انقسامات جديدة في صفوف إخونجية المغرب بعد عودة بنكيران لقيادتهم

أثارت عودة عبد الإله بنكيران أمينا عاما لقيادة الأمانة العامة حزب “العدالة والتنمية” الإخونجي في المغرب، انقساما كبيرا داخل الحزب، نظرا لشخصيته الصدامية، مقابل الحاجة الملحة إلى الاعتماد على شخصية تنظيمية ومتزنة خلال هذه المرحلة الدقيقة.

ويترأس بنكيران “العدالة والتنمية” خلفا لسعد الدين العثماني الذي قدم استقالته بعد الهزيمة المدوية التي لحقت بالحزب في الانتخابات التشريعية التي أجريت في سبتمبر الماضي بالمملكة.

ووفق المصادر، فإن عددا من قيادات وأعضاء إخونجية المغرب قد عبروا عن رغبتهم في تجديد دماء الحزب لما يفرضه الواقع اليوم من تجديد للأفكار، والعمل بمبدأ التداول على القيادة، بدل حصر الأمانة العامة بيد أسماء ووجوه “مستهلكة”.

مغامرة غير محسوبة العواقب

ويرى عدد من المتتبعين للشأن السياسي في المغرب، أن المراهنة على عبد الإله بنكيران لتدبير المرحلة المقبلة يعد بمثابة مغامرة غير محسوبة العواقب، نظرا للدور الذي لعبه خلال السنوات الماضية في تأجيج أزمات الحزب الداخلية، مما انعكس بشكل كبير على صورته الخارجية.

ويحاول حزب “العدالة والتنمية” الإخونجي، امتصاص الغضب الشعبي على أدائه خلال قيادة الإتلاف الحكومي لولايتين متتاليتين.

فقد نحو 90 بالمئة من مقاعده

وقد سجل الحزب تراجعا كبيرا خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث فقد نحو 90 بالمئة من مقاعده في البرلمان، وهي النتائج التي أحدثت زلزالا هز الأمانة العامة للحزب وعجل بعقد مؤتمر استثنائي لإعادة ترتيب البيت الداخلي.

واقترن اسم عبد الاله بنكيران الذي قاد إخونجية المغرب إلى رأس الحكومة خلال أعوام 2011 و2016، بالشخصية الجدلية المحبة للعب دور “الزعامة” بين قيادات الحزب، ويتهمه خصومه السياسيين باعتماد الطابع واللغة “الشعبوية” من أجل كسب ثقة وتعاطف المواطنين والناخبين.

انتقادات واسعة

ويعتبر الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي عمر الشرقاوي أن الخطاب “الشعبوي” الذي ارتكز عليه عبد الإله بنكيران خلال فترة ترأسه للحكومة، بات متجاوزا اليوم وغير مقبول.

ويستبعد الشرقاوي، أن “يكون لخطاب بنكيران نفس الوقع والتأثير مثل السنوات الماضية، نظرا لتغير السياقات وبالنظر للرهانات الحالية التي لا تتطلب هذا النوع من الخطابات”.

وقد طالت عبد الإله بنكيران الذي يعود لترأس الأمانة العامة لـ”العدالة والتنمية” الإخونجي، انتقادات واسعة خلال فترة قيادته للحكومة، بسبب قرارات استهدفت الطبقة الوسطى، من بينها ضعف الزيادة في الأجور ورفع سن التقاعد وغيرها من الإجراءات التي انعكست سلبا على فئات مجتمعية بعينها.

كما تسبب بنكيران بجدل واسع وحالة من الغضب وسط المغاربة، بسبب استفادته من راتب تقاعدي استثنائي قدر بنحو 9 آلاف دولار شهريا، واتهمه الكثيرون بالتناقض بين الخطاب والممارسة السياسية، من خلال الاستفادة من نظام “الريع”.

ويؤكد الشرقاوي أن السياسات والخطابات السابقة لبنكيران قد أتبث فشلها، في ظل ما أسفر عنه تدبير تلك المرحلة من نتائج لا ترقى إلى مستوى التطلعات.

النفق المظلم

ويلفت الشرقاوي، إلى أن بنكيران لا يشكل اليوم بالنسبة لـ”العدالة والتنمية” سوى خيارا للخروج من النفق المظلم، معتبرا أن النتائج “الكارثية” للحزب في الانتخابات الأخيرة هي ما سهلت عودته للأمانة العامة لا أقل ولا أكثر.

من جهته، يؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط عباس الوردي إلى أن اختيار بنكيران لقيادة حزب “العدالة والتنمية” أملته النتائج المدوية للحزب في انتخابات الثامن من سبتمبر، والتي سبقتها انقسامات داخلية، وبروز تيارات أدت إلى إحداث شرخ داخل الحزب.

صراع الأجنحة

ويعود اسم بنكيران إلى المشهد السياسي بالمغرب بعد غياب دام حوالي 5 سنوات، عقب إعفائه من تشكيل الحكومة عام 2017 إثر حالة الانسداد السياسي التي شهدتها المملكة آنذاك وعرفت إعلاميا بفترة “البلوكاج الحكومي”، بسبب رفض بنكيران شروط زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، للالتحاق بالحكومة.

وعين العاهل المغربي حينها الرجل الثاني في الحزب سعد الدين العثماني الذي قبل شروط أخنوش، وشكل الحكومة في ظرف لم يتجاوز الأسبوعين.

انقسام داخلي

وشهد الحزب منذ تلك الفترة انقساما داخليا وصراعا محموما بين تيار محسوب على بنكيران وآخر تابع للعثماني، كانت تغذيه أزمات عدة فجرتها ملفات مختلفة من أبرزها فرنسة التعليم والمصادقة على مشروع قانون القنب الهندي، وصولا إلى نتائج الانتخابات الأخيرة.

خلافات بنكيران لم تقتصر على العثماني، بل طالت قيادات أخرى داخل الحزب، التي كانت ترفض تصريحاته المسيئة والتي تساهم في تأجيج الوضع الداخلي.

ويعتبر الشرقاوي أن ” المشاكل الداخلية التي شهدها حزب “العدالة والتنمية” انعكست بشكل سلبي على أداء الحزب خلال ترأسه الحكومة، كما شكلت واحدة من بين مسببات الانتكاسة التي حلت به في الانتخابات الأخيرة”.

ويضيف أن ” بنكيران لعب دور كبير في بروز هذه المشاكل، حيث لم يفوت فرصة طيلة الأربع سنوات الماضية من أجل التشويش على عمل الحكومة وتصفية الحسابات مع خصومه داخل الحزب”.

خلافات جديدة داخل الحزب

وبعد يوم واحد فقط من تقلد عبد الإله بنكيران رئاسة “العدالة والتنمية”، برزت خلافات جديدة داخل الحزب، أدت إلى تقديم عدد من الأعضاء استقالتهم.

وكشفت مصادر مطلعة، أن هناك رفض قوي لمحاولة بنكيران السيطرة على الحزب من جديد عبر إقصاء الشباب والكفاءات من عضوية الأمانة العامة.

وكانت ابنة عبد الإله بنكيران أول المهددين بالاستقالة عقب انتخاب والدها أمينا عاما للحزب، بعد أن عبرت عن رفضها للائحة الأمانة العامة.

وكتبت سمية بنكيران عبر صفحتها على موقع فيسبوك: “مع حبي وتقديري لوالدي، أعتقد أن العديد من اختيارات الأمانة العامة غير صائبة، أعتقد أنني سأعجل بقرار الاستقالة الذي لطالما آخرته”.

ويشير المحلل السياسي عباس الوردي، إلى أن مهمة بنكيران من أجل رأب الصدع بين أعضاء الحزب على اختلاف توجهاتهم لن تكون بالمهمة السهلة.

ويعتبر المتحدث، أن بنكيران يواجه تحدي صعب من أجل إعادة بناء الثقة داخل الحزب، لأجل اجتياز هذه المرحلة الاستثنائية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى