هذا ما حصدته أمريكا بعد 15 عاما من سقوط بغداد





قلب الاحتلال الأمريكي للعراق كل قواعد الاستقرار النسبي القائم فوق أرض رخوة، وعمّت الفوضى في كل مكان، وانطلقت أبشع أنواع الحروب الطائفية، التي برزت في حاضنات مشاريع إقليمية، رسخت قواعدها القوى الكبرى.
9 أفريل 2003 كان الموعد الذي قلب التاريخ، وغيّر كل مفاهيمه، وأعاد ترتيب خارطة الشرق الأوسط، بتخطيط جديد، رسمته إدارة البيت الأبيض، بصياغة كذبة دوّنها التاريخ بخط عريض، سعيا إلى تطبيقها في واقع بثا فيه الاضطراب، ووعدا بترتيبه وفق نظم متقدمة: رفاه، حرية، ديمقراطية!
بغداد حاضرة التاريخ، تبتلع كذبة التاريخ الحديث، وتشهد انهيار أركانها، وتترقب وعد “بوش” الكاذب، فلا رفاه ولا حرية.
أدرك العالم، هول الدمار القادم، ورأى بعين الاستشراف، ما سيحل بالشرق الأوسط، بما يعري كذبة “بوش”، لكنه عالم انقسم بين خانع وشريك ورافض، لا يملك في رفضه سوى خطاب رسمي، لم يوقف عجلة الغزو الهمجي.
أدان الفاعل نفسه!
حصدت الغزوة الأمريكية– البريطانية ثمار خيباتها منذ الأيام الأولى، وأغلق جورج بوش فمه خوفا من أن يعيد للأذهان وعدا، لم يف به، فانطلقت وزيرة خارجيته غونداليزا رايس في تصريحات رسمية، تعترف بارتكاب آلاف الأخطاء في غزو العراق.
وليس هناك من يجرؤ على إلقاء اللوم على فشل خيارات السياسة الأمريكية، وانعدام مصداقيتها، وعدم امتلاكها البدائل في معالجة الكوارث الناتجة عن سياساتها، وهذا يعني إنها لا تملك استراتيجية واضحة تجاه الشرق الأوسط.
بريطانيا وتقرير تشيلكوت
بريطانيا التي ورثت قدسية سلطة القانون، لم تفوِّت أخطاء رئيس الوزراء سابقا توني بلير، دون الخضوع لمنطق القضاء، لتبرئ هيبتها من كذبة تاريخية.
ويشير تقرير لجنة تشيلكوت التي توّلت مقاضاة بلير إلى فشل الحكومة، وفشل الأجهزة الاستخباراتية، وفشل الجيش، وأن توني بلير، رئيس الوزراء في ذلك الوقت، أدار حكومته بطريقة تشير إلى أن العواقب المحتملة والممكنة للتحرك العسكري في العراق لم تُدرس على نحو مناسب على الإطلاق.
وأنه عندما أُرسل الجنود البريطانيين من الرجال والنساء إلى العراق للمخاطرة بأرواحهم “لم يكن هناك تهديد وشيك”:
اختارت بريطانيا المشاركة في غزو العراق قبل استنفاد الخيارات السلمية لنزع السلاح.
القرارات بشأن خطورة التهديد الذي تشكله أسلحة الدمار الشامل في العراق قدمت بثقة لم تكن مبررة.
كان التخطيط والاستعدادات للعراق في مرحلة ما بعد صدام غير ملائمة تماما.
الحكومة فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة.
روسيا تحصي خسائرها بعد الغزو الأمريكي للعراق 
وجَّه مفكرون وخبراء روس الاتهامات لإدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على موقفها السلبي تجاه الولايات المتحدة لغزوها العراق واتهام الكرملين بالرهان الخاسر على إيران.
خرجت المظاهرات في كبريات المدن الروسية وفي أهم جامعاتها، كما تكاتفت عشرات الآلاف من مسلمي روسيا يهتفون في مظاهرات ساخنة انتهت إحداها بإعلان الجهاد وفتح باب التطوع لقتال الأمريكيين في أرض الرافدين.
روسيا فقدت مزايا عدة إثر الغزو الأمريكي للعراق، كان أهمها خسائر نحو عشر شركات نفطية منها:
شركة تاتنفت شركة سيبنفت *شركة زاروبيغ نفت *شركة لوك أويل.
وعملت شركتا زاروبيغ نفت ولوك أويل في جنوبي العراق في حقول يزيد إجمالي احتياطيها على 14 بليون برميل، وبعقود قيمتها نحو ستة مليارات دولار.
وتعطلت الشراكة الاقتصادية مع العراق بعد أن كانت موسكو وقعت بالفعل مع بغداد قبل الغزو عقودا قيمتها 40 مليار دولار لإتمام أكثر من مائة مشروع بأيد روسية.

مكاسب روسيا لم تكن في حسابات البيت الأبيض 
لكن سلة الخسائر الروسية، قابلتها سلة تحمل المكاسب الجيوسياسية، التي اعتبرتها موسكو نصرا، لم تحسب له أمريكا حساب:
شكلت روسيا تحالفا مع فرنسا وألمانيا، في شكل محور رافض للهيمنة الأمريكية على العالم.
إطلاق رسالة للعالم أن ما يجري في العراق ليس مشروعا عالميا تقوده أمريكا.
المصادقة على اتفاق روسي- فرنسي يوقف أي دور لحلف الناتو في غزو العراق، وساهم هذا الاتفاق في عرقلة ربط القواعد الأمريكية المنتشرة من قاعدة انجرليك التركية إلى قاعدة الدوحة في الكويت.
تصدر روسيا بموجب الاتفاق مع فرنسا وألمانيا النفط والغاز وتحصل في المقابل على التقنية الحديثة والأموال اللازمة للنهضة الاقتصادية.
وبعيدا عن المكاسب الجيوسياسية، فإن قيادة الرئيس فلادمير بوتين، قد استغلت التورط الأمريكي في العراق، وراحت تنفذ استراتيجيتها العميقة، إعادة بناء وجودها، أمام حلف الناتو، ويعرقل المشاريع العالمية الأمريكية، وهذا ما كانت تصبو إليه موسكو منذ البدء.
أمريكا تغيِّر خططها العسكرية 
رغم الوضع المعقد للخصوصية التركية، وعلاقتها مع الناتو، فإنها رفضت استغلال أراضيها من قبل الجيش الأمريكي لغزو العراق، ورغم ما قدمه البيت الأبيض من إغراءات للحكومة التركية مقابل استخدام أراضيها وموانئها ومطاراتها.
ومنعت استخدام قواعد الناتو في انجرليك وباتمان وديار بكر من قبل القوات الأمريكية لضرب العراق، واكتفت بالسماح لها بمراقبة مناطق الحظر الجوي في الأجواء العراقية.
كما منعت عبور الفرقة الرابعة الأمريكية من أراضيها للوصول إلى شمال العراق، مما اضطرت القيادة المركزية الأمريكية إلى تغيير خططها العسكرية، وتوجيه السفن المحملة بالقوات العسكرية نحو قناة السويس في طريقها للخليج العربي، وتكليف المقاتلات الرابضة في البحر الأحمر بتوجيه ضرباتها مباشرة إلى أهداف في شمال العراق.
إيران تفتح أجواءها أمام المقاتلات الأمريكية 
وجدت إيران في الاحتلال الأمريكي للعراق، إزاحة أكبر قوة عربية، عطلت مشاريعها التوسعية، ومنعتها من تنفيذ خطط هيمنتها على الخليج العربي، فأعلنت في خطاب إعلامي وقوفها على الحياد عندما تبدأ أمريكا بغزو العراق، لكنها أجرت اتصالات سرية مع واشنطن في أوائل ديسمبر 2002 في باريس تم بمقتضاها السماح للطائرات الأمريكية والبريطانية باستخدام الأجواء الإيرانية، وتقديم معلومات عن الأسلحة العراقية، وقدرات الجيش العراقي، ووسائل الوصول لها في ضربات صاروخية.
ودعت إيران في نفس الفترة التي أعقبت الاتصال السري مع واشنطن، ما يعرف بالمعارضة العراقية الموالية لإيران والقوى السياسية الكردية، تمخض عنه تشكيل قيادة كردية شيعية للعراق بعد احتلاله، وتشكيل ميليشيات مسلحة “قوات بدر” / الجناح المسلح للمجلس الإسلامي الأعلى/ وجيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، وتوظيف المرجع الإسلامي الشيعي الأعلى في الإفتاء بشرعية الغزو الأمريكي.
تقارير ونصائح إسرائيل لقوات الغزو الأمريكي
ادعت إسرائيل أنها لا شأن لها بالغزو الأمريكي للعراق، خوفا من إثارة الرأي العام العربي، وتشويه الخطاب الأمريكي المعلن، لكنها كانت تنتظر سقوط بغداد، لضمان تدمير أكبر مؤسسة عسكرية، لا تبتعد كثيرا عن حدود المواجهة مع فلسطين المحتلة، فقدمت التقارير الاستخباراتية والنصح للحليف الأمريكي.
واعتبرت وزارة الدفاع الإسرائيلي في بيان لها أن العراق لا يشكل خطرا على إسرائيل وحدها، بل يشكل خطرا على الاستقرار الإقليمي.
الجامعة العربية في موقف مربِك 
وقفت الدول العربية على حافة الخوف المطلق، لما سيتمخض من احتلال العراق، فهي الواقعة بين مطرقة الضغط الأمريكي وسندان ضغط الشارع العربي المساند للعراق في مواجهة حملة الغزو الأمريكي، فقسم الخبراء الاستراتيجيين الموقف العربي إلى أقسام:
دول ارتبطت أمنيا وسياسيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وأخذت موقف التابع لها وهي: الكويت، قطر، البحرين، سلطنة عمان.
دول ترتبط أمنيا وسياسيا بالولايات المتحدة الأمريكية، لكن الرأي العام فيها لا يتفق مع سياسات أنظمته، مثل مصر والأردن وتونس والمغرب والسعودية.
دول لم تتفق مع سياسات أمريكا حول القضايا العربية المصيرية: الجزائر، ليبيا، سوريا، اليمن، لبنان، السودان وفلسطين.
قوات الاحتلال الأمريكي انطلقت من الكويت، واستخدمت قواعدها العسكرية في البحرين وقطر وعمان.
الخلاصة:

أجرت إيران اتصالات سرية مع واشنطن في أوائل ديسمبر 2002 في باريس تم بمقتضاها السماح للطائرات الأمريكية والبريطانية باستخدام الأجواء الإيرانية، وتقديم معلومات عن الأسلحة العراقية، وقدرات الجيش العراقي، ووسائل الوصول لها في ضربات صاروخية.
عبد الرحمن جعفر الكناني – كاتب عراقي


Related Articles

Back to top button