قراءة في التحول الأردني تجاه الجماعة الإخونجية ومحورها

أصدرت محكمة التمييز الأردنية، الأربعاء، قرارا حاسما يقضي باعتبار الجماعة الإخونجية “منحلّة حكما وفاقدة لشخصيتها القانونية لعدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية وفقا للقوانين الأردنية”.

وتقول السلطات الأردنية إنها لا تتدخل في شؤون القضاء، لكن البعد السياسي كان واضحا في القرار، وعكس رسالة مباشرة موجهة لدول المقاطعة بأن الأردن حسم أمره، بعد عدد من الرسائل التي فسرت بأنها إشارات متذبذبة بالميل نحو محور الدوحة وأنقرة.

وحمل قرار حل الجماعة الإخونجية في الأردن رسائل واضحة إلى الجماعة داخل الأردن يفيد مضمونها بأن لا أحد فوق القانون، كما وجه رسالة إقليمية واضحة مفادها أن الأردن يبني علاقاته على حسب مصالحه، وأن مصلحته الآن في صف السعودية والإمارات لكونه يبحث عن دعم عاجل لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي زادت تعقيدا بسبب مخلفات كورونا على قطاعات حيوية مثل السياحة.

وراهنت الجماعة على أن وجود قنوات تواصل بين الأردن وقطر والنظام التركي قد يعفيها من خطوة قانونية كانت منتظرة منذ مدة. لكن مصادر أردنية تؤكد أن المملكة الهاشمية كانت دائما تفصل بين التعاملات الاقتصادية والتجارية وبين القرار السيادي، وأن التعاون الاقتصادي المحدود مع أنقرة وقطر لا يمكن أن يجعل عمان جزءا من تحالف يثير الأزمات في المحيط الإقليمي ويسير نحو العزلة.

وقالت المصادر إن المملكة الهاشمية كانت دائما أقرب إلى السعودية والإمارات في سياستها الخارجية ضمن محور الاعتدال العربي، وفي تعاملاتها الاقتصادية، وأنها حظيت ولا تزال تحظى بالدعم بمختلف أشكاله، وهذا ما يفسر قرارها بخفض التمثيل الدبلوماسي مع قطر في أزمة 2017 في خطوة تؤكد دعمها لرباعي المقاطعة ضد سياسات الدوحة.

وأضافت أن إعادة العلاقة مع الدوحة لاحقا كان هدفها من جانب الأردن تنويع الحلول الاقتصادية للخروج من أزمته الاقتصادية، ولم يكن انحيازا إلى تحالف مثير للجلبة.

ووجدت عمان أن وعود الدعم القطري لم تكن سوى مزايدة سياسية على وعود دعم سعودية وإماراتية جدية كانت مخصصة للأردن. وتعهدت قطر في يونيو 2018 بتوفير 10 آلاف فرصة عمل للأردنيين، مع استثمار 500 مليون دولار في مشاريع البنية التحتية والسياحة في المملكة. وتعهد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد خلال زيارته الأخيرة إلى عمان بتوفير 10 آلاف فرصة عمل جديدة للأردنيين، كما وجه بدعم صندوق التقاعد العسكري الأردني بمبلغ ثلاثين مليون دولار. وإلى الآن لم تتحقق تلك الوعود.

وبات الشارع الأردني على ثقة بأن قطر تهدف بالدرجة الأولى إلى إرباك علاقة الأردن بمحيطه العربي، وخاصة بدول الخليج وعلى رأسها السعودية، التي تستمر في دعم عمان بعيدا عن الاستثمار الإعلامي الذي تقوم به الدوحة.

من جهة ثانية، اعتبرت مصادر سياسية عربية أنّ قرار محكمة التمييز الأردنية والقاضي بحظر جماعة الإخوان المسلمين يشير إلى مدى الحذر في عمان حيال الجماعة. ومعروف أن للجماعة جذورها العميقة في المملكة وامتدادات في صفوف الأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية.

ورأت المصادر السياسية العربية أنّ أكثر ما تخشاه السلطات الأردنية هذه الأيّام هو عودة جماعة الإخونجية إلى التحرّك مستفيدة من الأزمة المعيشية من جهة ومن الوضع الإقليمي من جهة أخرى، خصوصا في ظلّ تصاعد الدور التركي.

ووصف مصدر أردني قرار محكمة التمييز، الذي يستند إلى حيثيات قانونية، بأنّه رسالة واضحة إلى جماعة الإخونجية يفيد مضمونها بأنها ليست فوق القانون، وذلك على الرغم من استفادتها طويلا من كونها التنظيم الحزبي الوحيد الذي يمتلك قواعد شعبية في الأردن.

وكانت الأسرة الهاشمية المالكة تتعامل دائما مع الإخونجية بحذر وتقترب وتبتعد عنهم بمواقيت ومناسبات مختلفة، واعتبرت أنهم تيار سياسي “فلسطيني” في الأردن، لكن الإخوان تمكنوا من إحداث اختراقات حقيقية في المجتمع الأردني.

وأشار المصدر إلى علاقات وثيقة تربط بين إخونجية الأردن و”حماس” المدعومة من إيران وتركيا في الوقت ذاته.

وأوضح في هذا المجال أنّ الأردن الذي يرفض أي تدخل في شؤونه الداخلية، يخشى استغلال إيران والنظام التركي الوضع الإقليمي من أجل ضرب استقراره الداخلي عن طريق التحالف القائم بين “حماس”، التي تمثل جماعة الإخونجية في الأراضي الفلسطينية، وجماعة الإخوان في الأردن.

وقررت السلطات القضائية الأردنية حلّ جماعة الإخونجية التي تشكل مع ذراعها السياسية، حزب جبهة العمل الإسلامي، المعارضة الرئيسية في البلاد، وذلك “لعدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية”.

وتعتبر السلطات الأردنية الجماعة غير قانونية لعدم حصولها على ترخيص جديد بموجب قانون للأحزاب والجمعيات أقر في 2014.

وقال الناطق الرسمي باسم الإخونجية معاذ الخوالدة “هذا الحكم غير قطعي وفريقنا القانوني مجتمع من أجل تقديم الدفوعات والأوراق القانونية من أجل الاستئناف”.

وبرز تياران إخونجيان في الأردن، واحد معارض والآخر قريب إلى الحكم، حاولت السلطات التمييز بينهما، لتسارع قطر وأنقرة إلى التدخل في مسعى لـ”رأب الصدع” بين التيارين، مما يعني أن الإخونجية يتعاملون مع “الأزمة” بطريقة قضية يمكن تسويتها وليست خطرا ماثلا على حضورهم في الأردن.

 

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى