محددات نجاح خطة ترامب لإنهاء حرب غزة

ضياء نوح
في لقاء هو الرابع منذ عودته للبيت الأبيض أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 سبتمبر 2025، خطته للسلام وإنهاء الحرب في غزة، بعد أيام من لقاء قمة جمعه بقادة عرب ومسلمين تعهّد خلالها ترامب بعدم ضم إسرائيل للضفة الغربية.
الخطة الأمريكية المكونة من 20 بندًا تقترب إلى حد كبير من المقترحات التي نشرتها “واشنطن بوست” و”فاينانشال تايمز”، إلا أن الرئيس الأمريكي حرص على إظهار الدعم الواسع الذي تحظى به الخطة من قادة وحلفاء أوروبيين وعرب ومسلمين بجانب تلبية المطالب الأمنية الإسرائيلية إلى جانب تعهده الشفهي بعدم ضم إسرائيل لأي أراضٍ إضافية.
وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي أبعاد الخطة الأمريكية وحدود التغير بين الخطة النهائية والمقترحات المتداولة إعلاميًا، وفرص نجاحها في إنهاء الحرب على غزة وانعكاساتها على القضية الفلسطينية.
دلالات النص والمضمون
تضمنت خطة الرئيس الأمريكي لإيقاف الحرب بغزة (في 21 نقطة) تعديلات للدول العربية والإسلامية، إلى جانب الاستجابة لضمانات أمنية للجانب الإسرائيلي قبيل الإعلان عنها في المؤتمر الصحفي المشترك لدونالد ترامب وبنيامين نتنياهو. ويمكن الإشارة لأهم ما تضمنته الخطة على النحو التالي:
(*) وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى: تتضمن الخطة تجميدًا للعمليات العسكرية والشروع في عمليات تبادل تبدأ من إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين من الأحياء وكذلك رفات وجثامين القتلى خلال 72 ساعة من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ ويضمن وقف القصف الجوي والمدفعي والانسحاب إلى خطوط متفق عليها لتنفيذ عمليات التبادل. وعقب اكتمال عودة المحتجزين تفرج إسرائيل عن 250 فلسطينيًا من المحكومين بالمؤبدات إلى جانب 1700 من المعتقلين الغزيين عقب السابع من أكتوبر 2023 وخاصة النساء والأطفال، وفي مقابل رفات كل محتجز إسرائيلي ستفرج إسرائيل عن 15 جثمانًا لمواطنين غزيين.
(*) إدخال المساعدات ورفض التهجير: شغل بند المساعدات الإنسانية جانبًا مهمًا من الخطة لم يكن مطروحًا بوثيقة “واشنطن بوست”، إذ اعتمدت خطة ترامب الأخيرة إدخال المساعدات عبر الأمم المتحدة ووكالاتها والهلال الأحمر، بعيدًا عن سيطرة أي من طرفي النزاع، مع خضوع معبر رفح على الجانبين لذات الآلية المتبعة في اتفاق 19 يناير 2025. ويعد إدخال المساعدات الإنسانية بكميات كافية وإنهاء معاناة الغزيين خطوة أساسية لتأكيد الالتزام في البندين الثاني والثاني عشر واللذين نصا على تنمية غزة لصالح الغزيين وحدهم، وعلى عدم إجبار أي أحد على مغادرة القطاع وعلى حق الراغبين في المغادرة مؤقتًا بالعودة وتشجيعهم على “بناء غزة أفضل”.
(*) الحوكمة والأمن: يتقدم بند نزع السلاح وتدمير البنى التحتية العسكرية ومنشآت تصنيع السلاح بإشراف مراقبين مستقلين على جميع الإجراءات المرتبطة باليوم التالي وهو ما عهدته به الخطة للقوى العربية والإسلامية التي تمتلك تواصلًا مباشرًا مع حركة حماس، بينما ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحجم الانسحاب أو بالأصح إعادة انتشار جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث لا تزال تتمسك حكومة نتنياهو ببناء جدار أمني لا يزال من غير المعلوم إن كان داخل أراضي القطاع أو في محيطه، باستثناء ما نصت عليه الخطة في البند 16 بعدم احتلال أو ضم القطاع. وبالتالي يبقى الدور الأمني لإسرائيل محط نقاش في إطار جهود تجسيد الخطة على أرض الواقع وتدعيمها بخطوات تفصيلية حال المواقفة عليها.
وفي إطار توفير ضمانة أمنية مستدامة تقترح الخطة نشر قوة استقرار دولية مؤقتة بالتعاون بين الولايات المتحدة والشركاء العرب والدوليين تتولى التشاور مع مصر والأردن، وتشرف على تدريب ودعم قوات شرطة فلسطينية ستنتشر داخل القطاع. كما يُناط بها حظر دخول الذخائر والوسائل القتالية، وتأمين المناطق الحدودية والمعابر بالعمل مع مصر وإسرائيل، وتأمين إدخال المساعدات الإنسانية. ويرتبط حجم انتشار القوة بالانسحاب التدريجي لجيش الاحتلال في ضوء عملية نزع سلاح القطاع، وفي حال رفض حماس للخطة ستنتشر القوة تدريجيًا في المناطق الآمنة بعد انسحاب جيش الاحتلال منها.
تتضمن الخطة إطارًا لتشكيل هيئة دولية تسمى “مجلس السلام” تعد تطويرًا لخطة الوصاية الأمريكية، حيث يترأس ذلك المجلس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويضم في عضويته عددًا من قادة الدول ومن بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، ويشرف المجلس على تمويل خطة تنمية وإعادة إعمار غزة حتى تُكمل السلطة الوطنية الفلسطينية الإصلاحات المطلوبة في العديد من الوثائق المرتبطة بعملية السلام ومنها “خطة ترامب 2020” وإعلان نيويورك بشأن حل الدولتين برعاية السعودية وفرنسا، كما يشرف ويتابع المجلس أعمال حكومة تكنوقراطية تضم كوادر فلسطينية وخبراء دوليين تتولى تسيير الأعمال وتقديم خدمات الإعاشة للغزيين.
ويرتبط المسار الاقتصادي للخطة في إطار “خطة ترامب للتنمية الاقتصادية” بقدرة مجلس السلام على توفير الأمن وجذب الاستثمارات التي ستعتمد بالدرجة الأولى على تنمية عقارية لمجموعة من المدن والمشروعات السكنية التي تم الإشارة إليها مسبقًا في وثيقة “واشنطن بوست” وتسريبات “فاينانشال تايمز”، إلى جانب تدشين منطقة اقتصادية خاصة بتعريفات تفضيلية ورسوم دخول منخفضة للدول المشاركة فيها دون الإشارة تفصيليًا لطبيعة تلك المنطقة ونشاطها، الذي ارتبط في المقترحات المسربة بإقامة مراكز بيانات أمريكية وبنية تحتية متطورة ومحاور سريعة تحقق رؤية ترامب للسلام والاندماج الإقليمي مع خضوع المحور اللوجيستي المقترح للسيطرة والنفوذ الأمريكيين.
محددات النجاح
حرص الرئيس الأمريكي على إعطاء زخم دولي لخطته المقترحة من خلال استعراض رؤيته مع عدد من الدول العربية والإسلامية الفاعلة بجانب التوافق مع الجانب الإسرائيلي على الخطوط العريضة التي تضمن أمن إسرائيل وتعطي لحكومة نتنياهو فرصة البقاء في إطار التزامات طويلة الأمد غير محددة ويخضع بعضها لمزيد من النقاشات على المسارين السياسي الداخلي الإسرائيلي والدولي مع شركاء السلام من دول المنطقة والحلفاء الغربيين خاصة بعد موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية.
وعلى الرغم من أهمية الخطة كإطار عام لبناء سلام مستدام إلا أنها تفتقر لضمانات حقيقية بشأن التزام إسرائيل بتنفيذها، فمن جهة تبقي لإسرائيل اليد الطولى ليس فقط في إطار معركتها مع الفصائل الفلسطينية، وإنما في إعلان انتصارها على إيران ومحورها وفك العزلة الدبلوماسية التي باتت تتسع يومًا بعد آخر بعد تبني المقاربة العسكرية عبر تعزيز مسار السلام الإبراهيمي برعاية ودعم الولايات المتحدة رغم انتهاكها سيادة نحو 4 دول عربية، ودون التزام بإطار زمني محكم لإقامة دولة فلسطينية أو وقف وتجميد الاستيطان كضمانة أساسية لنجاح أي مسار سياسي لحل الدولتين.
ويتطلب نجاح الخطة موافقة الفصائل الفلسطينية على الخطة المعلنة التي تهدف لإقصائهم وتحييد سلاحهم مع الالتزام بعدم إعطائهم دور مستقبلي في إدارة القطاع، وربما في مجمل العملية السياسية الفلسطينية إذا ما اختارت إسرائيل ذلك في أي مناقشات مستقبلية بشأن تنفيذ الخطة أو في المحادثات المأمولة مع السلطة الفلسطينية برعاية الولايات المتحدة التي لن تُستأنف في المدى المنظور، وهو ما يتطلب على الجانب الآخر دعمًا سياسيًا وماليًا وأمنيًا للسلطة الوطنية والتزام إسرائيل باتفاقات أوسلو وتوفير آليات متعددة الأطراف لضمان الاستقلال المالي لأجهزة ومؤسسات السلطة، فضلًا عن مشاركة ممثل عنها في مجلس السلام المقترح إلى جانب عدد من القادة العرب المعنيين بالملف الفلسطيني.
وختامًا؛ على الرغم من انحيازها لإسرائيل، تمثّل خطة ترامب رؤية يمكن البناء عليها بين الأطراف الفاعلة في الملف الفلسطيني باستثناء الفصائل التي تستهدف الخطة بالأساس إقصائها ونزع سلاح القطاع. وفيما تقدم الخطة لإسرائيل ضمانات أمنية واسعة، فإنها تمنحها كذلك انفراجة دبلوماسية عبر مزيد من الاعتراف والاتفاقيات مع دول عربية وإسلامية باتفاقيات السلام الاقتصادي أو كبوابة للمشاركة في قوة الاستقرار الدولية، وهو ما يتضح في سلوك إندونيسيا التي أعربت مبكرًا عن رغبتها في المساهمة بأي جهود حفظ سلام أممية بالقطاع كما أعرب رئيسها في خطابها الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن انفتاحه على السلام مع إسرائيل ضمن جهود إنهاء الصراع. ويمثل الترحيب الدولي بالخطة تشجيعًا لإدارة ترامب على المضي قدمًا في مسار إنهاء الحرب الوحشية على الفلسطينيين وضغطًا مباشرًا على أطراف الصراع للقبول بحلول تنهي معاناة المدنيين وتستعيد الأفق السياسي لحل الدولتين.