النخبة السياسية الفاسدة في ليبيا لا تريد الانتخابات

الحبيب الأسود

ينتظر الليبيون بفارغ الصبر ما ستفرزه اجتماعات لجنة الحوار السياسي بجنيف بداية من الاثنين، وما سينتج عن عملية التصويت لانتخاب قادة المرحلة القادمة وهم رئيس المجلس الرئاسي ونائباه ورئيس الحكومة ونائباه، رغم أن أغلب المؤشرات تؤكد أنه قد حصّل ما في الصدور، وأن التوافقات حصلت فعلا إقليميا ودوليا، والمفاوضات في الداخل توصلت إلى الدفع برئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى رئاسة الرئاسي، وبوزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا إلى رئاسة الحكومة، وأن المناصب السيادية المتفق حولها في منتجع بوزنيقة المغربي، ستوزع بعد الإعلان عن السلطات التنفيذية الجديدة، ضمن محاصصة جهوية الهدف منها تقاسم الغنائم وتوفير الترضيات الضرورية لضمان تأبيد الأزمة.

يطمح صالح إلى كرسي الرئاسة الذي لم يكن يحلم به في حياته، قبل أن يتم انتخابه عضوا للبرلمان عن الدائرة الفرعية “القبة” في يونيو 2014، ثم رئيسا له في مقر انعقاده بطبرق. ورغم دعمه للجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، إلا أن اعتراف اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015 بمجلس النواب باعتباره المؤسسة التشريعية المنتخبة، أعطاه دورا مهما، مقابل تلاعب دولي بالتفاصيل، جعل من مجلس الدولة الاستشاري في غرب البلاد، المشكل من أعضاء المؤتمر الوطني العام المنتهية صلاحيته، ندّا للبرلمان المنتخب، وشريكا له في القرار، تنفيذا لمخطط إعادة رسكلة الإخوان بعد فشلهم في انتخابات 2014 وانقلابهم على نتائجها.

فتح صالح أبواب الحوار مع مجلس الدولة، وبالتالي مع جماعة الإخوان التي تعترف بأنها كانت وراء مخرجات الصخيرات، وأنها تبحث عن اتفاق جديد مماثل له، يرفع عنها حرج المشاركة في انتخابات جديدة ترجح أنها ستكون الخاسر الأكبر منها، واختار للمفاوضات معه نوابا مقربين منه، ليتنازلوا قدر الإمكان للطرف المقابل.

كل ذلك من أجل هدف واحد وهو تقاسم السلطة خلال المرحلة القادمة، رغم معرفته بأن الإخوان رتّبوا المسائل بشكل يجعلهم يتحكمون من وراء الستار في كل مفاصل الدولة، حتى أنه لا يمكن أن يمر قرار أو موقف أو مشروع دون موافقتهم، ومنحتهم المبعوثة الأممية بالوكالة ستيفاني وليامز أدوات الضغط والتأثير، عندما أعطتهم الأغلبية في لجنة الحوار رغم فقدانهم للسند الشعبي والاجتماعي ودورهم التخريبي على امتداد السنوات العشر الماضية.

خلال ملتقى تونس في نوفمبر الماضي، استطاع الإخوان وحلفاؤهم مستعينين بالمال السياسي المبذول بسخاء، إسناد أهم الصلاحيات التنفيذية والسياسية لرئيس الحكومة القادمة، الذي سيكون من إقليم طرابلس، وتم إفراغ المجلس الرئاسي من صلاحياته، وتقييده بضرورة الإجماع على أي قرار بين رئيسه الذي سيكون من شرق البلاد ونائبيه الممثلين للغرب والجنوب.

سيتم الدفع بصالح لرئاسة الرئاسي، ليكون مجرد واجهة لإقليم برقة في هيكل سياسي عاجز، حيث ستكون له فرصة الاجتماع بأعيان القبائل والحوار معهم حول العادات والتقاليد والتاريخ والأنساب، في مواجهة الصلاحيات الواسعة للحكومة التي ستؤول رئاستها إلى فتحي باشاغا المدعوم من الإخوان وميليشيات مصراتة ومن عدة دول ترى فيه الأقدر على خدمة مصالحها، وليس الأجدر بقيادة ليبيا.

لا أستغرب أن يجد صالح أمامه خالد المشري وقد تولى منصب نائب له عن إقليم طرابلس، ربما ليتمّا الحديث عن قبيلتيهما، العبيدات في الشرق والحرارات في الغرب، وهو الحديث الذي ذكره المشري في مقابلة تلفزيونية مؤخرا، عندما أشار إلى مأدبة عشاء جمعت بينهما في المغرب، وقد وصل إليها صالح مقطب الجبين، معكّر المزاج، فما كان منه إلا أن بادره بالسؤال عن قبيلته وأحواله لتنفرج أساريره ويفك عقدة اللقاء.

عندما تحدثت وليامز مؤخرا عن الديناصورات التي لا تريد ترك المجال لغيرها في الساحة الليبية، والتي لا يهمها شيء بقدر ما يهمها التحكم في الثروة والاستفادة منها، وعندما ذكر المبعوث السابق غسان سلامة قبل أيام أن الطبقة السياسية الليبية فاسدة ولا تريد انتخابات تفقدها امتيازاتها، كانا يدركان ما يقولان، ويعلمان أن ما يجري التوافق عليه من الأطراف المتناقضة، هو البقاء أطول مدة ممكنة في الحكم، والاستفادة أكثر ما يمكن من السلطة والنفوذ والوجاهة والثروة بعقلية مستبدة، ومغرقة في الأنانية الفردية وفي الحسابات العقائدية أو الجهوية، حيث يحاول كل طرف التحصن سواء بقبيلته أو مدينته أو ميليشياته.

قبل أسبوع، وجه رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الدورة الحالية لمجلس الأمن، كان محورها الأبرز هو الدعوة إلى توفير ضمانات دولية عبر قرار ملزم بتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها المقرر ليوم الرابع والعشرين من ديسمبر القادم.

يدرك السراج جيدا أن ما حصل في الغردقة المصرية من اتفاق وفدي مجلس النواب ومجلس الدولة إلى اللجنة الدستورية، على استباق الانتخابات بتنظيم استفتاء على مسودة الدستور المرفوضة تقريبا من الجميع، ما عدا جماعة الإخوان وفريق صالح الذي سبق وأن رفضها في أكثر من مناسبة، يدخل ضمن خطة لتأجيل موعد الانتخابات، لأن الاستفتاء على المسودة الحالية غير ممكن، بما يفرض إعادة صياغتها وما سيفرضه ذلك من جدل وحوارات ومشاورات مع الفعاليات السياسية والاجتماعية والقبلية والعرقية والثقافية.

وفي حالة رفض المسودة من الشعب سيتم تدوين مسودة أخرى، ليتأخر موعد الانتخابات عاما أو عامين، فقط من أجل أن يتمتع المسؤولون الجدد بأطول مدة ممكنة من الحكم، وبأكثر ما يمكن تحقيقه من الامتيازات، ومن أجل أن يواصل الإخوان تغلغلهم في مفاصل الدولة دون شرعية انتخابية وغطاء شعبي.

أما عامة الليبيين، فلا أحد ينتبه إلى قضاياهم ومشاكلهم ومعاناتهم اليومية، لأنها ببساطة غير مدرجة في أولويات الاهتمام لا لدى نخبتهم  السياسية ولا لدى القوى الإقليمية والدولية التي لا تهتم إلا بضخ النفط والغاز وتحريك الأموال المجمدة في بنوك العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى