شهادات صادمة تكشفها وكالة أمريكية عن استخدام إسرائيل الفلسطينيين دروعاً بشرية

كشفت وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية عن شهادات صادمة تفيذ باستخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين دروعاً بشرية خلال حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة.
وأكد سبعة فلسطينيين للوكالة أنهم أُجبروا على دخول المباني تحت التهديد قبل الجنود للتحقق من عدم وجود متفجرات أو قناصة.
كما شهد جنديان إسرائيليان سابقان بأن هذه الممارسة منتشرة، وأشارا إلى استخدام مصطلحات مهينة مثل “البعوضة” للإشارة إلى الفلسطينيين أثناء تنفيذ هذه الإجراءات.
ونقلت عن معتقلين فلسطينيين وعدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي أن الجيش يجبر المدنيين الفلسطينيين بشكل منهجي على العمل كدروع بشرية.
وحسب الوكالة، فإن الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية المحتلة قدّموا شهادات تفصيلية حول إجبارهم على تنفيذ مهام خطرة لصالح الجيش، من بينها التقدّم أمام القوات إلى أماكن يُشتبه بوجود مسلحين فيها.
ضربوه وهددوه بالقتل
وأوضح معتقل فلسطيني سابق لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي أنه أُجبر على دخول منازل في قطاع غزة مرتديا زيا عسكريا ومزودا بكاميرا على جبينه، للتأكد من خلوّها من المتفجرات أو المسلحين، مؤكدا أن كل وحدة عسكرية كانت تنقله إلى الأخرى بمجرد الانتهاء من استخدامه.
وأضاف الفلسطيني، الذي يبلغ من العمر 36 عاما، أن الجنود ضربوه وهددوه بالقتل إن لم ينفذ الأوامر، مشيرا إلى أنه بقي محتجزا لدى الجيش الإسرائيلي في شمال غزة لمدة أسبوعين ونصف خلال الصيف الماضي.
كما تحدث فلسطيني اعتُقل سابقا لدى الاحتلال أنهم استخدموه درعًا بشرية لمدة أسبوعين، مشيرا إلى أنه توسل لأحد الجنود قائلا “لدي أطفال وأريد العودة إليهم”.
وأوضح أنه أُجبر على دخول منازل ومبانٍ ومستشفى لحفر مواقع يُشتبه بوجود أنفاق فيها وتفتيشها.
وفي الضفة الغربية المحتلة، روت فلسطينية أن جنود الاحتلال اقتحموا منزلها في مخيم جنين وأجبروها على تفتيش شقق وتصويرها قبل اقتحامها، مشيرة إلى أنهم تجاهلوا توسلاتها للعودة إلى طفلها الرضيع، وقالت “خفت أن يقتلوني وألا أرى ابني مجددا”.
اعترافات إسرائيلية
وعلى الجانب الإسرائيلي، قال ضابط إسرائيلي للوكالة -مفضلا عدم الكشف عن هويته- إن أوامر استخدام الفلسطينيين دروعا بشرية كانت تصدر في الغالب من قيادات عليا، وإن هذا الأسلوب اتبعته تقريبا كل كتيبة ميدانية.
كما تحدث جنديان إسرائيليان عن ممارسات مشابهة، مؤكدَين أن استخدام الفلسطينيين دروعا بشرية بات أمرا شائعا، وأشارا إلى استخدام مصطلحات مهينة في وصفهم.
من جهته، زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه “يحظر استخدام المدنيين دروعا بشرية”، متهما حركة حماس باتباع هذا الأسلوب، لكنه أقر بأنه يحقق في عدد من الحوادث، دون تفاصيل إضافية.
من جهتها، اعتبرت منظمة “كسر الصمت” وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية، تنشر شهادات جنود سابقين حول انتهاكات جيش الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن هذه الشهادات “لا تمثل حوادث فردية، بل تشير إلى فشل ممنهج وانهيار أخلاقي خطير”.
وتقول منظمات حقوقية إنّ إسرائيل استخدمت الفلسطينيين دروعاً بشرية في غزة والضفة الغربية لعقود. وقد حظرت المحكمة العليا هذه الممارسة عام 2005، لكن المنظمات الحقوقية استمرت في توثيق انتهاكات كهذه.
وأكد أيمن أبو حمدان، البالغ من العمر 36 عاماً للوكالة، أنه أُجبر، وهو يرتدي ملابس عسكرية وكاميرا على رأسه، على دخول منازل في غزة لتفتيشها والتأكد من خلوّها من العبوات الناسفة أو المسلّحين.
وأضاف: “كانوا يضربونني ويقولون لي: لا خيار أمامك، افعل هذا أو سنقتلك”، وأكد أنه تنقل بين وحدات إسرائيلية عدّة لمدة 17 يوماً، قضاها في تنفيذ مهام تفتيش خطرة بينما الجنود يقفون خلفه ثم يتبعونه.
ولفت جندي وضابط سابقان، رفضا الكشف عن هويتهما، إلى أن تعليمات استخدام الفلسطينيين دروعاً بشرية جاءت من رتب عليا.
وذكروا أنه كان يُشار إلى هذه الممارسة باسم “بروتوكول البعوض”، فيما يُشار إلى الفلسطينيين باسم “الدبابير” وغيرها من المصطلحات اللاإنسانية.
وذكر الجندي والضابط، اللذان لا يخدمان في غزة الآن أن “هذه الممارسة سرّعت العمليات، ووفرت الذخيرة، وجنّبت الكلاب القتالية الإصابة أو الموت”.
جميع وحدات المشاة استخدمت نفس الطريقة
وأفاد أحد الضباط بأنه في نهاية خدمته التي استمرت تسعة أشهر في غزة، كانت جميع وحدات المشاة تقريباً تستخدم الفلسطينيين بهذه الطريقة، كما ذكر حادثةً قُتل فيها أحد المدنيين الفلسطينيين بطريق الخطأ بسبب عدم التنسيق بين وحدتين استخدمتا نفس الأسلوب.
وأوضح الضابط أنه بحلول نهاية الأشهر التسعة التي قضاها في غزة، كانت كل وحدة مشاة تستخدم فلسطينياً لتطهير المنازل قبل الدخول.
وقال الشاب البالغ من العمر 26 عاماً: “بمجرد أن بدأت هذه الفكرة، انتشرت كالنار في الهشيم. ورأى الناس مدى فعاليتها وسهولة تطبيقها”، ووصف اجتماعاً تخطيطياً لعام 2024، إذ قدّم قائد لواء لقائد الفرقة عرضاً تقديمياً بعنوان “اصطد بعوضة”، واقترح عليهم “اصطياد واحدة من الشوارع”.
وكتب الضابط تقريرين عن الحادث إلى قائد اللواء، يُفصّلان استخدام الدروع البشرية، وكان من الممكن رفعهما إلى قائد الفرقة، على حد قوله.
ووثّق أحد التقارير مقتل فلسطيني عن طريق الخطأ، على حدّ قوله، مشيراً إلى أن قوات إسرائيلية لم تُدرك أن وحدة أخرى كانت تستخدمه درعاً بشرياً، فأطلقت النار عليه أثناء ركضه إلى منزل.
وأوصى الضابط بارتداء الفلسطينيين ملابس الجيش لتجنّب أي خطأ في تحديد هويتهم، وقال إنه يعرف فلسطينياً آخر على الأقل قُتل أثناء استخدامه درعاً، إذ فقد وعيه في نفق.
القانون الإنساني الدولي
وصرح جنديٌ لوكالة أسوشييتد برس أن وحدته حاولت رفض استخدام الدروع البشرية في منتصف عام 2024، لكن قيل لهم إنه لا خيار أمامهم، إذ قال ضابطٌ رفيع المستوى إنه لا ينبغي عليهم القلق بشأن القانون الإنساني الدولي.
وقال الرقيب، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام، إن القوات استخدمت فتى يبلغ من العمر 16 عاماً وآخر يبلغ من العمر 30 عاماً لبضعة أيام.
من جانبه، قال مسعود أبو سعيد، وهو فلسطيني آخر، إنه استُخدم درعاً بشرياً لمدة أسبوعين في خانيونس، وأُجبر على البحث عن أنفاق وحفر مشبوهة، رغم توسلاته للجنود بأنه أب لأطفال ويريد العودة إليهم.
وقال الرجل البالغ من العمر 36 عامًا إنه أُجبر على دخول منازل ومستشفى لحفر أنفاق يُشتبه بأنها متفجرات وتطهير المناطق.
وأضاف أنه كان يرتدي سترة الإسعافات الأولية لسهولة التعرف عليه، ويحمل هاتفًا ومطرقة وقواطع سلاسل.
ولفت أبو سعيد أنه خلال إحدى العمليات، اصطدم بأخيه، الذي استخدمته وحدة أخرى درعاً بشرياً، مشيراً إلى أنه عانق أخيه حينها. وأضاف “ظننتُ أن جيش إسرائيل قد أعدمه”.
وامتدت هذه الممارسات إلى الضفة الغربية المحتلة أيضاً، إذ قالت الفلسطينية هزار استيتي، من مخيّم جنين، إن جنوداً أُجبروها على تصوير شقق سكنية وتفتيشها قبل اقتحامهم لها، رغم توسلاتها للعودة إلى طفلها الصغير.
فشل ممنهج وانهيار أخلاقي خطير
وندّدت منظمات مثل “كسر الصمت“، التي توثق انتهاكات الجنود الإسرائيليين، بما وصفته بـ”فشل منهجي وانهيار أخلاقي مروع”.
وقال نداف وايمان، المدير التنفيذي لمنظمة “كسر الصمت” – وهي مجموعة من الجنود الإسرائيليين السابقين الذين يوثقون شهادات من داخل الجيش، إن “هذه الشهادات ليست حوادث فردية، بل تكشف عن خلل منهجي وانهيار أخلاقي مروّع”.
وأضاف: “صحيح أن إسرائيل تدين حماس لاستخدامها المدنيين دروعاً بشرية، لكن جنودنا أنفسهم يروون كيف يمارسون الأسلوب ذاته”.