بوتين وأردوغان يضغطان سويا على أوروبا





ألكسندر نازاروف
توصلت “غازبروم” الروسية، نهاية مايو الماضي، إلى اتفاق نهائي مع أنقرة بشأن شروط مدّ خط أنابيب الغاز “السيل التركي” حتى حدود الاتحاد الأوروبي لتصدير الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا.
هذا الاتفاق يمنح قادة الدولتين روسيا وتركيا على حد سواء أوراق لعب قوية في الضغط على الاتحاد الأوروبي.
في سياق آخر فقد تم تجديد عقد إمدادات الغاز الطبيعي الروسي إلى النمسا حتى عام 2040، خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى هناك في الأيام الأخيرة، كما أوقفت اللجنة الأوروبية، نهاية مايو الماضي، التحقيقات الخاصة بمنع الاحتكار ضد شركة “غازبروم” الروسية دون فرض أي غرامات على الشركة، ويأتي ذلك بالتزامن مع الموقف الألماني الصلب (على الرغم من الضغوط الشديدة للغاية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية) الذي يقضي بضرورة مدّ خط أنابيب الغاز “السيل الشمالي – 2″، الذي يربط روسيا بألمانيا مباشرة.
لقد أصبح من الواضح أن محاولات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بناء حواجز بين روسيا وبقية أوروبا قد باءت بالفشل، بيد أن الانقسام وعدم الترابط في سياسة أوروبا نفسها فيما يتعلق بالشأن الروسي يكلفها كثيرا.
لعل الخاسر الأكبر من ذلك هو بلغاريا، التي رفضت عام 2014، بضغط من بروكسل، مدّ خط إمدادات الغاز “السيل الجنوبي” الذي يصل بين روسيا وبلغاريا، ما تسبب في خسارة صوفيا ليس فقط لضمان إمدادات غاز رخيص وموثوق، وإنما أيضا لخسارة 750 مليون دولار سنويا، تكاليف عبور هذا الغاز عبر أراضيها. لقد حاول الاتحاد الأوروبي وقتها الضغط على “غازبروم” بشتى الطرق، في محاولة منه لخفض سعر الغاز الروسي، ومجابهة المحاولات الروسية للتخلي عن ضخ الغاز عبر أراضي أوكرانيا غير الموثوقة، التي كانت تسرق الغاز من الأنابيب التي تمر عبر أراضيها، وتتبنى سياسة معادية لروسيا. لقد كان الرئيس البلغاري رومين راديف في زيارة لبوتين منذ أسبوعين، وطلب منه مسامحة بلغاريا عمّا حدث منذ سنوات، وإعادة إحياء مشروع خط الأنابيب، لكن بوتين تجنب إطلاق وعود بهذا الشأن، وطرح عددا من الشروط. علاوة على ذلك فإن حتى ربط بلغاريا بخط إمدادات الغاز الروسي “السيل التركي” حاليا لن يتم سوى بالاتفاق مع أنقرة، أي أن بلغاريا ودول جنوب أوروبا الآن سوف تحصل على إمداداتها من الغاز الروسي من خلال تركيا، التي ستحصل بذلك على فرصة رائعة للضغط على الاتحاد الأوروبي في قضايا أخرى.
أقول إن مكانة تركيا بالنسبة لأوروبا سوف تتنامى أيضا عقب افتتاح خط إمدادات الغاز الطبيعي عبر الأناضول في 12 يونيو الجاري، والذي سوف ينقل الغاز من أذربيجان عبر تركيا إلى أوروبا، على الرغم من أن حجم الغاز المنقول عبر هذا الخط ليس كبيرا، ولا يمكن أن يشكل منافسة مؤثرة لـ “غازبروم”، ولكنه يوفر، رسميا على الأقل، بديلا لـ “غازبروم”، التي يمكنها الآن أن تطمئن بشأن اتهامات الاحتكار وغرامات اللجنة الأوروبية، وسوف يعزز نجاح “غازبروم” في الاتجاه التركي من آفاق تنفيذ “السيل الشمالي”.
بذلك تكاد روسيا، بشكل أو بآخر ووفقا للمشهد العام، أن تضمن الوصول إلى أحد الأهداف الرئيسية لسياساتها الخارجية في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفيتي، وهو تنويع وجهة صادرات الطاقة، حيث أنه من المزمع الانتهاء من مدّ خطوط إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر بحر البلطيق وعبر تركيا، وإلى الصين نهاية عام 2019، لتتحرر روسيا، وللمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، من الاعتماد على أوكرانيا في جزء كبير من تجارتها الخارجية، ولتحصل روسيا، للمرة الأولى، على إمكانية تغيير وجهة صادرات الغاز، واستخدام ذلك كورقة ضغط. لم تكن روسيا قبل هذا الحين تمارس هذا الضغط، على الرغم من اتهامات الغرب لها بذلك، لأنها ببساطة لم تكن تستطيع، حتى لو أرادت ذلك، حيث كانت أوروبا تملي على روسيا شروطها، لكونها المحتكر لعملية شراء الغاز الروسي. أما الآن سوف يصبح الموقف عكسيا، بل وستعزز تركيا من الموقف الروسي، نظرا لأنها هي الأخرى ليست الشريك الأمثل للاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أن القيادة الروسية رفضت ولا زالت ترفض رفضا قاطعا أي نوايا لاستخدام الطاقة كورقة ضغط، إلا أن تلك الإمكانية سوف تصبح متاحة لروسيا ولو موضوعيا، وربما سيغير ذلك كثيرا من لهجة الحوار بين روسيا وأوروبا، وبين روسيا والغرب بصفة عامة.


Related Articles

Back to top button