غزة وتغيير موازين القوى في الشرق الأوسط

محمد حسن الساعدي

الأحداث الأمنية الجارية في فلسطين وما تتعرض له غزة من عدوان إسرائيلي فتك بكل شي حي، مثلّت نقلة نوعية ساهمت في تغيير خارطة الأحداث في الشرق الأوسط الجديد وخط المواجهة المحتمل. وهي علامة أخرى على أن الشرق الأوسط لن يعود إلى ما كان عليه سابقاً، حيث اجتمعت عوامل مهمة في تغيير الخارطة السياسية، وساهمت في أن يكون العديد من مكونات الشرق الأوسط أضعف مما كان عليه عام 2011. وبقراءة تحليلية من المرجح أن تزداد ضعفاً، فهناك عوامل متعددة خارجة عن سيطرة الحكومات الإقليمية جزئياً على الأقل، ولكنها ستتطلب تركيزاً متجدداً منها.

باتت الحرب التي تشنها إسرائيل على فلسطين، تحديداً قطاع غزة، تمثل اختباراً حقيقيا لمفهوم وحدة الجبهات التي قد نشهد اتساع رقعتها لتنضم جبهات أخرى إلى المواجهة. وتشير التقارير إلى أن الخطاب اللافت الذي ألقاه زعيم أنصارالله  عبدالملك الحوثي في العاشر من الشهر الجاري، أشار فيه بوضوح إلى أن اليمنيين مستعدون لأداء واجبهم المقدس في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني.

وهذا ما يعني أن رقعة المواجهة مع الولايات المتحدة قد تتسع، وأن واشنطن غير قادرة على الدخول في صراع مباشر مع محور المقاومة، لأن ذلك ستكون له تداعيات خطيرة على المصالح الأميركية والصهيونية في المنطقة. إلى جانب العراق الذي لعب هو الآخر دوراً مهماً سواءً في الجانب الرسمي أو موقف المرجعية الدينية العليا أو الموقف الشعبي الرافض، وأيضا لعب دوراً كبيراً ومهماً في مواجهة عصابات داعش الإرهابية وأظهر حماسه الكبير لدعم المقاومة الفلسطينية.

تؤكد التقارير أن الرئيس الأميركي جو بايدن طلب من إسرائيل تأجيل الغزو الإسرائيلي البري على غزة إلى حين إطلاق سراح المحتجزين بوساطة قطرية، وأن بايدن سعى إلى تأخير الغزو البري لغزة من أجل أطلاق سراح هؤلاء لذلك ضغط باتجاه تأجيل هذا الاجتياح. ما يعني أن واشنطن بدأت تعي تماماً قواعد اللعبة، وأن إسرائيل اليوم ليست إسرائيل الأمس، والعكس صحيح، فحماس والمقاومة الفلسطينية ليستا حماس ومقاومة الأمس. قواعد التفاهم تغيرت تماماً والمتغيرات في المنطقة أصبحت أمراً واقعاً، وهناك عنصر آخر دخل لعبة التفاوض اسمه “حماس”.

إدارة بايدن تحاول حالياً تحقيق أهداف في دعمها لإسرائيل، فهي تسعى لمواجهة التوترات بين تحقيق التقدم في هذه الأهداف وبين إشراك دول الشرق الأوسط بالأهداف الإستراتيجية الأميركية سواءً على الصعيد الدبلوماسي أو الأمني، وهو ما سيمنع اندلاع حريق أوسع نطاقاً، إذ كان الأسبوع الماضي صعباً بالنسبة لإدارة بايدن مع التصعيد الخطير وارتفاع أعداد القتلى بين صفوف الجيش الإسرائيلي والأميركي على حد سواء.

يرى الكثير من المحللين والمراقبين للمشهد في الساحة الفلسطينية أن الأزمة الحالية قد تحدد مستقبل التعامل الأميركي مع المنطقة ككل. وأن خيوط اللعبة تغيرت تماماً، بالإضافة إلى أن مناطق الاشتباك أصبحت أكثر توازنا بين الكيان الإسرائيلي وما وراءه، وبين فلسطين ومن يقف خلفها.

ينبغي على الجميع أن يدرك هذه الحقيقة ويتصرف وفق هذه المعطيات، وليس فقط بمعايير الشعوب والدول في الشرق الأوسط، بل لإقامة نظام دولي جديد يحترم كل طرف فيه الطرف الآخر، وعلى أساس المصالح المشتركة بين جميع الأطراف، والذي سيوصل إلى تحقيق أعلى المكاسب والمصالح الاقتصادية والمالية، وبالتالي الاجتماعية والثقافية.

أما فيما يتعلق بالربيع العربي، فمن يرغب في أن يشكل شرقا أوسط جديدا عليه أن يفكر ألف مرة بالعواقب والضحايا التي ستنجم عن هذا المخطط، فعسى أن يتخلص كل هؤلاء من هذا التفكير، ويكفيهم ما كسبوه من دروس في إقامة هذا النظام. بل ينبغي أن يتوقف الجميع عن رفع شعار “شرق أوسط كبير” ويرفع شعار “شرق أوسط جديد” وعلى يد أبنائه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى