لودريان يهدد بتكثيف الضغط على المسؤولين اللبنانيين لإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية

ترى الأوساط اللبنانية إلى أن زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى البلاد، هذه المرة مختلفة بشكل كامل، وأن لقاءاته بالرؤساء الثلاثة كانت باردة، وأنه استمع إلى مبرراتهم أكثر من أن يتحدث إليهم، وأنه حمّلهم مسؤولية إفشال مبادرة فرنسا لتشكيل حكومة اختصاصيين في لبنان.

وهدد لودريان بتكثيف الضغط على الساسة اللبنانيين واتهمهم “بالانتحار الجماعي” لتقاعسهم عن إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية الكبيرة.

واستنادا إلى أوساط سياسية لبنانية، فقد بدا أن لودريان يقصد كل الطبقة السياسية اللبنانية، وأن باريس تلوم الجميع، وأنها ترفع شعار لا محاباة لأي زعيم لبناني بعد الآن.

المسؤولون اللبنانيون لا يشعرون بقيمة الوقت

ويبدو أن المسؤول الفرنسي لم يستوعب بعد كيف أن كلاما قيل الصيف الماضي لم يجد مجالا للتطبيق ونحن على أبواب الصيف التالي، وأن المسؤولين اللبنانيين لا يشعرون بقيمة الوقت وحجم استمرار الأزمة لأشهر إضافية على حساب أزمة اقتصادية واجتماعية حادة ستزيد من معاناة اللبنانيين.

ولم يتطرق وزير الخارجية الفرنسي في لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين إلى المشكلة الأساسية التي يعاني منها لبنان والمتمثلة في هيمنة حزب الله وإيران على البلاد.

وقال جان إيف لودريان للصحافيين الجمعة إنه يجب على فرنسا، التي قادت جهود تقديم المساعدات الخارجية للبنان، أن تتحرك لمواجهة المأزق السياسي، بعد أشهر من محادثات تشكيل الحكومة الجديدة التي وصلت إلى طريق مسدود.

إجراءات عقابية صارمة

وأضاف لودريان أنه إذا استمر هذا الوضع فستكون هناك إجراءات عقابية صارمة، على المستوى الفرنسي وربما على مستوى الاتحاد الأوروبي، ضد المسؤولين اللبنانيين الذين يعرقلون سبيل الخروج من الأزمة.

ولم يرد لودريان على أسئلة حول توقيت فرض تلك الإجراءات أو الأشخاص الذين ستستهدفهم.

وكان لافتا تأكيد لودريان أن بلاده بدأت تنفيذ إجراءات تقييدية ضد شخصيات لبنانية مسؤولة عن الانسداد السياسي الحالي، وأنه يمكن تشديد تلك الإجراءات بدعمها بأدوات ضغط أوروبية، وهي رسالة واضحة تفيد بأن الأمر ليس موقفا فرنسيا يمكن تجاوزه بالرهان على عامل الوقت، وأن العقوبات قد تتوسع لتصبح موقفا أوروبيا جماعيا.

وتساءل النائب في البرلمان اللبناني أنور الخليل عما إذا كانت الرسالة الحازمة من وزير الخارجية الفرنسي إلى السياسيين اللبنانيين المعرقلين لتشكيل الحكومة قد أظهرت أن المجتمع الدولي، أقله فرنسا، يرى أن لبنان مصاب بانفصام الشخصية؟

وما لم يفهمه المسؤولون الفرنسيون، وعلى رأسهم الرئيس إيمانويل ماكرون، هو كيف يمكن لمسؤولين لبنانيين أن يتسابقوا لإظهار تبنيهم للمبادرة الفرنسية وإظهار الحماس لتنفيذها واعتبارها حلا سحريا لأزمات لبنان ثم يتركون تلك التعهدات وراء ظهورهم بمجرد انتهاء تلك اللقاءات؟

وعبر الخليل عن أمله في أن تكون رسالة لودريان هي ما يحتاجه المعرقلون لأجل شفائهم من هذه الازدواجية.

لقاءات لودريان

وقال لودريان في تصريحات للصحافيين غداة سلسلة لقاءات عقدها في بيروت، أبرزها مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، “من الملحّ بالفعل إيجاد سبيل للخروج من المأزق السياسي الراهن”.

واعتبر أنه “حتى اليوم لم يرتق اللاعبون السياسيون إلى مستوى مسؤولياتهم ولم يبدأوا العمل جديًّا لتعافي البلاد بسرعة”، محذرا من أنه “إذا لم يتحركوا الآن بمسؤولية فعليهم أن يتحمّلوا عواقب هذا الفشل”.

وتقود فرنسا منذ أشهر ضغوطا دولية لتشكيل حكومة اختصاصيين، لم تثمر بسبب الانقسامات السياسية والخلافات على الحصص. واتهم لودريان الجمعة المسؤولين بقيادة البلاد إلى الموت. وقال “أنا هنا تحديدًا لمنع هذا النوع من الانتحار الجماعي الذي ينظمه البعض”.

وفي محاولة لمضاعفة الضغوط على الطبقة السياسية فرضت فرنسا الشهر الماضي قيودًا على دخول شخصيات لبنانية تعتبرها مسؤولة عن المراوحة السياسية والفساد. ولم يتم حتى الآن الإفصاح عن هوية الشخصيات أو ماهية القيود.

وهدد لودريان بأنه إذا استمرت حالة المراوحة فقد يصار إلى “تشديد هذه الإجراءات أو توسيعها” لتطال مسؤولين آخرين، دون أن يذكر أسماءهم. وشدّد المسؤول الفرنسي على أنه “يعود للمسؤولين اللبنانيين أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون الخروج من المأزق الذي وصلوا إليه”.

شروط المجتمع الدولي

ويشترط المجتمع الدولي على لبنان، خصوصًا منذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس، تنفيذ إصلاحات ملحة ليحصل على دعم مالي ضروري يخرجه من دوامة الانهيار الاقتصادي التي يعاني منها منذ أكثر من عام ونصف عام.

لكن بعد مرور نحو تسعة أشهر على استقالة حكومة حسان دياب إثر الانفجار، ورغم ثقل الانهيار الاقتصادي والضغوط الدولية، لم يتمكن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من تشكيل حكومة، على وقع خلاف على الحصص مع التيار الوطني الحر الذي يتزعمه جبران باسيل صهر الرئيس عون. وقالت مصادر لبنانية إن باسيل بذل كل ما في وسعه للقاء لودريان لكن الوزير الفرنسي اكتفى بلقاء الرؤساء الثلاثة.

والتقى لودريان ممثلين عن مجموعات معارضة، ممن شاركت في حركة الاحتجاجات غير المسبوقة التي شهدتها البلاد عام 2019 واستمرت أشهرا للمطالبة برحيل الطبقة السياسية كافة. ونقلت هذه المجموعات إلى المسؤول الفرنسي خشيتها من أن تعمد الطبقة السياسية إلى تأجيل الانتخابات التشريعية المرتقبة في ربيع 2022.

إلا أن لودريان شدّد على أنّ “احترام الجدول الزمني الديمقراطي في لبنان أمر واجب ولن يقبل المجتمع الدولي أي محاولة للتأجيل”.

وغالبا ما يستغرق تشكيل الحكومات أشهرًا عديدة جراء الانقسامات السياسية الحادة والخلاف على الحصص. لكن الانهيار الاقتصادي الذي فاقمه انفجار المرفأ وإجراءات مواجهة فايروس كورونا كانا من أبرز العوامل التي لا تسمح بالمماطلة.

وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان مرتين منذ انفجار المرفأ وكرر مطالبة القوى السياسية بتشكيل حكومة تتولى الإصلاح، حتى أنه أعلن في سبتمبر عن مبادرة قال إن كل القوى السياسية وافقت عليها ونصت على تشكيل حكومة خلال أسبوعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى