتاباته التي أزعجت الدوحة، واتصلوا به عن طريق المكلف بالإعلام في شركة أوريدو” الذي أبلغه بأن “كتاباته يمكن أن تؤثر على الاستثمارات القطرية في الجزائر بشكل سلبي”، حاولوا خلالها “شراء قلمه وتوجيهه لصالح الإمارة”.

ووصف بوعقبة نشاط الشركة القطرية في الجزائر بـ”الألاعيب المسيسة التي تخدم أجندة قطر ضد الجزائر” وأثبت نشاطها وخرجاتها الغريبة بأنها “أداة للنظام القطري”، بشكل بات متعامل الهاتف النقال القطري “يحشر أنفه في قضايا وطنية محلية بدل الاهتمام بنشاطه التجاري” وفق تصريح الصحفي الجزائري.

ومن بين أخطر الطرق التي تعتمدها “أوريدو القطرية” في اختراق وتوجيه جزء كبير من الإعلام الجزائري “الإعلان الموجه”، إذ كشف الصحفي الجزائري سعد بوعقبة عن تدخل الشركة القطرية في الخط الافتتاحي للصحف الجزائرية والضغط على الصحفيين لخدمة الأجندة القطرية وعدم كشف ألاعيبها الخبيثة في الجزائر.

واستغلت “أوريدو القطرية” عدم وجود قانون للإشهار (الإعلان) في الجزائر، وجعلت منه “لعبة إغراءات” بشكل “أصبح يمس بالسيادة الجزائرية ويؤثر على سمعتها”، وأكدت أن “أوريدو نزعت ثوب المجمع التجاري إلى أداة سياسية بيد أمراء قطر”.

وتعالت في 2014 دعوات فتح تحقيقات في دور شركة الاتصالات القطرية في الإعلام الجزائري، وطالب نشطاء حقوقيون من وزير الإعلام الجزائري الأسبق حميد قرين التدخل لوقف ما أسموه “الانتهاك المهني لأوريدو القطرية”، غير أنه تجاهل تلك الدعوات رغم حساسية وخطورة الملف.

الحقائق المكشوفة عن الدور الخطر الذي تلعبه شركة “أوريدو القطرية” والتي أكدت أنها “واجهة وأداة محكمة للنظام القطري” أكدت أيضا أنها “ألغت كل الحدود أمام مخططها في الجزائر، من التجسس إلى تكميم الإعلام”.

واستعملت الشركة القطرية “المال القذر” لتطويع جميع وسائل الإعلام الجزائرية التي فضحت مخططاتها، من خلال شراء ذمم أكبر عدد من الصحفيين ورؤساء التحرير بإغراءات الإشهار واختراق قاعات التحرير بصحفيين يعملون لصالحها.

وتمكنت الشركة القطرية من “إسكات” مؤسسات إعلامية بـ”اتفاقيات سرية” تمنح بموجبها أموالاً طائلة على شكل إعلانات وامتيازات لمسؤولي كثير من المؤسسات الإعلامية بينها سيارات فاخرة.

وتنظم “أوريدو القطرية” سنوياً ما تسميه “مسابقة للصحافة في مجال التكنولوجيا”، حيث ذكرت بعض وسائل الإعلام المحلية أن “الهدف منها اختراق قاعات التحرير لوقف نشر أي تقرير يكشف احتيالاتها وعلاقاتها مع الموساد الإسرائيلي مقابل أموال طائلة وهدايا ثمينة”.

وما يؤكد “وجود شبكة عملاء من الصحفيين” لصالح قطر، دفاع بعض المواقع الإلكترونية والصحفيين عن “أوريدو” من خلال محاولاتهم المشبوهة والمفضوحة لـ”إبعاد شبهة التجسس عنها” دون تقديم أية أدلة عن ذلك، وعمل بعضهم على محاولة تضليل الجزائريين من خلال ربط قرار طرد المدير العام للشركة القطرية بـ”أمور لا علاقة لها بالقضية وتسيء للرئاسة الجزائرية بشكل مباشر”.

ولعل ما يؤكد مخاوف النظام الحاكم في قطر من “خروج فضائح شركته في الجزائر” من خلال السعي الدؤوب لأداته “أوريدو” لإسكات الإعلام الجزائري وشرائه ومن “ثم الضغط عليه”، “تلك العقود التي توقعها الشركة القطرية مع المؤسسات الإعلامية الجزائرية”.

عقود لا يمكن وصفها إلا بـ”السم المدسوس في العسل”، إذ تلزمها في عقود الإشهار (الإعلان) بـ”تثمين الأحداث التي تنظمها أوريدو والدفاع عن صورتها وعلى مصالحها”.

وتجعل منها في الأخير ما يشبه “العجينة الطيعة في أيديها بشكل لا يزعجها ولا يفضح مخططات قطر على الجزائر”، وتكميم جميع الأفواه المعارضة للدور القطري المشبوه في البلاد.

 

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى