فساد مونديال قطر: المدعي العام السويسري متهم

منذ أن منحت قطر حق استضافة كأس العالم في العام 2010، تطرح الكثير من الأسئلة حول هذه الخطوة التي تحولت شيئا فشيئا إلى قضية فساد دولي تاريخية، هزت عرش الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وكل من اشترت الدوحة صوته من أجل أن تحصل على هذا الشرف الذي يتحول يوما بعد يوم إلى نقمة على كل الأطراف المتورطة.

لم تكد تغيب صورة ميشيل بلاتيني، رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، عن الإعلام الفرنسي والعالمي على خلفية تورطه في قضية حصول قطر على كأس العالم بعد شراء صوته وهو الذي كان يدعم أميركا لاستضافة البطولة، حتى حلت محلها صورة المدعي العام السويسري، مايكل لاوبر، وبعناوين مشابهة عن اجتماعات سرية للتأثير في مواقف المدعي العام السويسري مايكل لاوبر.

وبينما كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الوسيط بين قطر وميشيل بلاتيني، كان رئيس الفيفا جياني إنفانتينو الوسيط بين لاوبر، الذي يتابع تحقيقات تنظيم كأس العالم في روسيا عام 2018، وفي قطر عام 2022، وبين الدوحة.

مستنقع الفساد

عاد لاوبر إلى الأضواء على خلفية خبر إيقاف ترشيحه لولاية ثالثة في سبتمبر المقبل. وكشفت صحيفة “نيو زيورخر زيتونغ” السويسرية بشكل مفصل تفاصيل هذا الملف والدور القطري الذي أغرق الاتحاد الدولي لكرة القدم في مستنقع من الفساد ودمر مصداقيته دون أن تنجح الدوحة في أن تستثمر هذا الحدث العالمي لصالحها، بل بالعكس تحول هذا الامتياز إلى دليل آخر على الطرق التي تتوخاها الدوحة من أجل تحقيق أهدافها، وإلى أي مدى يمكن أن تصل حالة الفوضى والتدمير التي تخلفها نتيجة ذلك؟

لا ينفي المراقبون هنا أن للاتحاد الدولي لكرة القدم دورا أيضا في فتح المجال للدوحة لتحقيق ما تصبو إليه، بل إن البعض يقول إن تاريخ الفيفا مع قضايا الفساد يعد الأرضية الأنسب التي يمكن للقطر أن تستثمر وتتحرك فيها، وتشتري فيها أصوات مسؤولين على غرار لاوبر الذي دارت حوله الشبهات إثر ثلاثة اجتماعات عقدها المدعي العام السويسري مع رئيس الفيفا، جياني إنفانتينو.

ذكر معد التحقيق مارسل غير تفاصيل اللقاءات مشيرا إلى أن مايكل لاوبر التقى مع إنفانتينو لأول مرة في 22 مارس 2016، في فندق شفايتزرهوف في بيرن. ويملك هذا الفندق شركة الديار القطرية للعقارات. وتكرر لقاء ثالث في هذا الفندق الذي تقع في طابقه الأول سفارة قطر في سويسرا بشكل مؤقت. وكشفت الوثائق أن الدوحة تكفلت بمصاريف اللقاءات.

وتأتي أهمية المدعي العام السويسري بالنسبة لقطر في أنه يقوم، منذ مارس 2015، بمتابعة تحقيقات تنظيم كأس العالم في قطر عام 2022. وعبر لاوبر في ذلك الوقت عن شكوك في أنه يتم منح الرشاوى بشكل غير رسمي لأعضاء الهيئة الانتخابية: اللجنة التنفيذية السابقة للفيفا.

وإذا استطاع مكتب المدعي العام إثبات المخالفات المالية في الانتخابات، فسيتعين عليه فرض العقوبة المناسبة. وكان الأمر سيكون كارثيا بالنسبة للفيفا ولقطر الغارقة في عدد كبير من القضايا والتي وجهت إليها اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان في ما يتعلق بملف كأس العالم، كما تواجه تراجعا في صورتها الدولية على المستوى السياسي وتوترا في علاقتها مع دول إقليمية ودولية عديدة. ويقول مارسل غير إن إمكانية إقامة كأس العالم في الدولة الخليجية في ظل هذه الظروف تبقى محل تساؤل. وتعيش قطر والفيفا أزمة حقيقية فكل من إنفانتينو وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد لديهما مصلحة في عدم توجيه الاتهامات إليهما في وقت تظل فيه الإجراءات الجنائية معلقة، ولا تزال الأمور تسير ضد مجهول بعد أربع سنوات ونصف السنة من التحقيقات.

ومع كل كشف جديد تزداد الأمور تعقيدا بالنسبة للدوحة التي تدرك جيدا مدى حساسية الأمر. وأصبحت تحركات المسؤولين القطريين محل اهتمام ومتابعة دقيقة، لذلك أثارت زيارات المدعي العام القطري علي بن فطيس المري المتكررة لسويسرا الكثير من الأسئلة.

وأشارت الصحيفة السويسرية في تحقيقها إلى تداخل كبير بين عمل المدعي العام السويسري ونظيره القطري علي بن فطيس المري الذي كان يزور سويسرا بانتظام تحت غطاء تفويض من الأمم المتحدة وإتمام بعض الأنشطة والأعمال في جنيف.

وسعى المري إلى الاستفسار عن حالة الإجراءات الجنائية نيابة عن الشيخ تميم وأعرب عن قلقه بشأن العواقب المحتملة ما يشير إلى حالة الارتباك القطري في ملف الفساد. وللمدعي القطري علاقات قوية تربطه بنظيره السويسري تشكلت في سبتمبر 2015، عندما انعقد المؤتمر السنوي للجمعية الدولية للمدعين العامين في زوريخ.

ويبدو أن المدعي العام القطري استغل تلك العلاقات للتأثير على التحقيقات وقلب الحقائق قي سياسات قطرية معهودة، على حد تعبير مارسل غير. والتقى لاوبر والمري في 6 مارس 2018 في برن لإجراء مقابلة مدتها 45 دقيقة قبل التوقيع على مذكرة تفاهم بين سويسرا وقطر، ما يشير إلى مساع وخطط قطرية لربط علاقات مع المدعي العام يمكن من خلالها توجيه التحقيقات بما يخدم الملف القطري ويبعد عنه شبهات الفساد.

ليس المدعي العام السويسري فقط من يملك علاقات نافذة مع صناع القرار القطريين، فرئيس الفيفا له اتصالات دائمة بالقطريين في مسائل وصفت بأنها مهنية حيث زار جياني إنفانتينو قطر وروسيا المنظمتين لكأس العالم 2018 و2022، في أبريل 2016.

في موسكو، قضى إنفانتينو ساعة من الوقت وهو يتبادل الآراء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي اليوم التالي، في 21 أبريل 2016، استقبل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إنفانتينو في الدوحة. ولرحلة العودة إلى زوريخ تم حجز مقعد “4 كي” بزنيس على الرحلة رقم 93 للخطوط الجوية القطرية لرئيس الفيفا. وتم اكتشاف هذا الحجز عندما تواصل إنفانتينو مع مقر الفيفا في زوريخ لإلغاء الرحلة.

وفي 22 أبريل 2016، كان عليه أن يحضر مؤتمرا إعلاميا غير مخطط له مع وزير الرياضة القطري. كان على إنفانتينو أن يلحق بموعد مهم في زوريخ في الساعة 6 مساء، ولم يرغب في تفويته. وكانت الدوحة حريصة على أن يصل إنفانتينو في ميعاده لمقابلة لاوبر لذلك عرض عليه أمير قطر السفر على إحدى طائراته الخاصة. استطاع إنفانتينو الوصول في الموعد المحدد في 22 أبريل 2016 على الساعة 6 مساء في مطعم “أو بريميير” في محطة زوريخ الرئيسية حيث اجتمع مع لاوبر للمرة الثانية.

وقد اعترف لاوبر بعقد اجتماعين مع إنفانتينو، قائلا إنه قد تم إجراؤهما للمساعدة في تقدم التحقيقات. مع ذلك، ادعى أنه لا يتذكر أي اجتماع ثالث. وقال النائب ألفريد هير، من حزب الشعب السويسري (يمين محافظ)، إن “مثل هذه الاجتماعات السرية خطر يهدد العديد من الإجراءات الجنائية الجارية ضد الاتحاد الدولي لكرة القدم”.

أصابع خفية

يكشف تحقيق الصحيفة السويسرية كيف تتحرك أصابع قطر الخفية في كل الاتجاهات لغاية وحيدة وهي إبعاد التهم عن الدوحة بالتورط في أكبر فضيحة فساد كروية في تاريخ المونديال. لكن لا يبدو أن الدوحة نجحت في مسعاها مع تصاعد الأيادي الرافعة للورقة الحمراء في وجهها وفي وجه الفيفا، فيما تفتح تحقيقات من جهات متعددة.

وتحقق السلطات الفرنسية أيضا في الطريقة التي أسند بها تنظيم مونديال 2022 إلى قطر، وسط شبهات بأن الدوحة دفعت عشرات الملايين من الدولارات رشاوى لمسؤولين في الفيفا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى