طالبان قادمة وأفغانستان ذاهبة

فاروق يوسف

تحت غطاء ديمقراطيتهم صنع الأميركان حكومة شرعية بالمقاييس الغربية غير أن تلك الحكومة لم تقو على السيطرة على بلد مثل أفغانستان فظلت الدولة خارج نطاق السيطرة وليس هناك طرف أفغاني في إمكانه أن يزعم أن دولة أفغانستان التي كانت قائمة في مرحلة ما قبل الغزو السوفييتي عام 1979 لا تزال قائمة.

جاء الغزو الأميركي عام 2001 بمثابة الضربة الأخيرة التي وجهت إلى الدولة في أفغانستان. فإذا كان الأميركان قد نجحوا عن طريق الخداع والكذب في إقناع أنفسهم بأن الهيكل الفارغ والمتداعي الذي ركبوه يمكن أن بشكل بداية جديدة سيتمكن الأفغان من خلالها من إعادة الاعتبار إلى الدولة التي قضت نحبها بشكل نهائي حين انتصرت حركة طالبان في الحرب الأهلية ففقدت دولة أفغانستان الاعتراف الدولي بشرعية وجودها فإن تلك القناعة تناقض الحقيقة التاريخية.

كانت حركة طالبان تحكم من غير أن تكون هناك دولة.

وكان معلوما بالنسبة إلى أجهزة المخابرات الغربية أن الحركة التي رفضت تسليم بن لادن بعد واقعة برجي نيويورك يمكنها أن تعيش إلى الأبد وأن تغذي وجودها من الداخل الأفغاني إذا ما تعرّضت لهجوم خارجي. حينها ستكسب حركة طالبان ما خسرته أثناء حكمها، ولاء الأفغان الوطني.

عاش الأفغان أسوأ سنوات حياتهم حين استولت الحركة على الحكم. كانت سنوات مظلمة تماما. ذلك صحيح. غير أن الغزو الأميركي لم يكن من وجهة نظر الأفغان حلاّ مشرّفا. لم يكن أسوأ الحلول، بل هو العار الذي شعر كارهو طالبان بأن التورط فيه سيضعهم في موقع، لا يحق لهم من خلاله أن يوجهوا النقد إلى طالبان.

كان الغزو الأميركي خطوة طائشة ومتهورة وغير مسؤولة أفقدت طالبان السلطة غير أنها وهبتها شرعية كانت تفتقر إليها لا أمام المجتمع الدولي حسب بل وأيضا وهو الأهم أمام الشعب الأفغاني. تلك هي الشرعية التي قاتلت من خلالها طالبان الولايات المتحدة وأجبرتها على طلب الوساطة القطرية التي استغرقت سنوات لتصل بعدها إلى قناعة تفيد بضرورة الانسحاب من أفغانستان، وكأن شيئا لم يحدث.

لن يمنع أحد طالبان من الاستيلاء على العاصمة كابول وإسقاط حكومتها. تلك حكومة موجودة تحت حماية القوات الأميركية التي ما أن تنسحب حتى تسقط كل الهياكل التي لم يشعر الأفغان بضرورتها عبر عشرين سنة من الاحتلال. سيُقال دائما إن الأميركان أخطأوا في فهم العقل الأفغاني. تلك فرية ينبغي عدم تصديقها. فهل يُعقل أن دولة عظمى مثل الولايات المتحدة تملك أكبر مراكز للدراسات البشرية تذهب إلى حرب مكتفية بطيش رئيسها ورعونته؟

تعرف الولايات المتحدة أنها فشلت في مشروعها الأفغاني وتعرف أيضا أنّ لا أحد يملك القوة على مساءلتها ومحاكمتها بسبب الجرائم الكبرى التي ارتكبتها في أفغانستان. غير أنها في الوقت نفسه تدرك أنها لن تفلت من حساب التاريخ. إنها كررت الخطأ السوفييتي القاتل.

لقد قيل إن الروس كانوا أغبياء حيث سمحوا للغرب بأن يجد ثغرة يدخل من خلالها إلى نقطة عميقة في العقل الروسي وهو ما مهد لانهيار دولة السوفييت والعالم الشيوعي. غير أن الدفاع عن الأخطاء بالطريقة الذرائعية الغربية لا يمكن أن يقاوم الهزائم الكبرى.

هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان هي من نوع الهزائم الكبرى التي يمكن أن تلحق بها انهيارات لا يُستهان بها. ولكن تلك الانهيارات ستكون محصورة بأفغانستان المحاطة بجيران يسود علاقتها بهم نوع من سوء الفهم التاريخي الذي يمكن أن يجرّ إلى حروب لا تنتهي.

خسرت الولايات المتحدة حربها بعد أن أهانت شعب أفغانستان ببساطيل جنودها وديمقراطيتها الزائفة ووعودها الكاذبة. ألم تكن المخابرات الأميركية مسؤولة عن ولادة حركة طالبان وتأسيسها عن طريق المخابرات الباكستانية؟ ذلك ليس بالخبر الصادم ولا بالجديد. لم تكن تلك العلاقة تصدر عن الحب بل عن الرغبة في الهدم. لقد أنهت الولايات المتحدة الحرب الأهلية في أفغانستان عن طريق طالبان التي كانت تمتاز بكراهية المجتمع الدولي.

بعد عشرين سنة من الاحتلال سيخسر الشعب الأفغاني حلمه في الحرية.

هذه المرة سيكون على الأفغان الذين يحلمون بالحرية أن يغادروا البلاد إلى غير رجعة. فـ”طالبان” هي قدر أفغانستان. ذلك ما اعترفت به الولايات المتحدة وسيكون على العالم كله أن يعترف بذلك. لقد كُتب لذلك البلد أن يكون ميتا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى